في مقالة لي نشرتها قبل ايام بعنوان quot; الصامتون والتغطية على المستورات quot; (البيان الاماراتية، 26 مارس / آذار 2008 )، تساءلت عن سر ظاهرة صمت الشارع السياسي، والتي اطبقت على مجتمعاتنا قاطبة وسكونها منذ نهايات القرن العشرين.. ولقد سألني أحد القراء الكرام : هل يعد الصمت ظاهرة مرحلية في حياتنا السياسية ام انها ثقافة اجتماعية تجتاح عالمنا منذ تاريخ مضى؟ وهنا في مقالتي هذه سأجيب على السؤال مفرقا بين ظاهرة حالات سياسية معينة وبين ثقافة معمقّة للصمت والتغطية الدائمة على المستورات ليس السياسية فقط، بل الاجتماعية والتاريخية ايضا.. بل وغدت بالرغم من كل الفضائح الاعلامية المعاصرة بديلا عن التهريج والاسفاف الذي يمارس في كل مكان.. وتتضح الصورة اكثر فاكثر عندما يمارس الانسان ـ مثلا ـ كل الفضائح تحت اسماء موهومة او القاب مستعارة او اشارات بديلة كي يشفي ما في نفسه بعيدا عن ممارسة الحريات مهما كان نوعها بكل شجاعة وجرأة.. ولم تقتصر كل من الظاهرة والثقافة معا على الافراد والمؤسسات فقط، بل تصل الى الحكومات والسلطات ايضا عندما تمارس الصمت والتعتيم وتلتزم السكوت لتمرير ما تريده بعيدا عن كل ما يثار ضدها من تداعيات ومعارضات.. وهنا ينبغي القول، ان الظاهرة هي جزء لا يتجزأ من ثقافة طاغية علينا ان نتأمل فيها ونتدارسها ونحاور بعضنا بعضا عنها من اجل خدمة الاجيال الجديدة التي نريدها ان تمارس ادوارها بالحدود المعقولة من المكاشفات والشفافية، وان تتمتع بالحريات وبالشجاعة الادبية وممارسة الرأي والرأي الاخر والاعلان عما يريده المرء بعيدا عن نزعات الخوف والتردد والاختباء وبعيدا ايضا عن ممارسة اسلوب التجنّي والمناورة والاستلاب من وراء الاستار.

الصمت والمسكوت عنه: مشكلة تاريخية مستعصية
انها اشكالية مزمنة ليس في حاضرنا، بل هي مشكلة مستعصية في تاريخنا بحيث انتجت حالات الصمت ثقافة خفية باستطاعة المرء كشفها، خصوصا وان تلك quot; الثقافة quot; كرسّت نهج الاستلاب للمواقف والمنتجات والخطاب وكل معاني الذات.. الصمت غدا بحد ذاته ثقافة يألفها الناس ليس في الازمان العصيبة حسب، بل حتى في الايام العادية. الصمت قد يغدو فلسفة وقد يصبح سياسة، او قد يكون ضرورة، او يجمعها كلها في quot; ثقافة quot; مميزة واضحة يرتع اصحابها بالخوف وتلجم افواههم بالاقفال ، ولكن لا تكشف لمن يفكر فيها رؤية وابعادا.. ولا يتوضّح منها فهما معمقا للذات.. ان لكل منطق خطاب، وكل خطاب له رؤية ومعنى او له كتابة وانشاء او له من المزوقات والاشكال التي لا تحصلّ منها شيئا حتى وان عصرتها عصرا. والصمت يغدو تجليا في بعض الاحيان ولدى بعض الناس، او يكون فلسفة وعبادة كي تدع النفس تتأمل وهي صامتة.. اي بمعنى انها تقرأ كل ما يحيطها وما لا يحيطها وهي صامتة تجرى حواراتها في دواخل الاعماق.. الصمت عدا التأمل يمكن استخدامه ممانعة ورفضا واعتراضا.. اي انه تعبير عن حالة معينة من القطيعة باعلى درجات الشعور.. وعليه، فثمة مسيرة صامتة وخطابا تعبيريا صامتا.. ربما تستخدم فيه لغة سوريالية مبهمة او لغة الاشارات والرموز.. كي تقوم الملامح مقام الخطاب.. وتمر بنا عبارات : لحظة صمت.. دقيقة صمت.. حلم صامت.. نظرة صامتة.. صمت القبور.. لغة الصمت.. التواصل الصامت.. الموسيقى الصامتة.. المسكوت عنه.. سؤال الصمت.. ساد الصمت.. لغة العيون. باختصار : ان المتوارث في ثقافاتنا منذ القدم وحتى اليوم يقول بأن من يقول كلمته بشجاعة سيدفع ثمنها خصوصا اذا كان في مجتمع تغيب عنه الحريات، وفي بيئة تسودها شريعة الغاب، وفي مخاض تنعدم منه الموازين.. وكثيرا ما يصبح الرأي الاخر او الاجتهاد او النقد المخالف عرضة للتشويه والاستلاب، بل ربما يدمره التكفير والتخوين والقتل.

لماذا التزام الصمت؟ لماذا السكوت؟
لعل اهم وابرز حالة صمت هي تلك التي تسود شعب كامل من الشعوب، فيصمت سياسيا خوفا ورعبا، فالمعروف ان من يطلق العنان للسانه، فهو يدفع ثمنا غاليا على امتداد التاريخ.. والتاريخ شاهد على امهات من الاحداث الخطيرة كانت من ورائها عدة مواقف وتعابير.. مع خطاب مفتوح.. وكل التجارب الكبرى بدأت بشكل خفي ودور صامت بالاستعانة quot; على قضاء الحوائج بالكتمان quot;.. والفضيحة على نقيض الكتمان (= الصمت المبيّت ) وبين صاحبيهما من الفروق الكبرى.. وبين المخفي والمنفضح درجات من المناورة السياسية او الاختفاء الاجتماعي.. ان القسوة هي التي علمت الانسان كيف يلبس الاقنعة المتعددة، ثم كيف يظهر ويختفي.. كيف يتكلم ومتى يصمت؟ الظلم هو الذي خلق من الانسان ان يظهر عكس ما يبطن والعكس وقت الضرورة صحيح.. ثمة من يقول ان الصمت هو من اجل الحيطة والحذر، والمعروف ان من يلوذ بالصمت هو نقيض من يهوى الثرثرة ونشر الفضائح.. ان مجتمعاتنا التي ارادت ان تتحرر في القرن العشرين من كل اوبئة الماضي، غير قاصرة في ان تمتلك ثقافة نقدية تساهم في تحقيق منجزات خارقة.. ونمتلك تاريخا من النضال السياسي.. وميراثا حضاريا من النقد وصناعة المواقف.. لقد انجبت مجتمعاتنا نسوة ورجالا على امتداد التاريخ كانوا نبراسا في الشجاعة والمقدرة وحسن التقدير وصناعة الخطط والمواجهة.. واليوم نفتقد الكثير من كل تلك السمات والخصائص والمميزات.. اذ ساد الاستسلام والاختفاء او التمرد والتوحش القاتل.

الاكثرية الصامتة
الصامتون هم الاكثرية في اي مجتمع لا يعرف الحريات بدءا بالحرية الشخصية وانتهاء بالحريات السياسية والفكرية والدينية.. ان مجتمعاتنا قد تدّجنت على الخوف من السلطة ايا كان مصدرها وايا كان نوعها، وسواء كانت سلطة سياسية في دولة ام سلطة دينية في مجتمع، فان الخوف من الاثنتين قد انتج صمتا مريعا، خصوصا اذا ما توارث المجتمع تقاليده الصامتة.. علما بأن الجميع قد سمع النص القائل : quot; الساكت عن الحق شيطان أخرس quot;.. هنا يصبح اقتران السكوت عن الرأي في مسألة عادلة بمثابة أسوأ مخلوق كشيطان اخرس.. ولكن ثقافة الصمت هي بحد ذاتها فن من فنون السايكلوجية البشرية، خصوصا اذا استطاع الانسان ان يمتلك القدرة على التحّمل من دون الافصاح عن الاسباب، او تشخيص حالة معينة بلا اية اعلانات. الصامتون لا يعرفون حتى الهمسات في ما بينهم، كونهم اختاروا ان يكونوا دوما في الخفاء، واذا ما طلب منهم التعبير عن رأيهم، او طلب منهم مجرد الكلام، فهم يهربون من دون التفكير لا بالظهور ولا بالصراحة ولا حتى بأي كلام عام! ثمة مركبات سايكلوجية لها دورها ايضا في تكوين شخصية الانسان.. فمن يغالبه الخجل، فانه يريد البقاء دوما في الصفوف الخلفية.. ومن يغالبه الخوف، فهو ينزوي بعيدا عن اعين الاخرين.. والحالات لا حصر لها ابدا :

امثلة من الواقع
يصمت عندما ترفض الجامعه قبوله وقد قبل غيره محله وهو الافضل.. تصمت المرأة عندما تؤكل حقوقها واستحقاقاتها من الميراث.. تصمت عندما تتعرض للتهديد.. تصمت عندما تتعّرض للضرب.. تصمت وتصمت وتكظم غيظها في اعماقها.. ويزمجر الجميع ليقفوا ضدها ان اعلنت عن مطاليبها كانسان.. يصمت الطفل على كل من يسطو عليه.. يصمت عندما يجد نفسه بانتظار من يقدم اليه ما يحتاجه.. يصمت وهو غير مدرك لحقوقه مع صمت الجميع، فان اعترض فسوف لن يجد احدا معه.. سيكون مادة دسمة للاستلاب من قبل كل الذين سكتوا، بل ربما سيتعرض للابتزاز من المتنفذين والاقوياء والمتسلطين والغزاة المحتلين والدخلاء الاقليميين.. يصمت كل اللاجئين والمنفيين في الشتات.. يصمت كل الكادحين اليوم، لأن النقابات التي كانوا قد اوجدوها قبل عشرات السنين للدفاع عن حقوقهم، وجدت نفسها قد انحرفت في كل مجتمعاتنا عن اهدافها الحقيقية واصبحت مقرات لجماعات عقائدية وقوى سياسية في مكان او اجهزة رقابة سلطوية في اماكن اخرى.. يصمت الانسان عندما ترفض دائرة حكوميه او أي شركة توظيفه وهو يرى غيره من دون كفاءته يأخذ مكانه.. يصمت عندما يرى نفسه اقلية مهذبة ومستضعفة وسط اكثرية متوحشة.. يصمت عندما يقتنع ان من يعمل لديه يستغله ابشع استغلال ويصمت صمتا نهائيا عندما يرى نفسه مطرودا في الشارع بلا رزق وهو لم يرتكب اي معصية.. يصمت عندما يجد ان شخصا آخر اخذ مكانا بالواسطه وهو احق منه به.. يصمت ويكظم الظلم عليه عندما لا يجد الخدمات الاساسيه لاتصل الى بيته.. يصمت عندما يجد نفسه مهمشا او مقصيا او مهانا.. ويرى غيره يلعب لعبته في عالم افتقد تكافؤ الفرص.. يصمت ويصمت ويصمت hellip;.الخ حتى الحكومات في منطقتنا تمارس في أحيان كثيرة الصمت السياسي والإعلامي حول قضايا مصيرية ومسائل جوهرية مهمة تقع داخل البلاد او خارجها فيسمع بها ابناء البلد من وسائل اعلام خارجيه.. وحتى ان تّم تصريح الحكومة بذلك، فيكون التصريح مقتضبا وغامضا فتنشأ الاشاعات والاقاويل والتخمينات بين المواطنين في البلد الواحد..

الصمت بين الايجاب والسلب
ثمة من يقول ان الصمت السلبي الذي اعتادت عليه مجتمعاتنا قاد الى ثقافة سائدة بدأت تنخر بنية المجتمع نخرا، خصوصا اذا علمنا ان جهل الناس وتخلفهّم عن الرقي مقارنة بمجتمعات اخرى لا تعرف الا الصمت الايجابي، وعادة ما يصمت الناس ايجابيا على اوضاع تثير النقمة الاجتماعية وتهدد الوحدة الوطنية.. نعم، قد يصبح الصمت ضرورة في ازمان مرعبة واوقات عصيبة ليتحّول الى اسواط تلهب كل الطغاة.. انهم يفتشون عن ادعياء حين ينزوي الاصلاء.. الصمت ضرورة عندما يتحّول الى نوع من النضال والرفض والامثلة كثيرة من اولئك الصامتين الذين وجدوا في الصمت ممانعة وخير اسلوب في المواجهة بناء مواقف نضالية وتاريخية! في حين يعد الصمت السلبي على اوضاع سياسية وسلطوية من المثالب التي لا يمكن تجاوزها ابدا.. ان جان بول سارتر يعتبر التظاهرات في الشوارع والتعبير عن الرأي المخالف كسرا لجمود الناس وهتكا للصمت السالب، ففي التظاهر حركة وتفاعل وفي الصمت هروب من المواجهة.. وكثيرا ما يفسر الصامتون حالتهم بأن لا جدوى من الكلام وعدم جدوى الشكوى! وعليه، فان الصامتين هم ضحايا ولكنهم احياء يأكلون ويشربون ويعيشون من دون اي تأثير ولا اي احساس ولا اي ردود فعل؟ ان الصمت السلبي يطغى اليوم في كل مجتمعاتنا التي سادت فيها ثقافة الصمت، وخصوصا في مخاض السنوات الثلاثين الاخيرة، وبالاخص منذ العام 1979 عندما اقترن الدين بالسياسة واصبح مادة حزبية وسلطوية. لم يعرف اي مواطن المطالبة بحقوقه، ولم يعرف ان يقول ( لا ) لأي امر لا يرتضيه ضميره.. انه يصمت.. وقد يوصله جهله الى الكارثة في معظم الاحيان.. ان الصمت قد لازمه طوال حياته منذ تربيته الاولى حتى آخر لحظة في حياته..

التربية وبناء الشخصية
دوما ما تكون التربية في البيت والمدرسة هي السبب في ابقاء الانسان يعيش الخنوع او جعله يمارس التمرد، فلا خنوعه ينفعه كي يكون عضوا حقيقيا في الدولة والمجتمع، ولا التمرد والهياج سيجعلان منه صاحب فلسفة وتمدن في فن الصمت.. ان مجرد عدم موافقة الوالدين ( او المعلم /المعلمة ) للطفل ان يفصح لابداء رأيه الخاص في اي قضية من القضايا سيسحق في الطفل اي قدرة على ممارسة التفكير الحر.. ان ثقافة الصمت تنشأ منذ ايام المدرسة وتستمر متصاعدة مع الحياة.. وتضادها ثقافة الفضيحة التي تنشأ في الشوارع والمنعطفات الموبوءة بالجهالة والفظاظة والشقاوة وانعدام الاخلاق.. فيغدو المجتمع من البعد بمكان عن الانسجام والتوازن بين شرائح صامتة ومستلبة وبين فئات متظاهرة ومنافقة وبين جماعات داعرة لا تعرف غير الفضائح. ان اهم ما يمكن التفكير به والتخطيط له ونحن في بدايات القرن الواحد والعشرين ان تتم تحولات كبرى في دولنا ومجتمعاتنا اثر ثورة في تغيير المناهج وتربية الاجيال الصاعدة تربية علمية ومستحدثة تنمّي الملكات، وترعى القدرات، وتشجّع الحريات، وتمارس النقدات وترعى القانون، وتعمل على خلق التوازنات بين مختلف الاضداد مع رعاية للمرأة والطفل وان يتم كل هذا وذاك من خلال تشريعات دستورية مدنية تراعي الحقوق والواجبات وفرض القانون واحترام تكافؤ الفرص للجميع.

بدائل الصمت والمسكوتات : الحريات وتنمية التفكير
صعوبة اثبات الحق في دنيانا سواء على مستوى المؤسسات او المجتمع يأتي دوما من سيطرة القوي على الضعيف، فاذا كان الضعيف يعيش الصمت لمختلف الاسباب، فكيف يمكن اثبات الحق؟ او تحقيق الحد الادنى من الحقوق مهما كانت تلك الحقوق؟ من هنا تأتي التجاوزات والاختراقات والوساطات والاقصاءات وانعدام تحقيق اي مبدأ من مبادئ حقوق الانسان وحقوق المواطن والالتفاف على اي حياة مدنية دستورية، فالدستور هو وحده الذي يضمن الحقوق والواجبات من اكبر رأس في اي بلد الى اصغر مواطن. من يسكت او يصمت ليس معارضا سياسيا بل حتى من باب توجيه ابسط انواع النقد سيعطي الدور لكل من يمارس الغطرسة والقوة والظلم سواء على يد دكتاتور متجبر، او من قبل عصابة سياسية، او حزب فاشي، او طائفي، او اوتوقراطي، او ثيوقراطي او من قبل مدراء ورؤساء يمارسون المسؤولية في اي مرفق من مرافق الدولة يتجاوزون حدودهم القانونية ليمارسوا ابشع انواع البيروقراطية.. سيعطي المجال لأية جماعات دينية او ارهابية او طائفية او احزاب شوفينية وميليشيات مسلحة لتمارس ابشع انواع الفتك بالمجتمع والمجتمع ساكت وصامت وليس باستطاعته ان يعترض او يعارض.. اذا اخذت الدولة رهينة او اذا اختطف المجتمع من قبل اي حكام او متسلطين من رجال دنيا ودين، فان الحياة ستنقلب الى جحيم مسكوت عنه! اذا مات الاعلام او مورس التعتيم او جرى قتل الصحفيين.. الخ فان الهدف هو ابقاء الصمت ساري المفعول من اجل تحقيق اهداف مبيتة.. ان الصراعات السياسية والفكرية والايديولوجية هي بالاحرى صراعات بين اهداف محددة ومصالح معينة لاكثر من طرف بمعزل عن الناس الذين يعيشون في صمت قاتل.. وكثيرا ما يستغل الصمت والمسكوت عنه لتوظيف الناس ضد ما يؤمنوا به واخراجهم بالقوة كي يعبروا عن شعارات لا يؤمنون بها ابدا. هنا يؤخذ كل المجتمع الصامت رهينة بايدي جلادين او متسلطين او حزبيين او ميليشياويين او طائفيين او متعصبين او ارهابيين متوحشين.. الخ وعليه، فان الصامتين يحلمون بكل ما هو جميل سيأتي لاحقا.. الصامتون يأكلهم الخوف.. الصامتون في اقصى درجات الامل يقفون على الحياد.. وعندما يجد البعض ان الصمت ضرورة يصمت ويبقى مخلصا لصمته وسكوته حفاظا على استقلاليته ونظافته ولن يطلب الا الستر والامان.. وهناك الملايين من ابناء الشرق الاوسط تضيع حقوقهم، وتسحق احلامهم، وترتهن ارادتهم، وتموت آمالهم نتيجة الصمت المطبق الذي يمارسونه عن قناعة وايمان كونهم اضعف من مناطحة الوحوش.

ماذا انتجت ثقافة الصمت؟
لقد انتجت هذه quot; الثقافة quot; البائسة مجموعة تقاليد واعراف تعد بمثابة مسلمات لا يمكن ان يفضحها أحد باعتبارها تجاوز على محرمات.. لقد أثّرت هذه quot; الثقافة quot; السايكلوجية بالضد من تقدم المجتمعات بالشرق الاوسط وفي حركة تطور الانسان.. لقد جعلت من المجتمع مجرد قطيع نائم في غابة يأكل القوي فيها الضعيف ويتجاوز فيها الرجل على المرأة.. ويمتلك هذا المسؤولية والمكانة والافضلية على حساب الاخرين.. جعلتنا ثقافة الصمت لا ندرك قيمة الحريات، وجعلتنا لا نعرف كيف نفكر باستقلالية وانفراد.. وجعلتنا مفتقدين للثقة بين طبقات المجتمع وعناصره السكانية.. وجعلتنا مجرد مجموعات نخبوية يحتكرها الرعاع او بعض المشعوذين والصعاليك.. جعلتنا لعبا طيعة بايدي الجبابرة والدكتاتوريين والفاشيين.. جعلت من مجتمعاتنا تقف في نهاية طابور العالم.. جعلتنا لا نعرف الا ( يعيش ويسقط ).. جعلتنا لا نعرف غير التطبيل والتزمير والتفاخر والتمجيد والتقديس من جانب او لا نعرف غير الموانع والحدود والمخاوف والتكفير والارهاب.. وجعلتنا ايضا لا نعرف الا السباب والشتائم المقذعة والاهانات الداعرة.. جعلتنا لا نميز بين الافكار ولا الاراء ولا الالوان ولا الناس ولا النخب ولا الطبقات ولا العلماء ولا الادباء.. جعلتنا نؤله العديد من زعمائنا الذين اودى قسم منهم بكل ( الامة ) الى الخراب والدمار والهزائم والانتكاسات.. جعلتنا نبقى في معابد الماضي او في مناسك المؤدلجات او في خنادق الطوائف والملل والنحل.. جعلتنا نمارس التسلط والقهر ولا نخشى المسؤولية ولا نخشى الحق ولا نخشى الحساب والعقاب..

وأخيرا.. من اجل تغيير سايكلوجي
ان ثقافة الصمت تعّم كل مجتمعاتنا، فمن يتكلم عليه ان يدفع الثمن باهضا خصوصا وقد تبلورت اساليب استلاب غير اخلاقية من خلال الوسائل الاعلامية والادوات الحديثة. ولكن لا يمكن لأي مجتمع يسعى نحو المستقبل كي يكون في تقدم وانفتاح على العصر ومن اجل ان يبنى تجاربه المعاصرة اسوة ببقية الشعوب، الا عندما يرفض الواقع بكل موبقاته من اجل واقع جديد. فهل سيتبدل الواقع بغير الواقع وتجري التحولات على نحو جديد استنادا الى العقل والتمدن.. ان ذلك لم يحدث الا بتغيير سايكلوجي لما في النفس.. وخير ما اختتم مقالي هذا quot; ان الله لا يغّير ما بقوم حتى يغيّروا ما بانفسهم quot;.

www.sayyaraljamil.com