بعد طول مخاض وهروب و توار لم يجد قادة البعث البائد المنهار من ملاذ آمن يحميهم سوى جنوب الجزيرة العربية بعد أن ضاقت الأرض العربية بما وسعت بهم، فالبعثيون وهم يحاولون إعادة تنظيم صفوفهم المنهارة التي لم تستند يوما إلا لمنطق العلاقات السرية والكواليسية مع الدوائر الدولية لا يملكون من وسائل للتحرك سوى تعميم وتشجيع الإرهاب الأسود بشكله الطائفي الفج والمتخلف وعن طريق الملايين التي سرقوها من أفواه العراقيين و أرزاقهم، و يبدو أن حالة الإنهيار الشاملة التي أصابتهم بتنفيذ حكم العدالة بحق رموزهم القيادية الموغلة في الفاشية قد عراهم تماما و جعلهم كعصف مأكول في ظل تجدد الصراعات مع الفرع السوري للحزب و الذي ينتهج نهجا ميكافيليا يرتبط أساسا بمصلحة القيادة السورية و حساباتها لتعويم وإعادة التأهيل!! وأضحى تحركهم في دمشق صعبا و يخضع لموازين دقيقة من بينها إحتمالات عقد الصفقات و التسلم و التسليم، فقادة دمشق بارعون للغاية في عقد الصفقات المربحة لهم أولا و أخيرا ومصلحة النظام ووجوده فوق أي إعتبارات آيديولوجية خصوصا و أن حجم التورط السوري الرسمي في ملفات الإرهاب و حواشيه يحتاج لعملية غسيل و تنظيف واسعة للغاية لا تجد مجالها الحيوي إلا في الساحة العراقية الحبلى بالمفاجآت، و لعل التصعيد الدموي الأخير في العراق و الموجه أساسا ضد المدنيين و العزل كعملية إنتقام واسعة ومريضة وإجرامية من الشعب العراقي ردا على إعدام مجموعة من مجرمي البعث البائد قد سلط الضوء بالكامل على الجماعات الإرهابية التي تنشط لتدمير العراق وفي طليعتها حزب البعث العراقي الذي لا بضاعة حقيقية له سوى بضاعة الإرهاب الأسود و بشكله الطائفي الفج و الذي يحاول إستغلال ظروف الشعب العراقي الصعبة لركوب قطار السلطة من جديد وهو الأمر الذي لن يحدث مهما تطورت الأمور أو تعقدت، فالبعث قد أضحى من الماضي البعيد بكل ذكرياته السوداء و المريضة، و البعث قد زرع جراثيم الخراب بتحالفه المقدس مع جماعات الإرهاب السلفية التي تنشط في تجنيد المغرر بهم من عناصرها بدءا من تطوان وليس إنتهاءا بعدن !، وقد أسفر البعث أو بقاياه عن حقيقته الإرهابية من خلال حروب البيانات التي سبقت و أعقبت تنفيذ حكم القانون بحق مجرميه الذين هشموا العراق و كسحوا الأمة العربية، خصوصا و أن حرب البيانات تلك قد أوضحت على الملأ و للعالمين طبيعة التفكير الإنشقاقي الدائم في الفكر و السياسة البعثية و ما البيان الذي أصدره (بعثيو صدام) بفصل 150 عنصرا بعثيا من المقيمين في الشام إلا ترجمة حرفية لطبيعة التشتت البعثي الدائم الذي أنهى هذا الحزب علنيا من الوجود منذ عام 1966 عبر الإنشقاق الشهير الذي حصل في دمشق وأودع الحزب في متحف التاريخ الطبيعي كعنصر متحجر لا علاقة له بالحياة، و لعل من أطرف البيانات هي تلك التي أصدرها البعثيون في اليمن السعيد حينما بايعوا و بالجملة (بائع الثلج) المدعو (عزة الدوري) أحد الهاربين و المطلوبين للعدالة في العراق كقائد للبعث بقيادتيه الصيفية و الشتوية و كقائد عام للقوات المسلحة!! و كبديل جاهز عن المشنوق صدام التكريتي!! وهو بيان ينضح ضحالة و يدلل على مستوى و مصير حزب فاشي تافه أتاحت له ظروف التحالفات الدولية و مؤامرات الكواليس أن يهيمن على أهم بلدان الشرق الأوسط ستراتيجية و أهمية، و لعل المفارقة تكمن للأسف في تحول اليمن وهي الحليف المعروف للغرب في الحرب ضد الإرهاب كتجمع بديل لبقايا الإرهاب البعثي المتحالف مع القاعدة بشكل علني ؟ فما الذي يجري بالضبط ؟ خصوصا و أن اليمن قد عرفت بعلاقاتها الوثيقة سابقا مع النظام العراقي البائد من خلال منظومات عمل متشابهة سواءا على صعيد إدارة السلطة أو تركيبتها أو شكلها العائلي!! وهي علاقات قد ترسخت منذ أن أرسل النظام اليمني عام 1981 وحدات رمزية من قواته العسكرية من المتطوعين لتقاتل في الجبهة العراقية ضد إيران و التي إخترقت قواتها تلك القطعات في معركة الشوش/ ديزفول في ربيع 1982 لتدشن أولى الهزائم العسكرية الكبرى للجيش العراقي في عربستان!، كما أنه تحالف وثيق عبر عن نفسه بجلاء في الموقف اليمني من فضية غزو الكويت وحيث وقفت اليمن موقفا مساندا بشكل واضح للنظام العراقي و حاولت الدبلوماسية اليمنية وقتها تغطية الكارثة دون جدوى، و كان رد الجميل لليمن من خلال إقدام النظام العراقي البائد على دعم حليفه اليمني بشكل مباشر من خلال إرسال دفعات من الطيارين في حرب 1994 التي حاولت القيادة اليمنية الجنوبية خلالها فك عرى الوحدة مع نظام الشمال، وظل اليمن الرسمي يمسك العصا من النصف في صراع نظام البعث البائد مع العالم أجمع، خصوصا و أن اليمن تضم تنظيما بعثيا عراقيا مرتبط بقيادة بعث العراق القومية وهو التنظيم الذي يقوده (الرفيق قاسم سلام الشرجبي)!! و المنشق عنه تنظيم بعثي آخر!، و لكن الخلطة اليمنية قد جعلت التقارب بل و العمل المباشر بين الأموال البعثية وجماعات السلفية الجهادية المتوحشة و المتطرفة الموجودة هناك من الظواهر المثيرة للحيرة، فرغم النفي اليمني الرسمي لوجود عزة أبو الثلج الدوري على الأراضي اليمنية إلا أن الوقائع تؤكد وجوده هناك خصوصا في ظل نشر غسيل البعثيين الوسخ و بيانات الفصل و الإنشقاق الدائمة و التي جعلت من الرفاق (محمد يونس الأحمد و غزوان الكبيسي و مزهر مطني عواد) و 150 بعثي آخر بمثابة (مطاريد) أمام القيادة التي يمثلها (صباح المختار) في اليمن علنيا وهو مايؤكد وجود الدوري أبو الثلج المريض بسرطان الدم هناك دون ريبة !! السؤال الرئيسي : ما هو دور الحكومة العراقية في متابعة الموقف وإسترداد الإرهابيين ؟ و ماهو دور الإدارة الأمريكية التي وضعت الجوائز و الحوافز المليونية للقبض على الإرهابيين رغم أنهم باتوا يتحركون في الهواء الطلق و يصدرون البيانات السخيفة على عينك يا تاجر ؟ وهل تحول التافه السقيم عزة الدوري لبطل قومي من على فضائيات دعم الإرهاب ؟... إنها أسئلة بحاجة لإجابة من أهل الحل و العقد ! فجماهير القات قد بايعت إنكشارية البعث المهزوم كقادة لأم المعارك في نسختها الجديدة و المنقحة!!!... إنها فعلا لعبة الأمم!!.

[email protected]