ظل quot;الكابتن عمروquot; طيلة حياته الأول في كل شئ، ففضلاً عن كونه quot;الولد البكريquot;، ظل طيلة سنوات دراسته الأول، كما احتفظ بالموقع الأول في منافسات لعبة الشطرنج التي أوحى إليه أبوه بها، وجعلها رياضته الذهنية الأثيرة، وكان الأول أيضاً في مسابقات الموسيقى، إذ اشتهر ببراعته في العزف على الكمان، وطالما سافر خارج البلاد للمشاركة في مسابقات دولية، ومع ذلك لم يحترف العزف، بل واصل دراسته حتى تخرج في إحدى quot;كليات القمةquot; وعين معيداً، وأنجز الدكتوراه بمرتبة الشرف، ليبدأ مسيرته معلماً ومبشراً ونذيرا.
لكن لماذا يطلق عليه quot;الكابتنquot;، وكان ينبغي أن يكون quot;الدكتورquot;؟
الجواب ببساطة لأنه يهوى هذا اللقب ربما لميله للتصابي رغم وقوفه على عتبات الستين، أو لعله يملأ فراغاً بأعماقه، إذ لم يضبط يوماً يقترب من البسطاء، فيأكل مثلهم quot;فول العربياتquot; أو يلعب الكرة بالشارع، وربما كان السبب أبسط ويرجع فقط لتكوينه الجسماني الذي يشبه quot;الكباتنquot; المعتزلين حين يمارسون أدواراً شتى، إلا اللعب، بعد أن ترهلوا وحاصرتهم الأمراض، لكنهم يظلون أكثر حرصاً على لقب quot;الكابتنquot;.
ورغم أن quot;الكابتنquot; تربى quot;أحسن تربيةquot; وتلقى quot;أحسن تعليمquot;، وعاش حياته حسب quot;الكتالوجquot;، ووفقاً لمعايير الجودة، لكنه ظل يشبه quot;الفراخ البيضاءquot; رائعة الهيئة، ثقيلة الوزن، لكنها بلا طعم، أو كالفاكهة المهجنة التي أنضجتها الكيماويات قبل الأوان، فاتخذت هيئة مثالية لشكل الفاكهة كما ينبغي أن يكون، لكنها فقدت أجمل ما في الفواكه وهو المذاق والعسيلة .
حتى حين تزوج quot;الكابتنquot;، فقد مضت الترتيبات وفق قواعد كتاب quot;أبلة نظيرةquot; لأصول quot;الاتيكيتquot;، فكل التفاصيل كانت معدة سلفاً، بدءاً من اختيار المحظوظة التي أسعدها زمانها بأن تكون عروس quot;الكابتنquot; سليل العائلات وابن الذوات وصانع المعجزات، وصولاً للمسائل المزعجة كالشقة والمهر والشبكة، إذ أن كافة هذه الأمور مرتبة حتى قبل أن تراود quot;سي عمروquot; فكرة الارتباط .
لكن مع كل هذا يمكن المرء أن يزعم بضمير مرتاح أن quot;الكابتن عمروquot; لم يكن سعيداً، فكثيراً ما تورط في نزوة هنا ومغامرة هناك، حتى خرجت إحداها إلى العلن وصارت فضيحة، لكن سرعان ما تجاوزها، وإن ظلت نقطة سوداء شابت تاريخه المثالي المطابق للمواصفات القياسية للـ (أيزو) البشري .
لكن لماذا لا تكون هذه المثالية المفرطة هي السبب في أن يكون الرجل على هذا النحو من التعاسة وquot;الغلquot; الذي دفعه لأن يكون شريراً محترفاً، وعدوانياً لا يشق له غبار، فقد رسخ تفوقه التاريخي داخله إحساساً بالعظمة، وجعلته يرى نفسه (نصف إله) أو (سوبرمان) لا يُبارى، ولا يقبل بغير الضربة القاضية ليحسم بها معاركه مهما كانت بسيطة، ويستخدم أسلحته الثقيلة دون تردد، فلا يقبل مجرد فكرة أن يرقى أحدهم لمرتبة المنافس، وفي سبيل ذلك يدهس كل يعترض طريقه من بشر وثمر وحجر .
ومع أن الكابتن يؤكد دائماً أنه رجل متحضر ونبيل في خصومته، فلا يلف وسطه بحزام متفجرات أو يخفي شفرة حلاقة تحت لسانه، أو يشهر مطواة قرن غزال بوجوه خصومه، إنه مفكر ومُنظّر quot;عتويلquot;، وإن كان لا يملك سوى إيمانه الراسخ بذاته المتورمة، لكنه لا يتردد لحظة في تأديب وتهذيب كل من لا يضبط حياته على موجة مصالحه وعداواته وصداقته وحساباته المعقدة.
مسكين quot;عمروquot; فقد أصبحت حياته أشبه بمدن النحاس، تبدو من الخارج جميلة متقنة، لكنها منزوعة الطعم، خالية من الحياة.
أن تشعر دائماً بأنك مثل بقية خلق الله، وأن تؤمن صادقاً بكونك مجرد واحد من آحاد الناس، هذه نعمة كبيرة لا يعرف قدرها quot;الكابتن عمروquot; والذين يشبهونه.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات