من مفكرة سفير عربي في اليابان
تعتبر اليابان الولايات المتحدة شريك اقتصادي ودفاعي إستراتيجي، لذلك راقبت وبحذر مجيء باراك أوباما لكرسي الرئاسة، وابتهجت حينما عينت السيدة كلينتون وزيرة للخارجية، وزادت غبطتها حينما سمعت عن احتمال اختيار صديق عزيزي عليها كسفير للولايات المتحدة في طوكيو. والسؤال لعزيزي القارئ: من هو هذا الدبلوماسي المقترح؟ وما تأثير تعينه على مستقبل العلاقات الأمريكية اليابانية؟ وهل ستتعقد هذه العلاقة بمجي المعارضة اليابانية للحكم؟
لقد استمرت العلاقات الأمريكية اليابانية قوية خلال الستة عقود الماضية من حكم الحزب اللبرالي الديمقراطي. ويتخوف البعض بأن يؤدي فوز المعارضة لرئاسة الحكومة في الصيف القادم لتدهور العلاقات الأمريكية اليابانية، كما أدى تصرح السيد اشيرو اوزاوا، زعيم الحزب الديمقراطي الياباني المعارض، بتطلعه لزيادة استقلالية اليابان عن الولايات المتحدة، لقلق الإدارة الحالية في واشنطون. وقد حاول السيد كيشيرو اسو، وزير الدفاع بحكومة الظل، وخريج جامعة ستانفورد الأمريكية، أن يخفف هذا القلق، بالقول: quot;فوز حزبنا لرئاسة الحكومة سيقرب بين البلدين، وأعتقد بأن العلاقات الأمريكية اليابانية هي أهم علاقة بين بلدين في العالم، ليس فقط لليابان، بل أيضا للولايات المتحدة. وسيؤكد التغير الجديد القيم الديمقراطية التي تجمع بلدينا.quot; ولكنه أكد مرة أخرى بأن حزبه سيكون أقل رغبة من الحكومة الحالية للموافقة على السياسات الدفاعية لحكومة بوش السابقة، وخاصة المتعلقة بإرسال الجيش الياباني لمهمات خارجية، كتوفير الطاقة للسفن الحربية الأمريكية في المحيط الهندي. وكرر القول بأن المعارضة ستعمل بتناغم مع الأمم المتحدة لدعم مهمات حفظ السلام في المناطق المضطربة في العالم، وستوافق على المشاركة لتوفير الحماية الدولية للسفن التجارية. ولكنه رفض تغطية اليابان تكاليف نقل القاعدة الأمريكية من جزيرة أوكوناوا اليابانية إلى جزيرة غوام الأمريكية، حيث قال: quot;إذا أرادت الولايات المتحدة أن تدفع تكلفة النقل من جيبها فليس لنا شأن بذلك، ولكن إذا طالبت منا الدفع من أموال دافعي الضرائب، فذلك بالتأكيد سيكون من شأننا.quot;
ويبدو بأن الرئيس أوباما مستعد للتغيرات السياسية اليابانية المتوقعة، لذلك أختار صديق عزيز على اليابانيين، وأستاذ بجامعة هارفارد، وهو البروفيسور جوزيف ناي، ليكون السفير الأمريكي الجديد في اليابان. فلنحاول معا التعرف على بعض نظريات هذا البروفيسور، من خلال تصفح كتابه، القوة الناعمة: وسيلة للنجاح في السياسة الدولية. فيقسم البروفيسور القوة في نظرية العلاقات الدولية، لقوة شرسة قسرية كالقوة العسكرية والاقتصادية، وقوة ناعمة حرة، وهي قوة الثقافة والقيم والأفكار. ويعرف القوة بأنها: quot;القدرة على التأثير على الآخرين بالتهديد بالعصاة، أو بالتشجيع بالجزرة، لإقناعهم لكي يفعلوا ما نريد، أو نجذبهم بالقيم المشتركة والسلوك التعاوني، لكي يريدوا ما نريد.quot;
وناقش الوسائل الناجحة للتعامل مع التطرف للوقاية من ما عانته الولايات المتحدة عقب حوادث الحادي عشر من سبتمبر، فقال: quot;فنحن نحاول أن نشق طريقنا من خلال المشهد الذي نتج من تغيرين هامين في النصف الأخير من القرن العشرين، فالتغير الأول هو زيادة العولمة، بتحول العالم لقرية صغيرة. فلو سألنا الأمريكيون، قبل الحادي عشر من سبتمبر، عن أفغانستان لعلقوا، بأنها مرعبة، ولكن ما أهمية ذلك لنا؟ لقد أكدت أحداث سبتمبر بأن ظروف الفقر وعدم الاستقرار في دولة ضعيفة في الطرف الآخر من العالم له تأثير كبير على حياتنا واقتصادنا واستقرارنا. وأما التغير الآخر فهو الثورة المعلوماتية، والتي تتوضح قوة انتشارها بانخفاض قيمة الكومبيوتر ألف مرة منذ السبعينات وحتى عام الألفين. فكلما قل السعر زاد عدد المستهلكين واللاعبين.quot; ويؤكد البروفيسور بأن المنظمات الغير حكومية استفادت من انتشار تكنولوجية المعلومة والعولمة لتزيد من تأثيراتها الحميدة، ولكن استغلت الفئات المتطرفة هذه التطورات لتزيد من تأثيراتها الخبيثة والمدمرة. ويعتقد بأن الثورة المعلوماتية أدت لخصخصة الحروب بين الأفراد، بينما كانت سابقا محصورة كمسئولية عامة بين الحكومات.
ويتساءل البروفيسور ناي: quot;لنفترض لو أن المجموعة التي قامت بحوادث الحادي عشر من سبتمبر حصلت على القنبلة النووية، ألن تكن مستعدة لاستخدامها لدمار العالم؟quot; وأيد الإدارة الأمريكية السابقة حينما أكدت في إستراتيجيتها على أهمية بناء المجتمعات الضعيفة والفقيرة للوقاية من التطرف، وضرورة التعامل مع الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل كتحديات جديدة. ولكنه انتقد تركيزها فقط على قوتها العسكرية، بينما أيد أهمية استخدام القوة الاقتصادية بالتعاون مع الدول الصديقة لتحقيق تجارة سوق العولمة، بالإضافة لاستخدام القوة الناعمة بالتعاون مع الشعوب وحكوماتها للتعامل مع انتشار الإمراض الوبائية وتجارة المخدرات والعمليات الإرهابية. كما ناقش الحرب الإعلامية الجديدة مع القوى المتطرفة، ليؤكد بأن الولايات المتحدة قد خسرت هذه الحرب، فقد انخفضت سمعتها في دول أوروبا الصديقة، وهي الأسوأ بين دول العالم الإسلامي، وعقب بالقول: quot;فلم يعد السؤال في عصر المعلومة أي جيش سينتصر، بل أية قصة ستفوز.quot;
وأختلف البروفيسور ناي مع صميول هتنجتون حول صراع الحضارات فقال: quot;فلو تابعنا استطلاعات الرأي لوجدنا بأن الصراع الجديد ليس صراع بين الحضارات، كما تصورها هتنجتون، بل هو صراع فئات ضمن الثقافات اليهودية والمسيحية والإسلامية، صراع مجموعات متطرفة من جميع الأديان ضد الاعتدال، تريد أن تفرض أفكارها المتطرفة على الجميع، وتريد أن تتزعم بالعنف والرعب، لتخالف أحلام الأكثرية المعتدلة بأولوياتها في التعليم والرعاية الصحية والفرص الحياتية والإحساس بالكرامة.quot; كما تساءل بالقول: quot;كيف يمكن أن نحمي المجتمع من هؤلاء المتطرفين الذين يريدون أن يفرضوا تطرفهم وعنفهم على باقي أفراد المجتمع؟quot; ليؤكد بأن هنا يأتي دور القوة الناعمة، قوة الثقافة والعقيدة والفكر، لجذب المعتدلين للقيم الإنسانية المشتركة، والتي تجمع البشر في حب السلام والاستقرار، والرغبة في التطور الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير فرص العمل المنتج والإحساس بالكرامة. كما يكرر ضرورة تطعيم المعتدلين ضد التطرف والعنف بنشر هذه القيم والأفكار والثقافات، ويصر بأن العالم لن ينتصر في هذه المعركة إلا حينما تفوز الأكثرية المعتدلة، quot;وهنا يأتي دور القوة الناعمة.quot;
وناقش البروفيسور تحديات شرق آسيا، ليؤكد بأن سياسة الاحتواء التي استخدمت مع السوفيت لن تكون مفيدة للتعامل مع الصين، بسبب تجاوزها الصراع العقائدي الشيوعي، وتركيز شعبها على الرباط الوطني. فيصر على ضرورة التعاون مع الصين، لتصبح قوة عاقلة فيستفيد الجميع من إمكانياتها، وتتفرغ لتنميتها الاجتماعية والاقتصادية، ولتستمر في التعاون مع الأمم المتحدة لتحقيق العدالة والسلام العالمي. وأوصي بتجنب وصف الصين كعدو مستقبلي لمنع تحويلها لعدو حقيقي. كما طالب بضرورة حماية العلاقات الأمريكية اليابانية، بل دعا الصين للمشاركة على نفس الطاولة، لتكون قوة مسئولة في المنطقة، وشرح سبب ذلك بالقول: quot;بذلك نمنع الصين من فرصة أن تحول اليابان عدوا ضدنا، وشجعناها للعمل معنا كصديق حينما تتصرف كقوة مسئولة.quot;
وطرح قضية حقوق الإنسان في الصين، وأعتبرها مشكلة معقدة، لأن الشعب الأمريكي يؤمن بأهميتها في العلاقات الدبلوماسية. وأبدى تخوفه من تحويل السياسة الخارجية لقضية حقوق الإنسان، لاعتقاده بأن السياسة الخارجية لها أهداف إستراتيجية تضم علاقات اقتصادية واجتماعية وأخلاقية، فتساءل: quot;حينما نقاطع الصين تجاريا مثلا، فهل سنحسن أوضاع حقوق الإنسان، أم سنسيء لها؟ فمن المعروف بأنه كلما تحسنت الأوضاع الاقتصادية كلما تطورت حقوق الإنسان.quot; وأكد بأولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين، وذلك بتطوير مؤسساتها المالية والاجتماعية والدولية، بالإضافة لتطوير مؤسساتها القانونية والدستورية، والمؤسسات المسئولة عن الشفافية ومحاربة الفساد، وبذلك تتطور أوضاع حقوق الإنسان. والسؤال لعزيزي القارئ: هل ستستفيد دول المينا من القوة الناعمة لوقاية مجتمعاتها من التطرف والحروب، ولتتفرغ لبناء مستقبل أجيالها القادمة؟
سفير مملكة البحرين في اليابان