quot;تركت ورائي وطنا، ولم أترك شعبا..quot;
و في رواية أخرى: quot;ستجدون صومالا ولن تجدوا صوماليينquot;.. (محمد سياد بري)
و في رواية أخرى: quot;ستجدون صومالا ولن تجدوا صوماليينquot;.. (محمد سياد بري)
تلك كانت كلمات الدكتاتور قبل سبعة عشر عاما، وكأن قدر شعوب النصف الجنوبي من العالم هو الاستسلام لمعادلة الدكتاتورية مقابل الفوضى المدمرة، والقمع الحكومي المنظم مقابل القمع الشعبي الأعمى، والإفقار المنظم مقابل الإفقار الفوضوي الشامل، والتهجير القسري مقابل التهجير الحتمي، واحتكار الأوطان وذوبانها في الفرد الأوحد الملهم مقابل ضياعها تماما..
اختزل التاريخ الذي كتبه الغزاة الأوربيون الكثير من الصومال الكبير فتكونت جيبوتي، وذهب ما ذهب إلى كينيا وأثيوبيا، وباتت هنالك بونت لاند وأرض الصومال، ورحل بري بعد عصور من الاشتراكية على الطريقة الشرقية وحرب مضنية بلا نتائج في أوجادن، وجاء محمد فارح عيديد ورحل وعبد القاسم صلاد وسقط والصومال ما زال يخرب، حتى أتت الحرب على الأخضر واليابس فباتت فريسة لأمراء الحرب، وباتت القبيلة هي الوطن في مسلسل ما أن ينتهي، حتى ما يلبث أن يتخذ الصراع فيه وجها جديدا. ففي الصومال يقال بأن القبيلة هي دين البلاد الرسمي، ولا يمكن تجاهل المحاصصة القبلية حيت الحديث عن الحكومات والبرلمانات، وإذا كان محمد سياد بري والرئيس الحالي عبدالله يوسف من quot;الدارودquot; فإن قادة المحاكم الإسلامية والكثيرون من أمراء الحرب ينتمون إلى إلى quot;الهويةquot; ذات الأغلبية في مقديشو وعدد من المدن المهمة الأخرىـ وضمن القبائل هنالك قبائل وضمنها هي الأخرى فروع وهكذا تتشابك المصالح في الأوطان الأصغر على حساب الوطن الأكبر.
طوال هذه الأعوام السبعة عشر لم يجد الصوماليون جوابا لغياب الوطن، فهي الأطماع الخارجية من هنا، والعمى السياسي المحلي من هنالك، ورحيل العقول، واستنزاف الثروات والمواطنة معا. فالصومال حالة فريدة، يطيب للجميع أن يتدخل في شؤونها بل ويخوض حروبا بالنيابة على أرضها وقودها أبناؤها، الجميع يمول ويدعم ويسلح، الكبار والصغار معا، فقراء الجيران وأغنيائهم، ولكن ليس ثمة من يعمل جديا على مساعدة هذا الشعب (أو الشعوب) على الحياة مرة أخرى.وقبل أيام وقع الصوماليون quot;معاهدة سلامquot; أخرى (فيما بينهم) ربما تكون المليون، يخشى الجميع أن تركن على الرفوف كسابقاتها، في ظل غياب للإرادتين الشعبية والنخبوية، واستسهال لنموذج دول الطوائف، والتجربة التاريخية المريرة.
اختزل التاريخ الذي كتبه الغزاة الأوربيون الكثير من الصومال الكبير فتكونت جيبوتي، وذهب ما ذهب إلى كينيا وأثيوبيا، وباتت هنالك بونت لاند وأرض الصومال، ورحل بري بعد عصور من الاشتراكية على الطريقة الشرقية وحرب مضنية بلا نتائج في أوجادن، وجاء محمد فارح عيديد ورحل وعبد القاسم صلاد وسقط والصومال ما زال يخرب، حتى أتت الحرب على الأخضر واليابس فباتت فريسة لأمراء الحرب، وباتت القبيلة هي الوطن في مسلسل ما أن ينتهي، حتى ما يلبث أن يتخذ الصراع فيه وجها جديدا. ففي الصومال يقال بأن القبيلة هي دين البلاد الرسمي، ولا يمكن تجاهل المحاصصة القبلية حيت الحديث عن الحكومات والبرلمانات، وإذا كان محمد سياد بري والرئيس الحالي عبدالله يوسف من quot;الدارودquot; فإن قادة المحاكم الإسلامية والكثيرون من أمراء الحرب ينتمون إلى إلى quot;الهويةquot; ذات الأغلبية في مقديشو وعدد من المدن المهمة الأخرىـ وضمن القبائل هنالك قبائل وضمنها هي الأخرى فروع وهكذا تتشابك المصالح في الأوطان الأصغر على حساب الوطن الأكبر.
طوال هذه الأعوام السبعة عشر لم يجد الصوماليون جوابا لغياب الوطن، فهي الأطماع الخارجية من هنا، والعمى السياسي المحلي من هنالك، ورحيل العقول، واستنزاف الثروات والمواطنة معا. فالصومال حالة فريدة، يطيب للجميع أن يتدخل في شؤونها بل ويخوض حروبا بالنيابة على أرضها وقودها أبناؤها، الجميع يمول ويدعم ويسلح، الكبار والصغار معا، فقراء الجيران وأغنيائهم، ولكن ليس ثمة من يعمل جديا على مساعدة هذا الشعب (أو الشعوب) على الحياة مرة أخرى.وقبل أيام وقع الصوماليون quot;معاهدة سلامquot; أخرى (فيما بينهم) ربما تكون المليون، يخشى الجميع أن تركن على الرفوف كسابقاتها، في ظل غياب للإرادتين الشعبية والنخبوية، واستسهال لنموذج دول الطوائف، والتجربة التاريخية المريرة.
معضلة الصومال فيما يشبه إلى حد كبير معضلة العراق، هي غياب رؤية لوطن يستوعب الجميع ويعمل له الجميع، فقد فشلت الدكتاتورية كعهدها دائما في خلق فكرة الوطن بين مزيج بالغ التعقيد قبليا وأثنيا، بل وفشلت في تحقيق حد معقول من الرفاهية مكن أن يجمع شتات الشعب حولها ليدافع عن مكتسبات لا تجد لها مكانا سوى في خطب الدكتاتور وخطب معارضيه على حد سواء، فينفصل الشمال دفاعا عن وجوده ويغرق الجنوب في دمار أهلي أهوج يغذيه من يغذيه (ما أغرب المفارقة)، وترحل النخب عن الوطن المنسي وتترك الساحة لأجيال لم تعرف غير لغة الحرب والموت فيذوي الوطن تدريجيا حتى يتلاشى.
بحار الموت
من قدر له أن يرقب المأساة الإنسانية الصومالية عن قرب بحكم طبيعة العمل كما تيسر لكاتب هذه السطور بالصدفة البحتة، ومن قدر له أن يطلع على رحلات الموت اليومية التي ابتلى بها الصوماليون عبر البحر إلى سواحل اليمن حلما في الهرب إلى مجهول أقل وحشية، ومن تسنى له رؤية قوارب الموت الصغيرة التي تكدس فيها أجساد الرجال والنساء والأطفال كالسردين بأضعاف حمولتها، بعد أن دفعوا كل ما ملكوا وهو شحيح أصلا، ليصبح الكثيرون منهم طعاما لأسماك البحر برميهم من قبل الربانين القساة أو صرعهم برصاصهم لـquot;تخفيف الحمولةquot; عند هياج البحر أو اقتراب دوريات،فيقلع القارب بمائة وخمسين مثلا ويصل بخمسين أو ستين، ربما سيدرك قسوة معاناة هذا الشعب بل وتميزها. كل هذا الموت اليومي يقبل عليه الآلاف يوميا أملا في شاطئ أكثر أمانا ولقمة أسهل منالا في رحلة تصل فيها نسبة اللاوصول إلى أكثر من النصف. وهناك عند الوصول، يستضيفهم شعب يعاني هو الآخر من توفير لقمة الخبز لأبنائه، في ظل شحة الدعم والاهتمام الدوليين. يحلم الصوماليون بالعبور إلى دول الخليج، أو بركات اللجوء الإنساني إلى أوربا ونصف الكرة الغربي بينما يحمل الموج عشرات الجثث إلى السواحل اليمنية بشكل يومي. رجال ونساء وأطفال ركبوا الحلم بحياة أفضل فأنكره عليهم المجرمون والبحر والجيران وقبلها قادتهم المفترضين ذاتهم.
لم يعر العالم مأساة الصومال ما يكفي من الاهتمام،فلا بترول فيها ولا غاز،فاقتصر على بعض المساعدات الغذائية التي ينهب أغلبها أمراء الحرب ولوردات القتل الذين لن يتخلوا عن هذه البقرة التي باضت لهم ذهبا لعقد ونصف من الزمان بسهولة. حاولت الجامعة العربية، وحاول آخرون، ولكن بلا جدوى حتى فقدوا الاهتمام والزخم وتركوا البلد يموت ببطء. يتحدث الجميع عن القرصنة ومنابع الإرهاب، وماذا ننتظر من شعب محبط وجائع وغاضب أن يقدم لنا؟
الصومال - مثل العراق- نموذج لعصر ما بعد الدكتاتورية، ودرس لشعوب ونخب أضاعت وطنها. أنه درس ليس ببعيد عن كثير من بلدان المنطقة التي تعتقد بأنها في منأى عن التغيير القادم، طال الزمان أم قصر،تغيير قد يكون سلبيا أو مدمرا، وقد يمر بسلام، ولكنه إنذار لكل دكتاتورية بأن تبدأ بإصلاح دارها بنفسها قبل أن يهدمها الآخرون على رؤوسها، وتنبذ قوات أمنها ومخابراتها وجيوشها وشعاراتها لصالح الخبز والتعليم والصحة والرفاهية، وإلا فهي الفوضى الناتجة عن غياب المؤسسات أو تدميرها على أيدي الغاضبين، فالديمقراطية ليست فوضى كما تحاول الدكتاتوريات الترويج مستشهدة بالعراق والصومال، إنما الديمقراطية نظام حكم ناضج ربما كان أفضل ما أنتجه الفكر البشري، وما في العراق والصومال ليس بديمقراطية وإن حاول البعض هناك التعكز عليها، بل هو نتيجة طبيعية للدكتاتورية والقمع وغياب، بل تغييب، قيم ومعاني المواطنة. تشعر الدكتاتوريات الآن بالاسترخاء ظنا بأن حلم الحرية والديمقراطية قد دفن في قلوب شعوبها بعد العراق والصومال، وبعد حملة شرسة تحملهما جريرة كل ما حدث في هذين البلدين وغيرهما، وتصور كل مطالب بها صهيونيا وعميلا أمريكيا، ولكن إلى حين.
من قدر له أن يرقب المأساة الإنسانية الصومالية عن قرب بحكم طبيعة العمل كما تيسر لكاتب هذه السطور بالصدفة البحتة، ومن قدر له أن يطلع على رحلات الموت اليومية التي ابتلى بها الصوماليون عبر البحر إلى سواحل اليمن حلما في الهرب إلى مجهول أقل وحشية، ومن تسنى له رؤية قوارب الموت الصغيرة التي تكدس فيها أجساد الرجال والنساء والأطفال كالسردين بأضعاف حمولتها، بعد أن دفعوا كل ما ملكوا وهو شحيح أصلا، ليصبح الكثيرون منهم طعاما لأسماك البحر برميهم من قبل الربانين القساة أو صرعهم برصاصهم لـquot;تخفيف الحمولةquot; عند هياج البحر أو اقتراب دوريات،فيقلع القارب بمائة وخمسين مثلا ويصل بخمسين أو ستين، ربما سيدرك قسوة معاناة هذا الشعب بل وتميزها. كل هذا الموت اليومي يقبل عليه الآلاف يوميا أملا في شاطئ أكثر أمانا ولقمة أسهل منالا في رحلة تصل فيها نسبة اللاوصول إلى أكثر من النصف. وهناك عند الوصول، يستضيفهم شعب يعاني هو الآخر من توفير لقمة الخبز لأبنائه، في ظل شحة الدعم والاهتمام الدوليين. يحلم الصوماليون بالعبور إلى دول الخليج، أو بركات اللجوء الإنساني إلى أوربا ونصف الكرة الغربي بينما يحمل الموج عشرات الجثث إلى السواحل اليمنية بشكل يومي. رجال ونساء وأطفال ركبوا الحلم بحياة أفضل فأنكره عليهم المجرمون والبحر والجيران وقبلها قادتهم المفترضين ذاتهم.
لم يعر العالم مأساة الصومال ما يكفي من الاهتمام،فلا بترول فيها ولا غاز،فاقتصر على بعض المساعدات الغذائية التي ينهب أغلبها أمراء الحرب ولوردات القتل الذين لن يتخلوا عن هذه البقرة التي باضت لهم ذهبا لعقد ونصف من الزمان بسهولة. حاولت الجامعة العربية، وحاول آخرون، ولكن بلا جدوى حتى فقدوا الاهتمام والزخم وتركوا البلد يموت ببطء. يتحدث الجميع عن القرصنة ومنابع الإرهاب، وماذا ننتظر من شعب محبط وجائع وغاضب أن يقدم لنا؟
الصومال - مثل العراق- نموذج لعصر ما بعد الدكتاتورية، ودرس لشعوب ونخب أضاعت وطنها. أنه درس ليس ببعيد عن كثير من بلدان المنطقة التي تعتقد بأنها في منأى عن التغيير القادم، طال الزمان أم قصر،تغيير قد يكون سلبيا أو مدمرا، وقد يمر بسلام، ولكنه إنذار لكل دكتاتورية بأن تبدأ بإصلاح دارها بنفسها قبل أن يهدمها الآخرون على رؤوسها، وتنبذ قوات أمنها ومخابراتها وجيوشها وشعاراتها لصالح الخبز والتعليم والصحة والرفاهية، وإلا فهي الفوضى الناتجة عن غياب المؤسسات أو تدميرها على أيدي الغاضبين، فالديمقراطية ليست فوضى كما تحاول الدكتاتوريات الترويج مستشهدة بالعراق والصومال، إنما الديمقراطية نظام حكم ناضج ربما كان أفضل ما أنتجه الفكر البشري، وما في العراق والصومال ليس بديمقراطية وإن حاول البعض هناك التعكز عليها، بل هو نتيجة طبيعية للدكتاتورية والقمع وغياب، بل تغييب، قيم ومعاني المواطنة. تشعر الدكتاتوريات الآن بالاسترخاء ظنا بأن حلم الحرية والديمقراطية قد دفن في قلوب شعوبها بعد العراق والصومال، وبعد حملة شرسة تحملهما جريرة كل ما حدث في هذين البلدين وغيرهما، وتصور كل مطالب بها صهيونيا وعميلا أمريكيا، ولكن إلى حين.
الدروس في العالم عديدة ومتنوعة، ولكن العبرة فيمن يقرأ ويستقرئ، ولا أرى كثيرين منهم في هذا الجزء من العالم..
التعليقات