-1-
كلنا يشاهد كل يوم ما يجري في العراق من مذابح، خاصة بعد اقامة quot;دولة العراق الإسلاميةquot; المزعومة والمضحكة، والتي تزيد من حجم المأساة العراقية والعربية على السواء، وتزيد صورتها سواداً، وقتامة.
لكننا بالمقابل، لا ننظر الى هذه المأساة من طرفها الآخر، وهو كيف أن هذا الشعب العراقي الشجاع، يُصرُّ على الحياة كل يوم، رغم كل هذه المذابح الوحشية التي تتم يومياً. وفي ظني أن قلة قليلة من شعوب العالم في التاريخ البشري فعلت ما فعله الشعب العراقي من مقاومة بالإصرار على الحياة، والإصرار على ركوب جياد المستقبل، وليس ركوب بغال الماضي المليئة بالقروح والدمامل والأمراض.
-2-
فرغم قتل العشرات من رجال الشرطة العراقية يومياً، لكي لا يستتب الأمن في العراق، وتبقى الفوضى والفلتان الأمني صفة العراق اليومية المطلقة، يعود الشباب العراقي كل يوم للالتحاق بسلك الشرطة والتدريب، اصراراً منهم على احياء هذا الوطن، وبقائه، ونموه، وازدهاره.
ورغم عشرات الطلبة والأساتذة الذين يقتلون ضحايا أبرياء، وفداءً لحرية العراق الجديد، في كل اسبوع، وأحياناً في كل يوم، فما زال الطلبة والأساتذة يتوافدون على مقاعد الدرس، ويصرون على متابعة العلم، من أجل أن يستمر العراق شعلة للحرية والديمقراطية، في العالم العربي.
ورغم محاولة (زعران) العراق، وغربان العرب، ولصوصهم، وقُطّاع طرقهم، والمرتزقة الإيرانية والسورية، وبقايا حزب البعث النازي، والحالمين بعودة الديكتاتورية الساقطة، نسف جسور العراق، ومحطات الكهرباء والمياه، وكل أسس ومرافق البُنى التحتية، وتفجير السيارات المفخخة في شوارعه وأسواقه التجارية، وسرقة خزائنه، إلا أن العراق الجديد يكبر كل يوم، وينتصر كل يوم، ويقدم قرابينه على مذبح الحرية والديمقراطية كل يوم، رغم كل هذه الخسائر البشرية اليومية الهائلة.
-3-
والعرب الفزعون المرتاعون المذهولون من هذه التضحيات اليومية العراقية، هم يائسون ومنهارون، لأنه لم يسبق لهم أن دفعوا هذا الثمن الغالي للحرية، التي لم يشربوا كأسها العذب المرّ من قبل، طيلة تاريخهم الطويل والممتد.
فقد كانت الحرية الكاذبة والمزيفة، تأتيهم على ظهر دبابة انقلابية عسكرية، أو عن طريق انقلاب دموي حزبي أحادي الجانب، أو عن طريق موت حاكم وتولّي حاكم آخر. وكانت القصص تنتهي نهايات حزينة. فيأتي الجديد أسوأ من القديم، وهكذا دواليك.
ربما كان الحكم الجديد في العراق، فعلاً أسوأ من القديم في مظهره، وفي نتائجه المؤقتة. ولكن الفرق بين الماضي والحاضر في العراق، أن الشعب العراقي يستطيع أن يقرر الآن مصيره بنفسه، ويعاقب الفئة السياسية الحاكمة في العراق الآن، بأن لا يعيد انتخابها، بعد أن أذاقته كؤوس الخيبة والفساد ونهب المال العام والفلتان الأمني. ورغم هذا فالعراق بخير، لأن السلطة أصبحت فيه تتداول بين الأجيال، ولم تعد محصورة وقاصرة في عائلة معينة، وفي بيت واحد، وفي حزب واحد فقط. وأصبح الشعب العراقي وحده دون بقية الشعوب العربية، هو الذي يستطيع أن ينتقد حكامه علانية، ويطالب باقصائهم، من أكبر رأس في السلطة الى أصغر رأس فيها، وبكل حرية ونزاهة وشجاعة. وهذا كفيل بأن يُصلح الأمور قريباً في العراق، في حين أن الاصلاح العربي الآخر، في علم علاّم الغيوب .
-4-
هذه هي الأهمية الكبرى التي حققها العراق، ودفع ثمنها غالياً نيابة عنه ونيابة عن العرب أجمعين، الذين سوف يعي كل واحد منهم هذه الحقيقة، ولكن بعد وقت طويل. أما الآن فهم مرتاعون ويرتجفون ومذهولون أمام شاشات التلفزيون العربية والغربية التي تعرض كل يوم مشاهد للمسالخ الجديدة التي يقيمها الارهابيون والجلادون الجُدد للعراقيين يومياً، لكي يتوب الشعب العراقي عن الحرية والديمقراطية، ولكنه لن يتوب أبداً، ولن يكفر بهذه الحرية ولا بهذه الديمقراطية. وهو على استعداد - كما نشاهد ونقرأ كل يوم ndash; لأن يستمر في تضحياته على هذا النحو، إلى أن تنضج فاكهة الحرية والديمقراطية المُحرّمة على باقي الشعب العربي حتى الآن.
-5-
أما ما يصفق له العُربان الغُربان كالبلهاء البهاليل في العراق الآن، كـ quot;دولة العراق الإسلاميةquot; المزعومة والمضحكة، فمصيرها سلة قمامة التاريخ. وكم شهد التاريخ البشري من حركات قامت وطفحت، كالدمامل المتقيئة على جسم الحرية والديمقراطية، ولكنها لم تلبث أن أخرجت قيئها، وزالت، وتعافي الجسم منها.
فما هذا العراق الجديد النارد والعجيب الآن الذي استعصى على أفهام العربان الغربان، ولم يشاهدوا منه، إلا ما تعرضه لهم كاميرات الإعلام العربي الشامت والمُضلل والشعبوي الغوغائي، الذي لا يرى العراق الجديد الآن، إلا من خلال الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، وهذه الأشلاء من الضحايا الأبرياء، وهذه الأمهات الباكيات على فلذات أكبادهن فقط؟
وهو ما يشير الى المرض النفساني والسياسي الخطير الذي يعاني منه العرب الآن، والذي يحتاج الى (كونسلتو) طبي عالمي ومتخصص لإبراء العرب منه.
السلام عليكم.
التعليقات