الأول من نيسان ليس تاريخا يتعاقب على مدار السنوات ليكرّس طُرفةً اجتماعيةً سائدةً على مدار العام اسمها quot;الكذب quot;، وليس كل كذبٍ جدير بابتسامة، إذ لطالما فُجعنا إلى حدّ الاختناق والمرارة بكذب هذا أو كذب تلك وما أكثر المُنافقين والكذبة في حياتنا.
ولعلّ الكذب ليس وحده آخر المرارات المُرتقبة في الأول من نيسان إذ أنّ نيسان هو شهر حافل بالمرارات الأشد فتكا في ذاكرتنا جميعا، والثالث عشر من تقويمه السنوي يشهد على مأساة لا يُمكن أن يطويها تعاقب الزمن أو حتى تقادمه، فالجميع لا يزال يُجمعُ على حسرةٍ واحدةٍ زَرَعَتْ كل مقاييس الرعب، لتحصد على مدار المواسم كل معاني الألم في الذاكرة اللبنانية، حيث كانت انطلاقة شرارة الحرب في التوقيت المذكور من العام 1975 في منطقة quot;عين الرمانة quot; التي انطلقت باتجاه البوسطة مسرح الجريمة التي حدثت آنذاك، والتي تُمثّل مشهد الرعب الممتد حتى يومنا هذا، فلم يسلم أي بيت لبناني أو أيّة عائلة لبنانية من حكايةٍ محزنة ومؤلمة ومفجعة من حكايات الحرب البشعة، بل تكاد تكون القصص الموجعة فيها بمثابة القواسم المشتركة بين الجميع، ولعلّ هذا العام هو العام quot;الإعلامي quot; بامتياز بحق الذاكرة الجماعية للحرب اللبنانية، وربما هي المرّة الأولى التي تجتهد الشاشة الصغيرة لتظهير بشاعة الحرب، باستقطاب من يجيدون الحديث عنه من إعلاميين وسياسيين وبسطاء وعابرين على اختلاف الأطياف الطائفية والمذهبية والحزبية دون استثناء، فكثير من الوجوه كان لها مرورها على الشاشة الصغيرة لاستنكار الحرب واستنكار ذكراها، إضافة إلى تمرير مقتطفات من مشاهد الفوضى والدمار والاقتتال الميداني بين الأحياء والأبنية والفصائل المُتناحرة بالأسلحة المتوسطة نسبيا، الكبيرة فعليا على الشوارع الضيقة وquot;الزواريب quot; الصغيرة في بيروت وضواحيها وسائر المناطق اللبنانية، الحديث عن الحرب اليوم لم يعد مجرد استعراض لمخزون الذاكرة المنهكة والمكتظّة بصور مرفوضة شكلا ومضمونا، بل هو حديث لا يخل من ترهيب وتأهّب واستعدادات وانزياحات في خريطة السلم الأهلي بدفع كرة النار إلى مرمى فريق نظير الفريق الآخر، وكأنّ الحرب لعبة الشيطنة واللامسؤولية واللاوعي إكراما لللاجدوى التي لم يعتبر منها السياسيون على مدار حقب سياسية بل quot;حفر quot; سياسية ومطباتٍ أمنية وتجربة دمار شامل لوطن جميل اسمه لبنان لا يسأم المتآمرون عليه في الداخل اللبناني والخارج من تكرار التجارب التي لم تسفر عن أكثر من خراب وانهيار وتقهقر، وأثمان باهظة لن يسدّدها سوى الشباب اللبناني بأرواحهم وأجسادهم ودمهم ودموع أمّهاتهم وغصّة الآباء التي لن تندمل على طول الأيام، فمن هو المُستفيد الفعلي من تأجيج روح الحرب الأهلية وإشعال فتيلها من جديد؟ سؤال ينبغي على الجميع ودون استثناء أن يطرحه على نفسه وعلى فلذة كبده وأخيه وجاره وقريبه وزميله ورفيقه وحتى عدوّه. من لم يعتبر فليعد إلى بداية التسعينات، وقد نفض الجميع أياديهم من الحرب التي لم ينجم عنها سوى الخراب المريع، أذكر المشهد جيدا آنذاك، كانت أصوات الرصاص قد هدأت إلا من بعض البقايا، والنار خمدت إلا من دخانها الأسود المتصاعد من حقد المتناحرين على اللا شيء، كانت طريقي اليومية من منطقة الحمراء حيث أسكن إلى جريدة الديار حيث أعمل، محفوفة بالركام والتصدّع، كل شيء كان يؤول إلى السقوط، وأهم سقوط تمّ وقتها هو سقوط فكرة المواجهة المجانية والتوصّل إلى اتّفاق الطائف الذي رعته المملكة بجهود جبارة، كان اللون الأسود يضاهي سطوع الشمس في وضح النهار، وكانت العتمة تثير كل خيالات الرعب كل مساء، حتى ظهر عرّاب الإعمار في لبنان رجل اسمه رفيق الحريري وبدأت تتغيّر معه ملامح بيروت وتوضّح ألوانها كما ينبغي، ليحلّ الالتباس أزمة جديدة تلخّصت بكارثة الدَين العام التي بلغت أكثر من أربعين مليار دولار وهو رقم صعب على ميزانية دولة صغيرة وفتية ومنهكة كالدولة اللبنانية، تساندها سوريا كدولة وصاية ورعاية ومُشاركة ومحاصصة في الشكل والمضمون بكل شيء وعلى كل شيء، ثمّة من كان يُحسن الولاء والطاعة العمياء طمعا في الجاه والمنصب والمال والاستقرار الأمني المشروط ربما.
اليوم خرجت سوريا من منصّة الفعل لكنها وكما رحم الله جبران تويني قال لي ذات سجال مفتوح بيني وبينه وسؤال مُحرج لم أكن أستطع مجرد التفكير في حسم جوابه على مرأى ومشهد أكثر من ألفي شخص من الحضور في الشاتو تريانو، هل حقا سيدتي الحرب اللبنانية كانت إرادة لبنانية داخلية صِرف، أم أنّ شبح الحرب كان يتسلل بإيعاز من إرادة البلد الشقيق؟ اليوم غاب جبران وغابت معه جملة الأسئلة المشروعة عمّن يملك quot;ريموت quot; إشاعة الحرب الأهلية ثانية في بلد يستحق كل معاني الحياة ونُظمها وأولوياتها وزهوها، ورحل رجل الإعمار الذي بوسعه أن يُرمم بشاعة المُخلفات المقيتة لضرائب الحرب وتشوّهاتها، ولم يبق سوى إرادة الشعب وإرادة الأمّهات اللواتي يقع على عاتقهنّ حسم الشائعات، فالهجرة ابتلعت نصف الشباب اللبناني فهل ستترك الأمّهات للحرب أن تبتلع النصف المُتبقي؟.
كان للإعلامية quot;دولّي غانم quot; مُداخلة عن الحرب في ذكرى الحرب 13 نيسان على الشاشة الصغيرة وفي حشد للإعلاميين والحضور، وربما للمرّة الأولى أن تصرخ بأعلى إحساسها الصادق برفضها لكامل التفاصيل التي ترسّبت من فترة الحرب التي طالت والتهمت أجمل سنوات العمر وقضت على الشعور بالأمن والطمأنينة، 17 سنة من الحرب المجانية حوّلت الحلم إلى كابوس والفرح إلى مأساة، اليوم على الجميع أن يتّعظ مما جرى سابقا، وأن يتحفّظ من كواليس الإعدادات الموقوتة للحرب وتلك صرخة ثانية جاءت مُتضامنة مع غانم من الإعلامي quot;جورج ياسمين quot;، هكذا ينبغي أن يظلّ الإعلام أمينا على دوره وعلى المصلحة العامة وحقّها في التوعية وحقّها في تقرير المصير، لتكفّ عن التبعية العمياء لهذا المسؤول أو ذاك quot;المُتكاذب quot; أقصد quot;المُتحازب quot;، قاتل الله كل المتآمرين، وأعاد للبنان رشده وصحوته واستقراره، لبنان لم يعد مجرد وطن للحرية، بل هو وطني المُستعار بلا مُنازع، أخشى عليه كما يخشى عليه طفلي الذي جلس على مقاعده الدراسية منذ أول حرف وحتى هذه المرحلة التي يحمل فيها وبكامل القناعة واللهفة، العلم اللبناني ويردد بخشوع تام quot; كلّنا للوطن quot;.
ولعلّ الكذب ليس وحده آخر المرارات المُرتقبة في الأول من نيسان إذ أنّ نيسان هو شهر حافل بالمرارات الأشد فتكا في ذاكرتنا جميعا، والثالث عشر من تقويمه السنوي يشهد على مأساة لا يُمكن أن يطويها تعاقب الزمن أو حتى تقادمه، فالجميع لا يزال يُجمعُ على حسرةٍ واحدةٍ زَرَعَتْ كل مقاييس الرعب، لتحصد على مدار المواسم كل معاني الألم في الذاكرة اللبنانية، حيث كانت انطلاقة شرارة الحرب في التوقيت المذكور من العام 1975 في منطقة quot;عين الرمانة quot; التي انطلقت باتجاه البوسطة مسرح الجريمة التي حدثت آنذاك، والتي تُمثّل مشهد الرعب الممتد حتى يومنا هذا، فلم يسلم أي بيت لبناني أو أيّة عائلة لبنانية من حكايةٍ محزنة ومؤلمة ومفجعة من حكايات الحرب البشعة، بل تكاد تكون القصص الموجعة فيها بمثابة القواسم المشتركة بين الجميع، ولعلّ هذا العام هو العام quot;الإعلامي quot; بامتياز بحق الذاكرة الجماعية للحرب اللبنانية، وربما هي المرّة الأولى التي تجتهد الشاشة الصغيرة لتظهير بشاعة الحرب، باستقطاب من يجيدون الحديث عنه من إعلاميين وسياسيين وبسطاء وعابرين على اختلاف الأطياف الطائفية والمذهبية والحزبية دون استثناء، فكثير من الوجوه كان لها مرورها على الشاشة الصغيرة لاستنكار الحرب واستنكار ذكراها، إضافة إلى تمرير مقتطفات من مشاهد الفوضى والدمار والاقتتال الميداني بين الأحياء والأبنية والفصائل المُتناحرة بالأسلحة المتوسطة نسبيا، الكبيرة فعليا على الشوارع الضيقة وquot;الزواريب quot; الصغيرة في بيروت وضواحيها وسائر المناطق اللبنانية، الحديث عن الحرب اليوم لم يعد مجرد استعراض لمخزون الذاكرة المنهكة والمكتظّة بصور مرفوضة شكلا ومضمونا، بل هو حديث لا يخل من ترهيب وتأهّب واستعدادات وانزياحات في خريطة السلم الأهلي بدفع كرة النار إلى مرمى فريق نظير الفريق الآخر، وكأنّ الحرب لعبة الشيطنة واللامسؤولية واللاوعي إكراما لللاجدوى التي لم يعتبر منها السياسيون على مدار حقب سياسية بل quot;حفر quot; سياسية ومطباتٍ أمنية وتجربة دمار شامل لوطن جميل اسمه لبنان لا يسأم المتآمرون عليه في الداخل اللبناني والخارج من تكرار التجارب التي لم تسفر عن أكثر من خراب وانهيار وتقهقر، وأثمان باهظة لن يسدّدها سوى الشباب اللبناني بأرواحهم وأجسادهم ودمهم ودموع أمّهاتهم وغصّة الآباء التي لن تندمل على طول الأيام، فمن هو المُستفيد الفعلي من تأجيج روح الحرب الأهلية وإشعال فتيلها من جديد؟ سؤال ينبغي على الجميع ودون استثناء أن يطرحه على نفسه وعلى فلذة كبده وأخيه وجاره وقريبه وزميله ورفيقه وحتى عدوّه. من لم يعتبر فليعد إلى بداية التسعينات، وقد نفض الجميع أياديهم من الحرب التي لم ينجم عنها سوى الخراب المريع، أذكر المشهد جيدا آنذاك، كانت أصوات الرصاص قد هدأت إلا من بعض البقايا، والنار خمدت إلا من دخانها الأسود المتصاعد من حقد المتناحرين على اللا شيء، كانت طريقي اليومية من منطقة الحمراء حيث أسكن إلى جريدة الديار حيث أعمل، محفوفة بالركام والتصدّع، كل شيء كان يؤول إلى السقوط، وأهم سقوط تمّ وقتها هو سقوط فكرة المواجهة المجانية والتوصّل إلى اتّفاق الطائف الذي رعته المملكة بجهود جبارة، كان اللون الأسود يضاهي سطوع الشمس في وضح النهار، وكانت العتمة تثير كل خيالات الرعب كل مساء، حتى ظهر عرّاب الإعمار في لبنان رجل اسمه رفيق الحريري وبدأت تتغيّر معه ملامح بيروت وتوضّح ألوانها كما ينبغي، ليحلّ الالتباس أزمة جديدة تلخّصت بكارثة الدَين العام التي بلغت أكثر من أربعين مليار دولار وهو رقم صعب على ميزانية دولة صغيرة وفتية ومنهكة كالدولة اللبنانية، تساندها سوريا كدولة وصاية ورعاية ومُشاركة ومحاصصة في الشكل والمضمون بكل شيء وعلى كل شيء، ثمّة من كان يُحسن الولاء والطاعة العمياء طمعا في الجاه والمنصب والمال والاستقرار الأمني المشروط ربما.
اليوم خرجت سوريا من منصّة الفعل لكنها وكما رحم الله جبران تويني قال لي ذات سجال مفتوح بيني وبينه وسؤال مُحرج لم أكن أستطع مجرد التفكير في حسم جوابه على مرأى ومشهد أكثر من ألفي شخص من الحضور في الشاتو تريانو، هل حقا سيدتي الحرب اللبنانية كانت إرادة لبنانية داخلية صِرف، أم أنّ شبح الحرب كان يتسلل بإيعاز من إرادة البلد الشقيق؟ اليوم غاب جبران وغابت معه جملة الأسئلة المشروعة عمّن يملك quot;ريموت quot; إشاعة الحرب الأهلية ثانية في بلد يستحق كل معاني الحياة ونُظمها وأولوياتها وزهوها، ورحل رجل الإعمار الذي بوسعه أن يُرمم بشاعة المُخلفات المقيتة لضرائب الحرب وتشوّهاتها، ولم يبق سوى إرادة الشعب وإرادة الأمّهات اللواتي يقع على عاتقهنّ حسم الشائعات، فالهجرة ابتلعت نصف الشباب اللبناني فهل ستترك الأمّهات للحرب أن تبتلع النصف المُتبقي؟.
كان للإعلامية quot;دولّي غانم quot; مُداخلة عن الحرب في ذكرى الحرب 13 نيسان على الشاشة الصغيرة وفي حشد للإعلاميين والحضور، وربما للمرّة الأولى أن تصرخ بأعلى إحساسها الصادق برفضها لكامل التفاصيل التي ترسّبت من فترة الحرب التي طالت والتهمت أجمل سنوات العمر وقضت على الشعور بالأمن والطمأنينة، 17 سنة من الحرب المجانية حوّلت الحلم إلى كابوس والفرح إلى مأساة، اليوم على الجميع أن يتّعظ مما جرى سابقا، وأن يتحفّظ من كواليس الإعدادات الموقوتة للحرب وتلك صرخة ثانية جاءت مُتضامنة مع غانم من الإعلامي quot;جورج ياسمين quot;، هكذا ينبغي أن يظلّ الإعلام أمينا على دوره وعلى المصلحة العامة وحقّها في التوعية وحقّها في تقرير المصير، لتكفّ عن التبعية العمياء لهذا المسؤول أو ذاك quot;المُتكاذب quot; أقصد quot;المُتحازب quot;، قاتل الله كل المتآمرين، وأعاد للبنان رشده وصحوته واستقراره، لبنان لم يعد مجرد وطن للحرية، بل هو وطني المُستعار بلا مُنازع، أخشى عليه كما يخشى عليه طفلي الذي جلس على مقاعده الدراسية منذ أول حرف وحتى هذه المرحلة التي يحمل فيها وبكامل القناعة واللهفة، العلم اللبناني ويردد بخشوع تام quot; كلّنا للوطن quot;.
التعليقات