بسم الله الرحمن الرحيم

( 1 )
النسخ فى القرآن وفى اللغة العربية يعنى الكتابة و الاثبات وليس الحذف والالغاء، والتفصيل فى كتاب لنا سبق نشره فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى ثم أعيد نشره على موقعنا،بعنوان ( لا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن الكريم : النسخ فى القرآن يعنى الكتابة والاثبات و ليس الحذف والالغاء ) وننصح القارىء الكريم بالرجوع اليه :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=5
وفيه جاء البرهان القاطع بأنه ليس فى القرآن ما يعرف بالنسخ التراثى أى أن آية بزعمهم قد نسختها أى أبطلت حكمها آية أخرى أو حديث كاذب منسوب للنبى محمد عليه السلام.
وعليه فاننى حين أقول ( النسخ التراثى ) فأقصد به تلك الأكذوبة التى تزعم أن أحكام القرآن الشرعية قد أبطلتها أحكام أخرى من القرآن أو مما يسمونه بالسنة، ذلك (النسخ التراثى ) يدخل ضمن علوم القرآن، وأفظعها فى الطعن فى القرآن الكريم.
ولا نريد فى هذا المقال تكرار ما قلناه سايقا فى البحث المشار اليه،حيث كان التركيز على دور النسخ التراثى فى الطعن فى تشريعات القرآن، ولكن نريد الإشارة الى ناحية جديدة ؛ هى دور ذلك ( النسخ التراثى ) فى الطعن فى القرآن الكريم ذاته ؛ فى سوره وآياته.


(2 )
ونبدأ بما قاله الامام السيوطى ت 911 عن ذلك ( النسخ التراثى) فى كتابه ( الاتقان فى علوم القرآن ) حيث يتحدث عنه كأحد علوم القرآن تحت عنوان : (النوع السابع والأربعون في ناسخه ومنسوخه) . وننقل عنه باختصار . يقول : (النسخ في القرآن على ثلاثة أضربrlm;: rlm; أحدهاrlm;:rlm; ما نسخ تلاوته وحكمه معًاrlm;.rlm; قالت عائشةrlm;:rlm; كان فيما أنزل عشر مرضعات معلومات فنسخن بخمس معلوماتrlm;.rlm; فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ في القرآنrlm;.rlm; رواه الشيخان.) أى روى البخارى ومسلم هذا الحديث الكاذب الذى يزعم أن هناك آية ملغاة فى النص ّ القرآنى، وملغاة أيضا فى حكمها الشرعى. وهذه الرواية لا تهدف الا الى التشكيك فى القرآن، وإلا فماهو الغرض من ذكر فقرة مزعومة، هم أنفسهم يقولون بالغاء حكمها الشرعى والغاء وجودها فى نصوص القرآن الكريم؟ أى ليس للبخارى و مسلم من هدف ـ من ايراد هذه الرواية الكاذبة ـ سوى الطعن فى القرآن. ومن يؤيدهما أو يدافع عنهما فهو معهما فى صف العداء لكتاب الله تعالى.

(3 )
ونرجع للسيوطى.
يقول عن النوع الثانى من (النسخ التراثى) :(الضرب الثانيrlm;:rlm; ما نسخ حكمه دون تلاوته، وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤلفة، وهوعلى الحقيقة قليل جدًا، وإن أكثر الناس من تعديد الآيات فيه فإن المحققين منهم كالقاضي أبي بكر بن العربي بيّن ذلك وأتقنهrlm;.rlm; )
وأقول هذا النوع من النسخ التراثى هو الذى يلغى معظم تشريعات القرآن الكريم بأن يضرب بعضها ببعض أوأن يضربها بحديث كاذب منسوب للنبى محمد عليه السلام، كحديث ( لا وصية لوارث )الذى بدأ به الامام مالك فى الموطأ، ثم جعله يلغى آيات الوصية للوارثة المذكورة فى القرآن الكريم كقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ( البقرة 180 ) (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا .وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ) ( النساء 11، 12 )
وقد جاء الشافعى على منوال مالك يقعّد فى كتابيه ( الأم ) و( الرسالة ) النسخ التراثى و بل ويزايد على مالك فيجعل ما يسميه بالسنة ( تنسخ ) أى تلغى القرآن الكريم. والسيوطى هنا يرى أن هذا النوع من النسخ التراثى قليل جدا، يقول (، وهوعلى الحقيقة قليل جدًا) ثم يقول ( وإن أكثر الناس من تعديد الآيات فيه ) أى أن بعضهم بالغ فى القول بالنسخ التراثى حتى عطل معظم تشريعات القرآن.


(4 )
ثم يقول السيوطى عن النوع الثالث من النسخ التراثى ( الضرب الثالثrlm;:rlm; ما نسخ تلاوته دون حكمهrlm;.rlm; )أى ليس موجودا فى القرآن ولكن حكمه موجود . ويعطى أمثلة فيقول ( وأمثلة هذا الضرب كثيرةrlm;: قال أبوعبيدrlm;:rlm; حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قالrlm;:rlm; لايقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله، وما يدريه ما كله، فقد ذهب قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهرrlm;.rlm; ) أى يأتى برواية يزعم فيها أحدهم فى العصر العباسى أن عبد الله بن عمر قال ـ منذ قرون خلت ـ أنه ضاع كثير من القرآن فلا يصح لأحد أن يقول إنه قد حفظ كل القرآن لأنه لا يدرى كل القرآن فقد ضاع منه الكثير. وطبعا لن يخرج عبد الله بن عمر من قبره ليعلن كذب هذا الراوى الأفاق .
ويروى السيوطى رواية اخرى ( قالrlm;:rlm; حدثنا ابن أبي مريم عن أبي لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير بن عائشة قالتrlm;:rlm; كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآنrlm;.rlm; ) فهنا ينسبون للسيدة عائشة قولها أن سورة الأحزاب كانت 200 آية فاختصرها عثمان الى ما هى عليه الان، أى حذف منها 127 آية.
والذين كتبوا فى الفتنة الكبرى وخصومة السيدة عائشة لعثمان فى حياته لم تخطر على بالهم تلك الأكاذيب، بل إن المراجع التاريخية المبكرة كالطبقات الكبرى لابن سعد وتاريخ الطبرى لم ترد فيها مطلقا تلك الأكاذيب عن عثمان، مع وجود أخطاء هائلة له أدت الى الثورة عليه ومقتله. ولو ارتكب عثمان هذه الخطيئة فى حق القرآن لقامت عليه قيامة الصحابة ولكانت الثورة عليه دينية اسلامية قرآنية حيث قام بتحريف القرآن الكريم وحذف آياته. ولكن الثورة على عثمان كانت أساسا بسبب استئثار أهله الأمويين بالثروات المنهوبة من البلاد المفتوحة و تغلبهم علي قراراته السياسية. والملاحظ أن السيدة عائشة كانت تهاجم عثمان فى خلافته لأسباب سياسية، فلما لقى مصرعه و تولى الخلافة على بن أبى طالب هبت لتقود جيشا يحارب عليا بزعم أن عثمان قد قتلوه ظلما.

(5 )
ويأتى السيوطى برواية أخرى بسلسلة من العنعنة والاسناد أيضا تقول ( وقالrlm;:rlm; حدثنا إسماعيل بن جعفر عن المبارك بنفضالة عن عاصم بن أبي النجود عن ذر بن حبشrlm;:rlm; قال لي أبيّ بن كعبrlm;:rlm; كأين تعد سورة الأحزاب قلتrlm;:rlm; اثنتين وسبعين آية أوثلاثة وسبعين آية قالrlm;:rlm; إن كانت لتعدل سورة البقرة وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجمrlm;.rlm; قلتrlm;:rlm; وما آية الرجم قالrlm;:rlm; إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة نكالًا من الله والله عزيز حكيمrlm;.rlm;) أى كانت سورة الأحزاب تعدل سورة البقرة لولا ( التخفيض ) الذى جرى عليها، والتخفيض هنا مختلف عن الرواية السابقة،إذ تصل عدد الايات المحذوفة من سورة الأحزاب ـ بزعمهم ـ 213 . وأيضا فالرواية هنا لا تضع الوزر على عثمان لأنها صيغت لتشريع رجم الزانى المحصن، و تنسب ذلك لعمر فى روايات اخرى.
ومرة أخرى نقول أننا قد ناقشنا هذا الزعم الكاذب فى رجم الزانى فى بحث منشور على موقعنا يثبت أنه لا وجود لما يعرف بحد الرجم. ولكن المهم هنا أن اختراع تلك العقوبة المزورة استلزم اختراع تشريع لها يزعم وجود آية عنه فى سورة الأحزاب، وأنه تم الغاء لفظها مع بقاء حكمها الشرعى. و لا يتحدث أحد عن الحكمة فى شطب آية مع بقاء حكمها الشرعى .. فيما يزعمون ..!!
ويقول السيوطى ( وقالrlm;:rlm; حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن مروان بن عثمان عن أبي أمامة بن سهل أن خالته قالتrlm;:rlm; لقد أقرأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجمrlm;:rlm; الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة بما قضيا من اللذةrlm;.rlm;) وإذا كان النبى محمد عليه السلام معتنيا بهذه الفقرة الى هذا الحد الذى يجعله يقرؤها لأصحابه و النساء منهن ـ بزعمهم ـ واذا كانت حكما شرعيا فلماذا تم إلغاؤها من القرآن وعدم كتابتها فى المصحف؟

(6 )
ويقول السيوطى : ( وقالrlm;:rlm; حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني ابن أبي حميد عن حميدة بنت أبي يونس قالتrlm;:rlm; قرأ علىّ أبي وهوابن ثمانين سنة في مصحف عائشةrlm;:rlm; إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وعلى الذين يصلون الصفوف الأولrlm;.rlm; قالتrlm;:rlm; قبل أن يغير عثمان المصاحفrlm;.rlm;) أى أنه كان هناك مصحف خاص بالسيدة عائشة، وأنها احتفظت فيه بفقرة مما أسقطه عثمان من المصحف ـ بزعمهم، وأن هذا المصحف المجهول وصل الى الأخ المحترم أبى يونس الذى لا توجد أدنى صلة بينه و بين السيدة عائشة أو أى أحد من أقاربها. وأن الأخ المحترم اياه ( أبو يونس ) عندما بلغ ـ بالسلامة ـ سن الثمانين قرأ شيئا من مصحف عأئشة على ابنته السيدة الفاضلة ( حميدة بنت يونس ) ـ ولا نعرف ماذا كان عمرعا المبارك حينئذ . ثم انها قامت بدورها بحكاية هذا الخبر لمن كان اسمه ابن أبى حميد، و التشابه بين الاسماء يوحى أنه ربما كان ابنها، ولكن المهم أنه حكى ذلك لابن جريج الذى حكاه فيما بعد لمن اسمه حجاج.
المهم أنها سلسلة مضحكة من أسماء ملفقة كالعادة لدى رواة الأحاديث و السنة فى العصر العباسى الثانى الذين كانوا يؤلفون الحديث ثم يخترعون له سندا من أسماء الموتى السابقين، بعضها عاش فعلا والبعض اخترعوه من بنات ـ وأولاد ـ أفكارهم وهم متأكدون أن أحدا من أولئك الموتى لن يقوم من قبره ليلعن كذبهم.
ويقول (قال الحسين بن المناري في كتابه الناسخ والمنسوخrlm;:rlm; ومما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت في الوتر وتسمى سورتي الخلع والحفدrlm;.) وهذا الحسين بن المناوى عاش فى العصر العباسى الثانى بعد موت النبى محمد عليه السلام و الصحابة بعدة قرون، فمن أعلمه بوجود هاتين السورتين المزعومتين فى القرآن؟ ولم يسبقه أحد بهذا القول؟. أم أن القرآن الكريم أصبح ألعوبة لكل من هب ودب من صغار البشر يتقولون عليه ما يشاءون، ثم يأتى السيوطى وغيره ينقل عنهم مصدقا لأكاذيبهم مناصرا لهم ضد كتاب الله العزيز .

(7 )
ومن هذا النوع أورد السيوطى روايات أخرى كاذبة يضيق الصدرمن ايرادها كلها.ثم فى النهاية يقول منبها : ( rlm;تنبيه: حكى القاضي أبو بكر في الانتصار .. إنكار هذا الضرب لأن الأخبار فيه أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها )أى بعد أن أوجع قلوبنا بتلك الأكاذيب المفتراة ألغاها بجرة قلم قائلا إنها أحاديث آحاد، وأحاديث الأحاد عندهم لا تفيد حجة ولا برهانا ولا يصح الاحتكام اليها فى القرآن الكريم القائم على اليقين. وإذن ياأيها السيوطى لماذا استشهدت بها؟ والجواب لأنها ضمن علم ( النسخ التراثى ) الذى يجعله السيوطى ضمن علوم القرآن، حتى لو كان قائما كله على روايات وأحاديث آحاد يعترفون بأنها لا تفيد حجة ولا يصح أن تكون حكما على القرآن الكريم.
ونذكر القارىء الفاضل بحقيقة يقول بها علماء ما يسمى بالحديث؛ هى أن كل الأحاديث ـ أكرر: كل الأحاديث ـ الموجودة فى البخارى و مسلم وغيرهما ـ أكرر: كلها ـ أحاديث آحاد. أى ليست محلا للايمان و انما هى مجرد أخبار تحتمل الصدق و الكذب، و لايعمل بها إلا عند ترجح صدقها ـ أو إذا وافقت آية قرآنية.
ونذكّر القارىء أن قول السيوطى عن أحاديث الآحاد ينطبق على ما أورده بنفسه فى حديث رواه الشيخان البخارى و مسلم وقد استشهد به من قبل. أى أنه دون أن يقصد قد ألمح الى أن ما جاء به البخارى و مسلم ليسا سوى أحاديث آحاد لا يعتد بها فى دين الله تعالى الذى لا يقوم إلا على اليقين. واليقين هو القرآن الذى لا ريب فيه ولو كره الكارهون.

(8 )
النسخ التراثى لم يقتصر على الطعن فى القرآن بالأصالة، ولكن تسلل الى باب آخر من علوم القرآن يطعن من خلاله القرآن الكريم، وهو اسطورة جمع القرآن فى عهد أبى بكر وعثمان . وهنا يتداخل القول بالنسخ التراثى فى اختلاف الروايات حول جمع القرآن و تدوينه، فيروى السيوطى عن بعضهم (إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أوتلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمرrlm;.rlm;). أى يزعم أن النبى محمدا عليه السلام لم يقم بجمع القرآن فى مصحف انتظارا لمجىء الناسخ و المنسوخ، ثم مات النبى فقام بالجمع أبوبكر . ولم يقل الراوى هل جاء الناسخ والمنسوخ للنبى فى حياته أم لا، ولكن الرواية تربط النسخ التراثى بجمع القرآن وما يحويه من التشكيك فى القرآن الكريم .
والسيوطى فى إحدى اساطير جمع القرآن فى عهد ابى بكر يقول (لما كان بعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته فقيل لأبي بكرrlm;:rlm; قد كره بيعتك فأرسل إليه فقالrlm;:rlm; أكرهت بيعتي قالrlm;:rlm; لا والله قالrlm;:rlm; ما أقعدك عني قالrlm;:rlm; رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه قال له أبو بكرrlm;:rlm; فغنك نعم ما رأيت قال محمدrlm;:rlm; فقلت لعكرمةrlm;:rlm; ألفوه كما أنزل الأول فالأولrlm;.rlm; قالrlm;:rlm; لواجتمعت الأنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعواrlm;.rlm; وأخرجه ابن أشتة في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين وفيه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وأن ابن سيرين قالrlm;:rlm; تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه )
أى أن الرواية تزعم أن عليا كتب الناسخ و المنسوخ فى ذلك المصحف المزعوم، وأن ابن سيرين حاول البحث عن هذا المصحف فى المدينة فلم يجده.
وجاء السيوطى برأى بعضهم فى الفرق بين جمع ابى بكر وجمع عثمان للقرآن :( وقال القاضي أبو بكر في الانتصارrlm;:rlm; لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلغاء ما ليس كذلك وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل أثبت مع تنزيل ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعدrlm;.rlm;)
أى أن جمع أبى بكر احتوى على تاخير وتقديم و تنزيل و تأويل، وناسخ ومنسوخ . ولا ندرى من أين جاء بهذا العلم بالمصحف الذى جمعه ابو بكر وما فيه من ناسخ ومنسوخ اذا كان عثمان قد أحرق كل النسخ فى عهده، وأبقى منها النسخة الوحيدة التى صارت أصلا لكل المصاحف حتى اليوم. وعلى فرض صحة كلامه فانه لا مجال للنسخ التراثى بعد أن محاه عثمان (خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد ) على حد قوله.

(9 )
بقى أن نتوقف مع احدى عجائب السيوطى هنا.
فهو يأتى برواية البخارى عن جمع القرآن و تدوينه، و فيها استعمل البخارى مصطلح النسخ بمعناه الحقيقى وهو الكتابة و التدوين و ليس بالمعنى التراثى الذى يعنى الحذف والالغاء. يقول (روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمانrlm;:rlm; أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك) أى كانت صحفا ولم تكن رقاعا وجريد نخل، وكان يريد نسخها بمعنى كتابة نسخ منها ( فأرسلت بها إلى حفصة فأمر زيد ابن ثابت عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف) أى كتبوها ودونوها، وليس: حذفوها وألغوها ( وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثةrlm;:rlm; إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة) حتى اذا نسخوا الصحف فى المصحف يعنى كتبوا ودونوا و ليس حذفوا يا سيوطى ..( وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا) أى بما كتبوا يا سيوطى
( 10 )
عيب عليك يا سيوطى !!