ثمّة حرب.. بل لا حرب، ثمّة انتخاب.. ولا انتخاب، ثمّة رئيس.. والفراغ سيد القصر الرئاسي حتى تاريخه، ثمّة جلسة.. تأجلت الجلسة، ثمّة مجلس.. عذرا المجلس مغلق حتى إشعار غير مُسمّى، ثمّة حوار.. فشل الحوار، ثمّة حقيقة.. ضائعة بامتياز في ذمّة القتلة، ثمّة محكمة.. وثمّة جهود جبّارة لتعطيلها بشتى الأشكال والأعمال والوسائل، ثمّة إجماع.. لكن لا اجتماع فيه، ثمّة توافق وطني.. لا اتّفاق حوله، ثمّة حكومة.. لا شرعية متعارف عليها، ثمّة معارضة.. جاهزيتها قصوى لوضع العصي بكافة الدواليب، ثمّة موالاة.. وولاؤها قيد التربّص والتدقيق والمُحاسبة والمُساءلة والتشكيك المُستمر.. والمراوغة، ثمّة اعتصام باهت وبائس وسط بيروت فشلت أغراضه وأعراضه ونواياه.. ولكن لا انسحاب ولا تسليم ولا جدال عليه بل ولا غبار وتحذير مستمر من تجاوز أو تعدي الخطوط الحمر، ثمّة إفلاس وانهيار اقتصادي جسيم.. مع ذلك لا اكتراث ولا من يكترثون، ثمّة لبنان.. وثمّة أطماع دولية وعربية وفارسية وصهيونية وطائفية ومذهبية وعقائدية وأحزاب من كل حدب وصوب، ثمّة مواطن.. ويأس وباب عريض عريض للهرب والهجرة التي لا تقف عند حدّ أو عدّ أو منطق أو توازن، هذه كلها ليست مجرد لقطات متفرّقة لجملة أحلام وهواجس وكوابيس وزوابع في فنجان قهوة، وليست وردة عاشق شغوف تُـزْهق وريقاتها ورقة ورقة رهانا على شرف المرحلة الراهنة /تُفرج أو لا تُفرج/، وليست موجز إرهاصاتٍ لعرافة بارعة في تدليك كرتها الزجاجيّة لاستنباط المخفي الأعظم من المجهول القادم، بل هذه خلاصة مختصرة جدا لعناوين بارزة مقتطعة من واقع ووقائع وأحداث مُتعاقبة على مدار الحركة والتيار والمعارضة والموالاة، ووحده المواطن الذي يعاني ما يُعانيه ويتكبّد ما يتكبّد، وما من أحد يقدّر العواقب الوخيمة التي تتراكم في شرايينه كجلطات موقوتة، وتتسلل إلى جملته العصبية بأعراض مختلفة تتجلى ملامحها بضغوط نفسية عالية على هيئة خيبات وانهيارات وإحباطات وأرق وقلق وانفصام وتقهقر وتشرذم وتفسّخ وشروخ وكوارث مُهَدِدَةً جميعها بانفجار مدوٍّ هائل، لا يعلم به إلا الله والقوى الخفية، ومما لا شكّ فيه أن آمالا لبنانية كثيرة انعقدت قبل القمّة العربية في دمشق، وآمالا لبنانية أكثر أزهقت بعد القمّة العربية في دمشق، وسورية باختصار شديد نفضت أياديها الممتدّة إلى السيناريو اللبناني جازمة بعدم التدخل في الحوار اللبناني ndash; اللبناني، معلنة نواياها على مرأى ومسمع الرئيس بري الذي يواصل مساعيه الحثيثة من خلال زيارته الأخيرة إلى سورية لتحقيق معادلة quot;س ndash; س quot; /السورية ndash; السعودية، وفي إطارٍ موازٍ يقوم الرئيس السنيورة بجولة مماثلة باتجاه آخر يحاول إضافة quot;م quot; كمركّب جديد للمعادلة الصعبة لتصبح المُصالحة والمَصالح مفتوحة على الدول الأساسية اللاعبة في المنطقة وهي /سورية - مصر -السعودية / كونها مجتمعة ومتّفقة يمكن أن تصبح بمثابة المثلّث الحاضن للأزمة اللبنانية ولكن هيهات، وهكذا يبدو المشهد السياسي حافلا بالحركة التي لم تتبدّ بركتها بعد، إذ لا شيء يلوح في الأفق على المدى المنظور سوى لقاءات بروتوكولية خُلبيّة لأ صحاب السعادة والسيادة والمعالي والقرار، مقتنعا كل منهم على حده أنّ الحلّ ملك يمينه ولا بدّ آخر المطاف بل وحتما سيحظى به في إحدى جولاته المكوكيّة المشحونة بالمساعي والترفيه والاستعراض السياسي المُبهم، ووحده المواطن يراوح مكانه يكظم غيظه من كل ما يجري ويبتلع غصّته وأظافره التي لا يملك سواها وهو يتابع عن كثب المناورات الإسرائيلية بالذخيرة الكثيفة الحيّة المتطورة، والمهددة في الآن نفسه بصيف حار وحافل وحاسم ربما، لتسترجع الحكومة الإسرائيلية فيه كافة النسمات العليلة التي فاز بامتلاكها quot;حزب الله quot; في تموز ال 2006 المنصرم، وفي الوقت الذي تمارس إسرائيل تدريب رعاياها في كافة التجمعات السكنية المحاذية للحدود الجنوبية اللبنانية، وحتى البعيدة نسبيا وصولا إلى العمق الإسرائيلي حرصا منها على سلامة المواطن الإسرائيلي، وسلامة أوتاده العصبية والنفسية، حيث تقوم بتزويده بكافة اللوازم والأجهزة، ناهيك عن تجهيز الملاجيء بأفضل المعدات والمتطلبات والاحتياجات كنمط جديد لملاجىء quot;الخمس نجوم quot;، إلى جانب التدريبات المكثفة والتهيئة النفسية لمواجهة الأخطار من أي نوع، مباشرة كانت أو غير مباشرة، في حين أنّ كافة الملاجىء في لبنان إمّا مستثمرة من أصحاب المُلك كمستودعات متخمة ببضائع مختلفة، أو مهملة جدا وبطريقة مزرية خبرتُها جيدا في حرب تموز 2006، حيث أمضيتُ والجوار أصعب ليال تتفوق رعبا عن القصف الجوي الإسرائيلي الغاشم المكثّف جوا في سماء لبنان، بانتشار مريع لجرذان من الوزن الثقيل كانت تعيث خوفا شديدا يتمازج وانقطاع الكهرباء وغياب النظافة العامة بكل أنواعها، في ما يُشبه الملاجيء التي لا تشكو فقط من انقطاع التيار والمؤن عنها بل وانقطاع الأوكسجين في بعض الأحيان، منذ ذلك الحين لا نشاط يُذكر على كافة الأصعدة في الداخل اللبناني إذا استثنينا الصراعات السياسية والإعلامية سوى نشاط الأسعار التي لم تهدأ منذ أيام الحرب حتى يومنا هذا الذي أصبح فيه الحديث عن الأسعار أشبه بورد يومي وأذكار الأوقات الخمس وحديث العوام والخواص حتى المتسولين منهم الذين لم يعودوا يتقبلوا الصدقة بالقطع المعدنية لعدم جدواها في طوفان الأسعار وأتون السلع التي تكاد تشوّه ليس quot;البريستيج quot; الاجتماعي فقط، بل تكاد تقضي على المتبقي من مساحات أرواحنا المُتهالكة في محيط من العدم وعالم من البؤس والحرمان، وأرفع سؤالي إلى الله مباشرة لأنه أكثر ديموقراطية من كل الأنظمة العربية الضارية، هل هي مشيئتك إلهي أن تمنح الطغاة كافة الامتيازات لسرقة خيرات البلاد دون حسيب أو رقيب، ليظل لنا الفُتات الذي إن أغنى من جوع فلن يُسلم أبناءنا من حقد أكيد وصراع طبقي quot;مفتوح quot; على إرادة ووعي؟ لا بدّ أن يوما لناظره قريب تُحدد فيه ملامح الزمن اللائق بطموحات المواطن وكرامته وحقوقه رغم أنف كل المحاولات لإخضاعه وترويضه وإسكاته إلى ما لانهاية. فلن تقفل المعتقلات إلى الأبد، ولن تصمت الشعوب حتى تعثر على مبرر لنطقها ما بعد الاختناق، ولن يبقى المثقف مكتوف اليدين يبتسم لأولياء نعمته وعرّابيه في المحافل الدولية، لا يزال ثمّة ضمير إنساني ينمو في مكان ما، وقطعا ستكون ثمّة انتفاضة مدويّة تعيد الحقوق إلى أصحابها والطغاة إلى جحورهم، وقتها سيكون لنا جميعا الوطن الذي يسعدنا أن ندافع عنه بكل قطرة دم دون تردد أو تفكير، لأنه وطننا نحن لا وطن الطغاة الذين فصّلوا الوطن على مقاسهم فقط ونسوا أننا أبناء الوطن الشرعيين ولسنا مجرد دمى مؤهّله للتصفيق فقط أيام السلم، وللموت فقط أيام خلافاتهم على اقتسام الغنائم.