[ جميع الندابين حقراء/ والشعب لمغرم بالسوط المُخْبِل/ القديس الحقيقي هو الذي يجلد الشعب لصالح الشعب ] بودلير / ازهار الشر
[ الا فقد والله عبتم علي بما اقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بسانه، فدنتم له على ما احببتم او كرهتم، ولنت لكم، واوطات لكم كتفي، وكففت يدي ولساني عنكم، فاجترأتم علي ]
عثمان بن عفان

لم يخرب الاسلاميون حياتنا واحلامنا ومدننا وحسب انما خربوا طريقة تفكيرنا / لم يجعلوا الشوارع مزبلة للجثث وحسب بل جعلوا العقل المضاد حوضا لتلك المزبلة / لم يدمروا الدين وحسب بل دمروا الاصلاح وفرضوا على التقابل التنويري استدراجا زمنيا يعود لاصلاح القرون الوسطى وهكذا نجحوا في تخلف الاصلاح ونجحوا في امتلاك الفعل كي يفرضوا ردت الفعل.. خطورة الزام الاصلاح وفكر التنوير في ميكانيزما التقابل معهم هو الفخ بعينه، لانه متاعب كان ممكنا وقوعها في ازمنة قديمة لكن تاجيلها الى هذه الازمنة بلبل طرائق التفكير بحيث اصبح الاصلاح منعشا لاضداده المظلمة وممركزا وجوده.. لهذا كله قطف الظلام جهود التراكم التاريخي وجعل الحرية بفكرها المعارض، في خدمة استبداده ودولته المكبوته المؤجلة حيث تعرضت لقمع الخلفاء وعقل الامن والبطش القانوني امام فتاوى وموحيات دولة الله على الارض وقوانينه الميتافيزيكية وهي تحاجج بخيال الوحي لا ثوابت الوقائع، كما لو ان الرسولية نظام وراثي مرتبط بتديين فكرة السلطة والدولة، فجعلها ركنا عباديا وطقوسيا،وهذا انعكس على الخيال الشعبي فدمر النظام والحياة القانونية والعقود الواقعية بفعل التفاف شعبي قاصر متطير النظام والقانون، يسير نحو مغامرة التدمير الذاتي بواسطة فكرة الحق والمعابد السياسية وسلطة الملالي والامراء. لذا لا خيار امام احلامنا الا ان تتوقف وتصمت وتمارس الاكراه الذاتي ! اثر تهديد الحياة برمتها، واثر القصور الخليع لشعوب كشفت خياراتها المعادية للنظام والقانون والدولة كما لو انها خرجت للتو من كهوف التاريخ الى بدء التكوين فيما يشكل ضعف المشروع المقابل اكبر رافعة للشرعية الشعبية الاكثروية، وهذا يرغمنا على الاختراق الادبي بحيث نضطر الى القول باننا نعيش ازمنة ما قبل التاريخ ولكن في سهو الالفية الثالثة،، فخطر صناديق الاقتراع لنيام الكهف يضطرهم لانتخاب الموتى والازمنة الغابرة..
اذن امام خطورة الخيارات الشعبية ونماذجها الوحشية، المتجسدة بالطغاة الصغار، وهي تعيد صياغة الحنين بطريقة مؤتسية، بائسة، تؤثر حنينها لدول الاستبداد القديم، بطريقة تعددية الطغاة والمناطقية الامنية. وبعد تاريخ من ترف احلام الحرية التي قفزت على الاحتكام المعرفي وجبهاته الفكرية، جعلت تفكيرنا مشوشا، بعد ان وجد نفسه مضطرا الى المطالبة بدولة الاستبداد ونظام الطوارئ، مما يتعارض مع المنطق ويجعل عقلانياته خطرة، فنمو احلامه اشبه بفخ ( هذا ما اكتشفناه في تجاربنا خلال احداث الاردن ولبنان، حيث قايضتت الحرية فضيلتها بالاستبداد والنظام الامني ).. يا للحرية حين تصبح بلا امن ويا للاستبداد حين يمنح الامن مقابل المقايضة بالحرية... ولكن هل ثبت التاريخ بان الحرية موهبة نبيلة لا يستحقها العبيد لانها ستقتلهم كما تقتل الزنزانة شعاع لاحرار ؟ الذين يحنون رؤوسهم يخافون مشاهدة السماء !
- فهم بعض الاخوة السوريين، سابقا، وقد راسلني بعضهم، وشتمني البعض، ولكن بقدرة ما، تمكنت ان اجعل شاتمي يخجل من مستواه الدوني المتضع، فادخلت عداوته الى مقام الشرف والكرم والنبل، نحن لا نريد محبة من خصم ولا نريد وفاء وضيعا من محب بل نريد نبلا وشرفا يقدم الضدين من العداوة او الحب، جل مهمتنا تعلم الخصومة كي لا يتلبس الحب مقام الشهوة والعبادة مكان الصفقة والصلاة مقام الرشوة، وتلك هي اسلوبية الوسائط الفاضلة، مهما كان اتجاهها / تعلم شرف الخصومة اكثر فضلا من تعلم شرف المحبة فالاخيرة سهلة متوفرة ومتلبسة لكن الاولى صعبة نادرة اكثر رسولية واكثر امتحانا للكوابح الاخلاقية من الثانية.. خصوصا ونحن في عالم يعج بقيم الغدر والنذالة والاخصاء الادبي.
في كل الاحوال اود هنا تكرار زخم الاحترام والاعجاب ايضا بهذا الشعب والمجتمع السوريين لما اجده فيهما من وعود ورجاءات،كبيرة الرهان، حيث لا تغري الطبول سماع المنصتين الى همسات الليلك، ولا تغري جدران المعابد المزخرفة صلاة عابد، لان زخرف المعبد يغيب حضور المعبود.. هكذا حروب المعابد ليست كسلام المعبود !
لا نعتمد في وعينا على كلاسيكيات فهم التاريخ والثابتيات اليابسة في بداهاته المضجرة وهي غير ممكنة الا في احلامنا ووقاحة ذكائنا فقدرته على الاسترضاء والتاويل ومنها عدم قراءة الانقلابات الجيوبولتيكية والانثروبولوجية، معتمدين على شحة تعليمية واستاذية اكاديمية محافظة ومحفوظاتية، وهذا مخالف لسياقات متزمنة تقود المكان الزمني في اتجاهات مختلفة عن نفس المكان في زمن اخر. بالنسبة لي لا عواطف او حب الا في تدخل العقل السمج المفسد لعفوية الحب واعمائه الشرطي، لذا اضطر للميل لخصم كي ارى نفسي من خصومته ولا اراه من خصومتي، واضطر هنا لاستخدام دهاء الحرب التي تفرض فنونها الذكية، وفي سياق ما، حماية جبهة عدوة من الانهيار، لان بدائلها اخطر على امني من بقائها، كثير من الامم الحكيمة كانت تحمي خصومها كي تنقذ النظام من الفراغ السياسي وخطورة البدائل المجهولة، وهذا حدث كثيرا في التاريخ، تلك حكمة لا يتقبلها عقل الاكثرية لذا تبقى مثل هذه العلوم سرية ليست للنشر !. وكما فعل غورباتشوف العظيم حين قال بما معناه : بانه سيضرب اميركا بقنبلة اخطر من سلاح التدمير الشامل، وهي سقوط الشيوعية وانهيار دول القلعة الشمولية، اي تدمير عداء الذات يدمر تقابل الخصم ويحرمه الارتداد العدائي.. تلك حكمة يرفضها البسطاء والسذج ممن تقيد بكلاسيكيات العقلل البديهي بفخاخه المتفاضلة جهورا وتظهورا، ولا يعرفون حسابات الضربات الذكية وهي تسقط من الخصم فرصة العداوة ولاتمنحه حجة التقابل والتضديد.. انهم لا يتعرفون على الشيطان الا بعقل ملقم وتعبوي قدمه كرمز محسوم لعالم الاشرار وهذا يحرم الذات من اكتشاف خيارها ويجعلها تعمل بخيار الاخر، ويصبح تفكيرها عبودي متماثل وممسرح، وهنا افهم تسامح المسيح كطاقة جبارة اعتى من جموح شمشون، وضعفه اكثر صدمة لخصومه من قوة التدمير الشامل، انه يقوم بعملية اخصاء كيمياوي للعدوان كما تفعل العقاقير الطبية. حماية انظمة كريهة هو اضطرار بشع وقبيح ( الحكمة الشريرة ) ! نظرا لخطورة بديل اسوء منها. لذا انا لا اعرف مفاضلة الاكراه والحب، تلك قضية شخصية ليست للاعلان ترتبط بصراع الواجب مع الاهواء، وعليه من الممكن تاثيث العواطف بطاقة عقلانية تفكيرية، لاسيما اذا كان الفرد معقما من مشاغل العاطفة ومصابا بالاستذهان والتنجريد. العقول التي تحشو ذاتها بحشوة تبريرية انما تقوم بعمل اعلاني اعلامي ادعائي، توحي فيه، خلو عقلها من طاقة العواطف فيما هي تضلل الاخر بمظهر عقلي تبريري، بعاطفة عمياء، وحري بها حشو العقل بالعاطفة على ان تقدم رمنستها بحيلة عقلية تلفيقية. حيث الذمة ليس لازمة لعدم وجود تهمة، ولكن عملية التفاضل المضمّر خلق الارهاب اللغوي بحيث فرض الزيف والتضليل، ومن هنا ليست اللاعقلانية تهمة وليست العاطفة المغفلة تهمة، وليست الرومانسية السياسية تهمة بل كل االسسياسة رومانسية مع سبق الاصرار.. اذن لابد من الخروج على الوهة التفاضل اللغوي والجحود بمعبده المضمر.ولابد من تعويد العقل على الخروج من ثنائياته الطرفية المعتادة، عبر حياد عرفاني.
في الاجمال هناك رهان بواقعية شريرة على حماية سوريا من ذاتها المغامرة لانها المرشح الوحيد لعالم الاحلام الممكنة وذلك في قياسات، خارج الخطاب الاعلامي وحراكه السياسي التعبوي المباشر عبر تراكم من الشغب السياسي، فهي تملك كل مؤهلات الانتصار المديني على عقل التريف فالاسلام القروي لما فيها من طاقة اجتماعية خلاقة ووجود جيوسياسي لامع وتحولات انتاجية محظوظة بسبب حرمانها الصدفة النفطية، مع وجود موازي لمخاطر نسبية حيال امكانية تهديد ثقافة المجموعات المنتسبة الى تاريخ هامشي اسقط شحناته على النص المقدس واسقط انحلاله الاجتماعي الاول على فرض مركزية العنف والعدوان،ولعل اشكالية خطيرة وكبيرة، قد يطول شرحها، ادت الى استقطاب مجموعات ساقطة منحلة / فاحشة وافاقة ذات شحنات اثمة تتوق لعقل ممارسة التطهير القرباني الدموي والمجموعات التوّابية، وهذا بسبب رواج اسواق العنف الثوري القديم فعقل الجهاد والاغتيالات الجديد، في عصر الحصبة الاسلامية ! وهؤلاء سيطروا على الحياة الميدانية الحزبية والتنظيمية بشقيها العلماني والديني التي اسس لفتنتها صراع افقهاء مع الخلفاء، يستمدون ارثهم من تاريخ الشطار والعيارين والفجار واللصوص الذين تجمعوا كقبائل متسيبة في البراري والبطاح. وثمة حجج واقعية قدمت نماذج هؤلاء كقادة ميدانيين الى حد سيطرتهم على المركزية العقائدية واحتلال مواضع التشريع فالافتاء من فوهة مسدس ! وما زال هذا التراكم والصراع بين فريقي الشقاوات والزعران وقدماء مروجي المخدرات والسرسرية وابناء الشوارع هو التضاد المرير في انظمة التكافل الطبيعي وسط المجتمعات الملتهبة. بدء هذا النفر ينتصر في مواضع كثيرة وهو قد اسس لموجات العنف الاصولي تلك التي استلت ارثها من تلك الاقوام الخوارجية من قطاع طرق ومنبوذين وصعاليك وفجار ولصوص قوافل لما وجد في اعمالها من انهيارات شيطانية تفوق الاستباحة العدوانية عند الحيوانات المتوحشة، وهي تمارس انتفاء اي عقد او عهد في المجموعة البشرية. لعل الخطيئة العراقية والاستدماء اليومي يمنح سوريا عصمة الجرائم السياسية حيال الاغتيالات في لبنان، حيث تملك قدرة ردعية عالية خصوصا امام الاختراق الاصولي مما يفرض تفكيرا جديدا على الطموحات اللبنانية، خصوصا وان نموذج فتح الاسلام يبرر جهوزية الانظمة القمعية الراديكالية ويحصن، على المستوى الاقليمي والدولي سلوكها الدموي، حيث الاسوء يقدم فضل السيء وفتح الاسلام تجعل اجهزة المخابرات السورية اقل شرا وخطورة من منهجية الموت التي قادها امراء الجنة في نهر البارد. هذه هي بيئتنا المتكافلة بين ذئاب معارضة ونمور حاكمة، حيث بطش حماس يتكافل مع شقاوات فتح وبطش الاصولية السورية يتكافل مع قبضايات اجهزة المخابرات وظلام الخمينية الدموية تكافل معه الترويع الطائش لدمويات صدام، نحن نتحدث من خلال تجربة طويلة لامست نشوء ميداتني مرير، حرثته الرومانسية الثورية وزرعته الاصولية فقطفه عقل التكفير.
- اخطر ما يخيف في المستقبل هو انهيار الدولة السورية، حين يغالبها الهوى اللبناني! وتغريها خصومتها لاميركا، الى جرها في اتجاه الغرام الاصولي وايجاد مسوقات حديثة لشرعية العنف، وبهذا سيدفع لبنان ثمنا اكبر من الذي يدفعه الان وتصبح امارات الاسلمة مصدرا لحنين لبناني لسوريا بعثية امام توحش سوريا الاسلاموية، كما هو حنين ضحايا صدام لموته ومقابره امام تجوال الموت في فرقه المتعددة والمتنوعة واكداس جثثه كمزابل مروعة للاعضاء البشرية، عبر مشهد خانق السواد وموديل اللحى والعمائم وهي تقوم باكبر عملية غثيان بصري.
- حتما يصبح الرهان على معارضة ليبرالية سورية هو فخ جديد يمهد للانتشار الاصولي مما سيجعل ازمنة عصر الانحطاط التركي ارقى حالا من الوضع الحالي
امام هذه الحقائق المريرة لا املك اجابات امنية على ما سيستثمره السوريون من عدم مبالاة دولية باغتيال قادة لبنانيين نظرا لامتلاك ورقة تكافل الردع، ولكن من شان لبنان ان يجد اجابته الذاتية فيما رهانه على سقوط النظام السوري كمن يستعجل ليلة اعدامه فهو خاسر في الوجهين وما عليه الا البحث عن اقل الخسارات اتقاء لشر البديل العراقي وفلتان الامارات ودول الخلفاء والفقهاء، خصوصا وان العلمانية واحزابها فقدت القدرة على توازن الرعب بينها وبين العنف الاصولي في المذهب الواحد والطائفة الواحد لاسيما وان الطائفة الشيعية حسمت امرها ولم تسمح لاختراق علماني لكتلتها البرلمانية، حيث التسييس الملائي عبر فالسيطرة على قرار الامن الوطني في محمول المقاومة وارهابها الادبي، فيما الاصولية السنية تكمن تحت نفوذ تيار المستقبل لتنقض في لحظة الفلتان الامني والمواجهة الطائفية ولا نعرف الوضع الذي ستؤول اليه المسيحية لانها لم تتعرض لاختراق اصولي نتيجة لاتساقها مع الهزيمة التاريخية القديمة لدولة الكنيسة. هل يتحمل لبنان افغانستان سورية وهل بوسعنا الاعتماد على نظرية المؤامرة كي نتقبل هزائم اميركية ونصر اصولي هو ثمرة عقاب اميركي للمنطقة واوربا وضرورة ماسة لثقافة الخوف والمحمولات الجاهزة ؟لاسيما تحرم اسرائيل من اهم حراس حدودها على جبهة الجولان الهادئة، تلك التي تملك شروطا افضل من الدول الموقعة على اتفاق سلام مع اسرائيل ؟ هل تتحمل اسرائيل تورا بورا على الجولان ؟ تلك لقطات الشفرة السياسية والدلع الدموي السوري في لبنان.

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه