المالكي ومعادلات رفض الاتفاقية الامنية العراقية الأمريكية
كان السيد نوري الما لكي قد صرح بشكل واضح إن الأمريكان قدموا تنازلات كثيرة أو كبيرة للعراقيين على صعيد الاتفاقية الامنية العراقية الأمريكية، وقد جاء تصريحه هذا بعد أن خرج من زيارته الأخيرة للسيد علي السيستاني، وفي سياق الأخذ والعطاء الحادين فيما يخص موضوع الا تفاقية لمح أكثر من مقرب للمالكي بأن هناك قوى سياسية عراقية وبدعم سترايجي كبير تعمل على عرقلة الاتفاقية الامنية بين العراق وأمريكا. المراقبون والمحللون السياسيون فسروا كل ذلك برغبة قوية لدى المالكي وصحبه بتوقيع الاتفاقية وإبرامها وبأسرع وقت.
المالكي في موقفه (السري!) هذا يتناغم بل ينسجم تماما مع رغبة الاكراد والسنة والمسيحيين والمندائيين والتركمان ومجالس الصحوات وبعض العشائر الشيعية العراقية وعموم الضباط الكبار في الجيش العراقي، فإن أكثر مكونات وشرائح ا لشعب العراقي مع إبرام الاتفاقية، ولأسباب موضوعية واضحة، منها، إن فشل الاتفاقية يعيد صلاحية المادة السابعة التي تشكل خرقا للسيادة العراقية بكل وضوح، كما إن الأمريكان هددوا بأن عدم إبرام الاتفاقية قد يؤدي إلى رفع الحصانة عن الاموال العراقية في البنوك الامريكية، وفي السر سوف تعمل إمريكا على تعطيل الإنفتاح الدبلوماسي العربي وغير العربي على العراق، وهو الانفتاح الذي بدأ يتحرك بفضل الامريكان وليس غيرهم، كما إن تنصل أو تخلي أمريكا عن حماية المسؤولين العراقيين والكثير من مرافق الدولة يجعل كبار المسؤولين العراقيين في مرمى الاغتيالات الشخصية، ويستتبع ذلك فوضى عراقية هي الجحيم بعينه، وعمليات الاغتيال هذه ليست صعبة في ظل الظروف العسيرة والمرتبكة التي يمر بها العراق، وليس من شك إن تعطيل الاتفاقية يعرقل الكثير من مشاريع الاعمار والبناء ويقود إلى نقض الكثير من المعاهدات والاتفاقيات التي ابرمت بين العراق والدول الأخرى خاصة الدول الكبرى، ولا يغيب عن البال إن تعطيل الاتفاقية ربما يؤدي إلى عودة ظاهرة السيارات المفخخة، والعبوات الناسفة، حيث قد يساهم الامريكون أنفسهم في ذلك.
إن الأقليات العراقية تجد في الاتفاقية الامنية العراقية الامريكية ضمانا لهم مما يعترضون له من قتل وذبح وتشريد، حيث عجزت ا لحكومة عن معالجته بشكل قوي وحاسم، كذلك الأكراد في مواجهة قوى دولية لا تريد لهم نهضة ولا استقرارا ولا حظوة سياسية في العراق، كذلك السنة في مواجهة تغلغل إيراني مثير في أكثر مفاصل الدولة، وتحسبا لحرب طائفية قد تنشأ بين لحظة وأخرى، كذلك التركمان في مواجهة ما يرونه عدوا تقليديا! لا يريد لهم حضورا فاعلا ومؤثرا في العراق، أيضا بعض العشائر العراقية الشيعية ترى في الاتفاقية ضمانا لمكاسب أكبر، وخلاصا من نفوذ إيراني على الشارع الشيعي، وملاذا من تحكم رجل الدين وطغيان بعض أحزاب الإسلام السياسي.
إن عدم توقيع الاتفاقية طعنة في صميم الاستقلال العراقي وليس العكس، وسوف يعطل كل أمل لمعالجة النقص الهائل في الخدمات الملحة بما فيها مشكلة الكهرباء، ويساهم بشكل قوي في استمرار عمليات نهب نفط العراق،خاصة من قبل الجار الشرقي، ويمكن سماسرة التحايل على اقتصاد العراق وخيراته أكثر وأكثر.
إن عدم توقيع الاتفاقية واستمرار صلاحية البند السابع سوف يخلق معادلات جديدة في العراق، سوف تتكون جبهة كردية سنية تركمانية اقلياتية بدعم أمريكي وأقليمي ضد شيعة العراق بشكل عام، باعتبار إن شيعة العراق مراكز قوى إيرانية في داخل العراق، وسوف تتصدع الجبهة الشيعية بحد ذاتها أيضا، لأن هناك الكثير من الشيعة مع الاتفاقية لأسباب كثيرة، منها يشتركون بها مع الآخرين، ومنها تخصهم بالذات، خاصة على صعيد الخلاص من مستحقات تهمة التبعية لإيران، كذلك للخلاص من شبح الأصولية الدينية الشيعية، وعلى رأسها الأصولية الصدرية.
إن رفض بعض شيعة العراق للاتفاقية له دوافعه المختلفة، منهم من يرفض بسبب علاقته السياسية والعقدية بولاية الفقيه، وبعضهم يرفض لأنه يحمل حقدا شديدا على السيد نوري لمالكي،وبعضهم يرفض خوفا من اغتياله، وبعضهم يرفض لانه يرى في الاتفاقية بداية تحلل وتنصل اجتماعي عن الدين.
إن الفتاوى التي صدرت من بعض علماء الدين الشيعة ضد الاتفاقية جاءت بعيدة عن الشعور بالمسؤولية تجاه شعب يعاني الأمرين، ولم يرف لهؤلاء جفن فيما لو سالت دماء شيعة العراق أنهارا،فإن جموح هؤلاء العلماء الصبياني، وعدم تقديرهم للواقع، بل مغالاتهم الطفولية سوف تكثر من مقابر شيعة العراق الجماعية، فيما هم يركنون تحت حماية دولهم وأحزابهم المسلحة.
إن السيد نوري المالكي في موقف حرج للغاية، وحرجه من بعض أبناء طائفته وليس من الآخرين في هذه المرة، وفي تصوري إن المفروض من السيد المالكي أن يصارح الشعب بهذه الحقيقة، ويضع النقاط على الحروف، ويعلن بكل قوة وشجاعة إن إيران وأجندتها في العراق وراء تعطيل التوقيع على الاتفاقية.
إن المالكي يحتاج إلى دعم كل شرائح وقوى الشعب العراقي لشد أزره في مواجهة هذه المعضلة وذلك مهما كانت سعة الاختلاف معه، وعلى الدول ا لعربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والكويت ومصر والامارات العربية أن تطمئن السيد نوري المالكي بانها تقف وراءه فيما أعلن هذه الخطوة الشجاعة، التي سوف تدخله التاريخ بعنوان الرجل الذي صدح بالحق والحقيقة.
إن بعض الذين راحوا يبيعون الوطنيات من صبيان الفكر السياسي والثقافة الجرائدية السطحية ممّن بدأوا يصفو ن التوقيع على الاتفاقية بانها لطخة عار في تاريخ العراق نسوا بأنهم شكلوا حكوماتهم بفضل بريمر، وتحت وصاية بريمر، وبالتوافق والتخطيط مع بريمر، وهي مزايدة مكشوفة، وخطرة.
إن هؤلاء الذين بدأو يصرخون ضد توقيع الاتفاقية لا يجرؤون على مبادلة الجندي الامريكي نظرة تعاليه بنظرة مقابلة فيما يتفحص حقائبهم على أبواب المنطقة الخضراء، فهي بطولة على الهواء لا أكثر ولا أقل، وضحيتها دماء الناس وقوتهم وماءهم وكهربائهم وتعليمهم.
لست في معرض الدفاع عن السيد نوري المالكي، فكاتب هذه السطور معروف بموقفه من السيد المالكي، ولم ينته الموقف منه بعد، خاصة على صعيد سياسته من أهل الكفاءة والنزاهة، ولكن لكل مرحلة أحكامها، والإنسان موقف، وفيما أقول إ ن المالكي يستحق الدعم إذا ما أعلن الحقيقة، فإنه سوف يكون من أسباب الكارثة في عكس ذلك، وعندها يبدا حديث آخر.