الحلقة الثانية
quot;كن قطعا حديثاquot; (رامبو)
الحداثة في المخيال البشري الجمعي تعني حتمية التطور الأبدي من القديم إلى الجديد، وحتمية أن يصبح كل جديد، بعد حين، قديما... quot;كن قطعا حديثاquot;، هذا الأمر الشعري هو اليوم شعار غالبية سكان المعمورة. لم تعد المدرسة القديمة، والتشريعات القديمة، والاقتصاديات
القديمة، والعلوم القديمة، والتديّن القديم، والعلاقات القديمة بين الرجل والمرأة، والعامل ورب العمل، والدول بعضها ببعض وبين الإنسان والطبيعة صالحة للقرن الحادي والعشرين. الأزمة المالية العالمية، التي هي بصدد التحول إلى أزمة اقتصادية عالمية، والأزمة الايكولوجية العالمية القادمة والأكثر خطورة بما لايقاس، يتطلبان من البشرية تغيير الذهنيات القديمة، في الإنتاج والاستهلاك، بذهنيات حديثة.
كما كانت الحداثة، في نظر رامبو، المخرج الوحيد من جحيمه. يبدو أيضا للكويت وشعوب مجلس التعاون الخليجي، وشعوب الجامعة العربية وشعوب منظمة الوحدة الإسلامية هي أيضا المخرج الوحيد من جحيم القدامة الكلية الحضور في واقعهم وفي ذهنياتهم للالتحاق بالحقبة المعاصرة التي لا خيار فيها لأية أمة إلا ان تكون حديثة أو لا تكون. إلى متى يظلون أسرى التردد بين ماضيهم الذي يصرّ على أن لا يمضي ومستقبل العالم الذي يداهمهم كل لحظة في عقر دارهم؟ إلى متى يبقى مفهومهم للزمن تكراريا واجتراريا، ما كان يجب أن يكون ولا جديد تحت الشمس، كما عبرت عن ذلك quot;لجنة الشريعةquot; في مجلس الأمة الكويتي والحال أن كل شيء يتغير إلا قانون التغير؟ ويتغيّر بسرعة جنونية فيها الوعد وفيها الوعيد. الوعد والوعيد ملازمان للشرط الإنساني منذ أن كان قردا إلى أن تطور إلى بشر شبه سوي. تطوره لم يكن حتمية بيولوجية بل مجرد إمكانية. انقراضه كان ممكنا على غرار الديناصورات وألوف الأنواع الحية الأخرى. ومازال ممكنا بكارثة نووية أو ايكولوجية مثلا. لم يستمر الإنسان حيا إلا لأنه كان في كل مرة يجدد نفسه بإعادة اختراع نفسه. المهم لشعوب لم تجرب الدخول في مغامرة الحداثة أن تتشجع فتغامر بالدخول فيها. الخطوة الأولى هي التعلق بالقيمة الاستعمالية لأشياء العالم والتخلي عن قيمتها الرمزية، الوحيدة المهمة عند quot;اللجان الشرعيةquot; والقبائل البدائية التي تضحي بالتنمية من أجل الرموز!
اليكم خارطة طريق للدخول إلى الحداثة. حظ دول مجلس التعاون الخليجي مع الحداثة سيء. الكويت والبحرين ابتدأتا، من حيث كان يجب أن تنتهيا، بالحداثة الديمقراطية والحال أنها، كما تحققت تاريخيا، هي المرحلة الأخيرة فيها؛ والبعض الآخر، يقاوم الدخول اليها، والبعض يقدم رجلا ويؤخر أخرى. يبدو أن دولة الامارات هي التي بدأت البداية الصحيحة، كما قال لي الأستاذ عثمان العمير، فقد أصلحت وحدّثت تعليمها وأنشأت quot;قرية دبي للمعرفةquot; التي تحتضن 20 جامعة غربية وعالمية. وكذلك فعلت قطر التي أسست مدينة جامعية استضافت فيها عدة جامعات أمريكية وأوروبية معروفة، وكلية الشريعة فيها التي تديرها امرأة حديثة هي د. الشيخة عبدالله المسند، والتي لا تضاهيها في حداثتها إلا الجامعة الزيتونية في تونس. لذلك شن إسلاميو قطر بما هم، كباقي بني فقههم، أعداء الحداثة المناضلون، الحرب على أمير قطر، كما جاء في اليومية الفيغارو.
المادة الأولى في خارطة طريق الحداثة هي التكيف مع العالم بدلا من إعلان حرب دونكيشوتية عليه. التكيف معه يتطلب الإجابة على سؤال: في أي عالم نعيش؟ إجابة لا تقدمها إلا المعاهد العلمية المتخصصة في صناعة القرار، القادرة وحدها على صنع قرار حديث يعرّف المصلحة القومية لكل بلد تعريفا صحيحا. ماذا تتطلب هذه المصلحة المُعرّفة تعريفا صحيحا؟ تعليما حديثا في مناهجه وطرق تدريسه وعقول مدرسيه. المدرسة الحديثة كفيلة، خلال جيل ndash; 20 ndash; 25- عاما ndash; بتكوين نخب حديثة واعية بالمشاكل الحقيقية لبلدانها وللعالم الذي تعيش فيه؛ لأنها ستكون قد درست جميع المعارف الحديثة بما فيها الفلسفة، وحقوق الإنسان ونظرية التطور التي ما زالت العنصرية ضد الذات تمنع دول الخليج من تدريسها؛ إنشاء واستقبال الجامعات الحديثة. فما هي الجامعة الحديثة في القرن الـ21؟ هي القادرة على المنافسة العلمية مع أفضل جامعات العالم. وحتى تكون كذلك يجب تحريرها من رقابة quot;اللجان الشرعيةquot; وquot;المطاوعةquot; وquot;الحرس الثوريquot; وكل حراس معبد القدامة، وتمكينها من الحريات الأكاديمية التي هي عنصر حاسم من عناصر جودة التعليم الجامعي. وهي كما عرّفتها منظمة اليونسكو: حرية التعليم والنقاش، والصرامة الأكاديمية، وحرية البحث، وحرية الأصول إلى مصادر المعلومة، وحرية المشاركة في اللقاءات الفكرية والعلمية في الداخل والخارج؛ حداثة القوانين لإحلال القانون الوضعي والعقلاني محل القوانين الشرعية واتخاذ قوانين الأحوال الشخصية التونسية نموذجا لتحديث شرط المرأة؛ إصدار قوانين حديثة للجنسية لإثراء بلدان الخليج بالكفاءات المستوردة. رؤوساء الجامعات الأمريكية يعاينون باعتزاز بأن النخب الأمريكية ذات الأصول الأسيوية والملونة ستتفوق عدديا على النخب الأمريكية البيضاء؛ إصدار قانون حديث للهجرة يعطي للعمال المهاجرين حقوقهم التي يعترف بها لهم القانون الدولي بدلا من معاملتهم كالعبيد القدامى بل كالحيوانات كما هو الحال الآن؛ إصدار مجموعة قوانين حديثة للإعلام المكتوب والسمعي البصري؛ الإعلام الحديث والحر أفضل من 100 برلمان منتخب تطالب غالبية أعضائها بتعطيل التنمية وإبقاء المرأة رازحة في أغلال الشريعة، والعقل البشري مختنقا تحت رحمة رقابة الفقهاء؛ تشجيع نقابات وجمعيات المجتمع المدني الحديث على أنقاض المجتمع الأهلي الحالي الذي يشكله شيوخ العشائر وشيوخ السلفية. فقط تعليم حديث، وإعلام حديث ومجتمع مدني حديث كفلاء بتحديث الذهنيات، الذي هو رهان كبير من رهانات الحداثة، وبتكوين الفرد الحديث الذي قامت على كاهله الحداثة على أنقاض عضو القبيلة الذائب في عاداتها وتقاليدها وذهنيتها العتيقة القائمة على رابطة الدم: quot;أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريبquot; الذي هو القبيلة المجاورة. هذه الحداثة الأولى هي التي تمهد للحداثة السياسية، الديمقراطية، التي توسع وتعمق الحداثة وليس العكس.
الحلقة الأولى |
كما كانت الحداثة، في نظر رامبو، المخرج الوحيد من جحيمه. يبدو أيضا للكويت وشعوب مجلس التعاون الخليجي، وشعوب الجامعة العربية وشعوب منظمة الوحدة الإسلامية هي أيضا المخرج الوحيد من جحيم القدامة الكلية الحضور في واقعهم وفي ذهنياتهم للالتحاق بالحقبة المعاصرة التي لا خيار فيها لأية أمة إلا ان تكون حديثة أو لا تكون. إلى متى يظلون أسرى التردد بين ماضيهم الذي يصرّ على أن لا يمضي ومستقبل العالم الذي يداهمهم كل لحظة في عقر دارهم؟ إلى متى يبقى مفهومهم للزمن تكراريا واجتراريا، ما كان يجب أن يكون ولا جديد تحت الشمس، كما عبرت عن ذلك quot;لجنة الشريعةquot; في مجلس الأمة الكويتي والحال أن كل شيء يتغير إلا قانون التغير؟ ويتغيّر بسرعة جنونية فيها الوعد وفيها الوعيد. الوعد والوعيد ملازمان للشرط الإنساني منذ أن كان قردا إلى أن تطور إلى بشر شبه سوي. تطوره لم يكن حتمية بيولوجية بل مجرد إمكانية. انقراضه كان ممكنا على غرار الديناصورات وألوف الأنواع الحية الأخرى. ومازال ممكنا بكارثة نووية أو ايكولوجية مثلا. لم يستمر الإنسان حيا إلا لأنه كان في كل مرة يجدد نفسه بإعادة اختراع نفسه. المهم لشعوب لم تجرب الدخول في مغامرة الحداثة أن تتشجع فتغامر بالدخول فيها. الخطوة الأولى هي التعلق بالقيمة الاستعمالية لأشياء العالم والتخلي عن قيمتها الرمزية، الوحيدة المهمة عند quot;اللجان الشرعيةquot; والقبائل البدائية التي تضحي بالتنمية من أجل الرموز!
اليكم خارطة طريق للدخول إلى الحداثة. حظ دول مجلس التعاون الخليجي مع الحداثة سيء. الكويت والبحرين ابتدأتا، من حيث كان يجب أن تنتهيا، بالحداثة الديمقراطية والحال أنها، كما تحققت تاريخيا، هي المرحلة الأخيرة فيها؛ والبعض الآخر، يقاوم الدخول اليها، والبعض يقدم رجلا ويؤخر أخرى. يبدو أن دولة الامارات هي التي بدأت البداية الصحيحة، كما قال لي الأستاذ عثمان العمير، فقد أصلحت وحدّثت تعليمها وأنشأت quot;قرية دبي للمعرفةquot; التي تحتضن 20 جامعة غربية وعالمية. وكذلك فعلت قطر التي أسست مدينة جامعية استضافت فيها عدة جامعات أمريكية وأوروبية معروفة، وكلية الشريعة فيها التي تديرها امرأة حديثة هي د. الشيخة عبدالله المسند، والتي لا تضاهيها في حداثتها إلا الجامعة الزيتونية في تونس. لذلك شن إسلاميو قطر بما هم، كباقي بني فقههم، أعداء الحداثة المناضلون، الحرب على أمير قطر، كما جاء في اليومية الفيغارو.
المادة الأولى في خارطة طريق الحداثة هي التكيف مع العالم بدلا من إعلان حرب دونكيشوتية عليه. التكيف معه يتطلب الإجابة على سؤال: في أي عالم نعيش؟ إجابة لا تقدمها إلا المعاهد العلمية المتخصصة في صناعة القرار، القادرة وحدها على صنع قرار حديث يعرّف المصلحة القومية لكل بلد تعريفا صحيحا. ماذا تتطلب هذه المصلحة المُعرّفة تعريفا صحيحا؟ تعليما حديثا في مناهجه وطرق تدريسه وعقول مدرسيه. المدرسة الحديثة كفيلة، خلال جيل ndash; 20 ndash; 25- عاما ndash; بتكوين نخب حديثة واعية بالمشاكل الحقيقية لبلدانها وللعالم الذي تعيش فيه؛ لأنها ستكون قد درست جميع المعارف الحديثة بما فيها الفلسفة، وحقوق الإنسان ونظرية التطور التي ما زالت العنصرية ضد الذات تمنع دول الخليج من تدريسها؛ إنشاء واستقبال الجامعات الحديثة. فما هي الجامعة الحديثة في القرن الـ21؟ هي القادرة على المنافسة العلمية مع أفضل جامعات العالم. وحتى تكون كذلك يجب تحريرها من رقابة quot;اللجان الشرعيةquot; وquot;المطاوعةquot; وquot;الحرس الثوريquot; وكل حراس معبد القدامة، وتمكينها من الحريات الأكاديمية التي هي عنصر حاسم من عناصر جودة التعليم الجامعي. وهي كما عرّفتها منظمة اليونسكو: حرية التعليم والنقاش، والصرامة الأكاديمية، وحرية البحث، وحرية الأصول إلى مصادر المعلومة، وحرية المشاركة في اللقاءات الفكرية والعلمية في الداخل والخارج؛ حداثة القوانين لإحلال القانون الوضعي والعقلاني محل القوانين الشرعية واتخاذ قوانين الأحوال الشخصية التونسية نموذجا لتحديث شرط المرأة؛ إصدار قوانين حديثة للجنسية لإثراء بلدان الخليج بالكفاءات المستوردة. رؤوساء الجامعات الأمريكية يعاينون باعتزاز بأن النخب الأمريكية ذات الأصول الأسيوية والملونة ستتفوق عدديا على النخب الأمريكية البيضاء؛ إصدار قانون حديث للهجرة يعطي للعمال المهاجرين حقوقهم التي يعترف بها لهم القانون الدولي بدلا من معاملتهم كالعبيد القدامى بل كالحيوانات كما هو الحال الآن؛ إصدار مجموعة قوانين حديثة للإعلام المكتوب والسمعي البصري؛ الإعلام الحديث والحر أفضل من 100 برلمان منتخب تطالب غالبية أعضائها بتعطيل التنمية وإبقاء المرأة رازحة في أغلال الشريعة، والعقل البشري مختنقا تحت رحمة رقابة الفقهاء؛ تشجيع نقابات وجمعيات المجتمع المدني الحديث على أنقاض المجتمع الأهلي الحالي الذي يشكله شيوخ العشائر وشيوخ السلفية. فقط تعليم حديث، وإعلام حديث ومجتمع مدني حديث كفلاء بتحديث الذهنيات، الذي هو رهان كبير من رهانات الحداثة، وبتكوين الفرد الحديث الذي قامت على كاهله الحداثة على أنقاض عضو القبيلة الذائب في عاداتها وتقاليدها وذهنيتها العتيقة القائمة على رابطة الدم: quot;أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريبquot; الذي هو القبيلة المجاورة. هذه الحداثة الأولى هي التي تمهد للحداثة السياسية، الديمقراطية، التي توسع وتعمق الحداثة وليس العكس.
الحلقة المقبلة: شرعية الحداثة أقوى من شرعية quot;الديموقراطيةquot;
التعليقات