حق العودة الخاص بالشعب الفلسطيني المهجر عنوة من وطنه التاريخي منذ عام 1948، مسألة خاصة بالشعب الفلسطيني وحده، هو من يقرر أية إجراءات أو مواقف بخصوصها، وذلك اعتمادا على الفقرة 11 من قرار 194 الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الثالث من ديسمبر لعام 1948، الذي نصّ صراحة على: (وجوب السماح للفلسطينيين الراغبين في العودة إلى منازلهم والعيش بسلام مع جيرانهم العودة في أقرب وقت عملي يسمح بذلك، وفي حال اختيار الفلسطيني للبقاء في الخارج وتعبيره عن رغبته في عدم العودة، فهنا دون شك يجب أن يتم دفع التعويضات المادية والمعنوية لكل من يختار هذه الرغبة، وذلك عمّا يكون قد لحق بهؤلاء الأشخاص من أضرار معنوية نشأت عن معاناتهم وأيضا مادية كبديل عمّا فقدوه من ممتلكات من جراء ذلك). وهذا النص الذي يتشبث به الفلسطينيون جيلا بعد جيل لا يفتح أية نافذة لأي شخص مهما كانت صفته أن يقرر نيابة عن الفلسطيني أن يختار العودة أوالتعويض، لأن من هو ليس مواطنا فلسطينيا لا مصلحة له أن يقول: العودة أو التعويض، وبالتالي لا أعتقد أن هناك مواطنا عربيا يفكر في التقرير نيابة عن الفلسطيني، لأن من يفكر في قرار ما يعني أن هناك من يسمع له ويطبق قراره، وفي حالة حق العودة للفلسطيني لا إسرائيل ولا غيرها يسمع لعربي في هذا الشأن، لأنها أساسا لم تنصاع طوال الستين عاما الماضية لقرار الأمم المتحدة، ولم تسمع إصرار الشعب الفلسطيني على ذلك، بدليل أنها على عكس ذلك أصدرت في الخامس من تموز لعام 1951 قانون (العودة اليهودي) الذي يكفل (لكل يهودي في العالم العودة للمطالبة بالجنسية الإسرائيلية والإقامة).

التصيد الخاطىء اعتمادا على مصادري حق العودة
إن التذكير بهذه الأساسيات والمبادىء الخاصة بحق العودة للشعب الفلسطيني، هدفه بيان كم يضيّع قطاع واسع من الإعلام العربي وقته وجهده في مسائل لا تخدم حق العودة الذي يتبجح بضرورته، ففي الأيام الماضية انشغل هذا القطاع الواسع من الإعلام العربي بتصريحات نسبها مسؤون إسرائيليون للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حول (إن حق العودة هو خيار من الخيارات وبجانبه خيار التعويض)، ورغم صدور النفي الأردني الرسمي لذلك من أعلى المستويات إلا أن ذلك الإعلام ظلّ يهاجم السياسة الأردنية ويبكي ويندب على حق العودة، متناسين عن عمد أو جهل أنهم بذلك يخدمون التوجهات الإسرائيلية التي تريد بث الفرقة والخلاف في واقع عربي ممزق أساسا، وكم كانت جهود ذلك الإعلام ستكون مفيدة وداعمة لحق العودة لو ركّزوا على النفي الأردني الرسمي الصريح الواضح، ليؤكدوا أن النفي الأردني يقرر علنا أن حق العودة شأن فلسطيني لا يقرره أحد غيره بدليل هذا النفي الأردني .
وأساسا من غير المنطقي ولا المعقول أن تصدر هكذا مواقف من العاهل الأردني في هذا السياق والوقت بالذات، لأن زيارة الوفد الإسرائيلي للعاصمة الأردنية، كانت عقب تكليف الجامعة العربية للأردن ومصر للاتصال بإسرائيل لشرح المبادرة العربية، وبالتالي لا يعقل أن تصدر تلك التصريحات عن العاهل الأردني وهو مكلف أن يتكلم باسم الجامعة العربية أي كافة الدول العربية، من هنا فإن الضجة التي أثيرت في بعض وسائل الإعلام العربي رغم النفي الأردني الرسمي، لم تكن غيرة على حق العودة بقدر ما هي مجرد فرصة للهجوم على السياسة الأردنية، أي أن المسألة (ليست رمانة بقدر ما هي قلوب مليانة)، والدليل على ذلك لو أن وزير الخارجية الأردني مثلا قام بزيارة إسرائيل في الأيام القادمة اعتمادا على قرار الجامعة العربية، سنجد نفس الأقلام تنسى تكليف الجامعة العربية وتشن حملتها ضد الأردن ووزير خارجيته، بينما هناك وزراء خارجية عرب يزورون إسرائيل بمبادرة شخصية أي بدون أي تكليف من الجامعة العربية، ولا يواجهون من نفس الأقلام إلا الترحيب بالزيارة والخدمات الجليلة التي أدتها تلك الزيارة للشعب الفلسطيني وصموده.

ليس دفاعا عن الأردن
إن دولة تملك وسائل إعلامها المتعددة ليست بحاجة لأحد أن يدافع عنها، ولكن الكارثة المبكية فقط بدون مجال للضحك، أن بعض الأقلام و وسائل الإعلام العربية تخصصت في القدح والشتم بدون حقائق دقيقة، فأنا مع نقد كافة الأنظمة العربية بما فيها الأردن عند الاعتماد على معلومات وحقائق موثوقة، وأية معلومات مهما كان مصدرها تنتهي قيمتها عند صدور نفي رسمي صريح لها من صاحب الشأن. وكحقائق على الأرض لا بد من التذكير بمواقف أردنية ذات علاقة بالموضوع:
أولا: كان الأردن في زمن المرحوم الملك حسين المبادر في عام 1988 لإعلان قرار فك الارتباط بين الضفة الغربية والأردن دعما للكيان الفلسطيني، عقب إعلان المجلس الوطني الفلسطيني في دورته بالجزائر قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967، وذلك ثماني سنوات قبل الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل، ذلك الاعتراف الذي لم تنفذ إسرائيل شيئا من التزاماتها بصدده.
ثانيا: التأكيد الأردني الرسمي المتكرر بأنه لا عودة عن قرار فك الارتباط، ولا نقاش في العلاقة بين الضفتين قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وبعد ذلك يقرر الشعبان ما يريدان.
ضمن هذه الخطوط الواضحة في السياسة الأردنية، يصبح من الدعم الأكيد لحق العودة الفلسطيني أن يتم التأكيد على النفي الأردني لما ادعته الصحافة الإسرائيلية، وليس العكس الذي يرّوج لأكاذيب إسرائيلية هدفها زعزعة الثبات الفلسطيني على حق العودة من خلال القول للفلسطينيين، أنتم وحدكم من يصرّ على حق العودة في حين أن بعض القادة العرب مع التعويضات رغم أن التعويضات نصّ عليها قرار الأمم المتحدة رقم 194 الذي يصرّ الفلسطينيون على تطبيقه . إن الإعلام الإسرائيلي ليس دائما بريئا وصادقا، فهو دوما في خدمة المصالح الإسرائيلية التي لا تلتقي مع المصالح الفلسطينية، بدليل أن للفلسطينيين قرار حق عودتهم، وللإسرائيليين وإعلامهم قرار عودتهم الخاص، وعودتهم تمت وتتم حتى هذه اللحظة على حساب تأجيل أطول لتنفيذ قرار عودتنا الذي هو قرار فلسطيني ...فلسطيني فقط.
[email protected]