جحا المصري يعيش بدرجة يدوبك في أحسن الأحوال، وفي أغلبها يبيت على الطوى، جاهل وجائع ومريض ويسكن العشوائيات أو المقابر، هو أيضاً كادح ومكافح من أجل توفير لقمة الخبز له ولأولاده.. وثوره هزيل، لا يكاد يحمل على كتفيه لحماً، وأنثاه لا تكاد تدر حليباً يكفى لرضاع صغارها.. سماء مصر لا تمطر ذهباً، وأرضها لا تتفجر بدولارات يسبح فيها الجالسون على عرشها، ولا يدرون لها تصريفاً أو توظيفاً.
هذا هو حال جحا المصري وحال ثوره، وهذا يعني أنه ليس لديه ما يستطيع أن يعطيه لهؤلاء الذين تفرغوا للقتال وسفك الدماء، واحترفوا إلقاء أنفسهم في التهلكة، وتسليم قيادهم للمغامرين وشذاذ الآفاق، الذين لا يحسبون حساباً، إلا لتضخم أرصدتهم في بنوك سويسرا.. يحترفون التسول والابتزاز، ويبيعون الناس الكلام الكبير الرنان والشعارات، متخذين من القول المأثور: quot;حسنة وأنا سيدكquot; شعاراً لهم.
لا أسلحة ولا أغذية ولا أدوية فائضة عن احتياجات جحا المصري الأساسية، ليصبها في ذلك الوعاء بدون قاع، الذي يبتلع كل ما يصب فيه، في دورات البناء والهدم، التي لا يبدو لها نهاية، وجحا لا يعرف غير الكد والعرق ليبقى على قيد الحياة، ولا يعرف التسول وعرض أولاده ونسائه الجوعى والجرحى في قنوات تليفزيونية متخصصة، ليستدر بها عطف الناس وإحسانهم في سائر بقاع الكرة الأرضية.. لكنه يكد في صمت، ويعاني في صمت، ويرضى بقليله في صمت أيضاً.
كما أن جحا المصري وأولاده ليسوا من فصيلة الأشاوس، من محترفي الجعجعة والعنتريات، ولا من فصيلة القتلة والذباحين وسفاكي الدماء، فهو منذ الأزل زارع وبناء، يحب الحياة ويصنعها، ولا يتقن أبداً صناعة الموت، ولا يستهويه التدمير والتخريب، كهؤلاء البعض من جيرانه، الذين فيما يبدو يستهويهم نعيق البوم، ونهش الضباع لجثث قتلاهم.
إذا كانت الحركة الصهيونية قد اختطفت جزءاً من أرض فلسطين، فجحا المصري لن يصبر إلى الأبد، على اختطاف أشاوس العروبة والذبح لمصر كلها، حاضرها ومستقبلها، لتكون رهينة صراع يصممون أن يكون أبدياً، وأن يكون صراع وجود.. فالوجود المصري لن يكون محل رهان، أمام وجود أي شعب آخر.. تحدي الوجود الحقيقي الذي يواجهه جحا وبنوه هو تحدي التنمية، وتحدي الخروج من المأزق الحضاري، الذي لم يدخلنا فيه إلا استدراجنا إلى ثقافة العداء والكراهية وسفك الدماء.. ثقافة quot;السيف أصدق أنباء من الكتبquot;، وثقافة quot;إذا جهل أحد علينا جهلنا فوق جهل الجاهلينَquot;، فالجاهلية لم تكن يوماً صناعة مصرية، بل هي صناعة الأعراب والبدو، الذين يتعيشون على النهب والسلب والغزو.
لكن جحا عاطفي ورقيق المشاعر، يسهل أحياناً خداعه، خاصة إذا ما ضرب أحد على أوتار إيمانه العميق والأزلي بالله، وهو طيب ومعطاء، ويمكن أن يأخذ لقمة الخبز من فمه وفم عياله، ليعطيها لجاره المحتاج، لاشك يفعل هذا إلى أن يستحي هذا الجار، وينظر كيف يدبر أموره، ويعرف كيف يقيم حياته.. هو يستحي كذلك أن يعلن ما لابد ويدور في رأسه، من أن الله لم يخلق أناساً للكدح والمعاناة، وأناساً للعيش على العنتريات وسفك الدماء، ورفض كل حلول عملية لمشاكلهم، حتى لا يأتي يوم يكونوا مضطرين فيه إلى تدبير أمورهم بأنفسهم لأنفسهم، وينزلوا البنادق والرشاشات من على أكتافهم، ويحملوا بدلاً منها الفؤوس والمعاول.. ويكفوا عن الارتزاق بالوقوف أمام كاميرات قنوات التحريض الفضائية، ويقفوا بدلا منها تحت الشمس والمطر، لغرس شجرة، أو نحت أحجار بناء من جسد جبل صلب.
يتميز جحا بأن حبال صبره طويلة، حتى ليتصور الجهلة والغافلون أنه ميت أو عديم الإحساس، أو أنه غافل وغائب عن الوعي.. لا يعرف الكثيرون ماذا يمكن أن يفعل جحا إذا ما فاض به الكيل.. هو quot;يصبر على جار السوء، لا يرحل لا تجيله داهيةquot;، لكن على هذا الجار أن يعرف أنه مهما طال صبر جحا وتعاطفه، مع الذين يمد إليهم يده بالإحسان، فيأخذون ما بها غير شاكرين، ويعودون سريعاً لعض اليد التي امتدت إليهم، ويستمرئون التطاول على من لولاه لكانوا نسياً منسياً، فإن لصبره حدوداً، ولصبره أيضاً على نخبته وقادته الذين لا يعملون لحسابه، وإنما لحساب من يبتزونه، ويوردونه موارد التهلكة، لصبره على كل هؤلاء حدود.. يصبر على مؤسسات بلاده الرسمية والأهلية، التي يعلن رموزها دائماً أهدافاً لهم، تخرج عن حدود وظيفتهم، التي هي خدمة الشعب المصري ورعاية مصالحه.. يصبر على دأب ممثليه على إعلان أن زياراتهم الدبلوماسية ولقاءاتهم مع ممثلي مختلف الدول، تهدف لمناقشة أمور تخرج تماماً عن دائرة مصالح الشعب المصري الأصيلة، وتتركز على قضية أزلية، لا يريد أهلها لها حلاً.. يصبر على نقابة أطبائه وهي تترك مهنة الطب بالبلاد، وتدير ظهرها لمرضى المصريين، الذين لا يجدون مستشفيات حقيقية تداويهم، ولا أدوية يقدرون على دفع ثمنها، وتتجاهل شباب الأطباء، العاجزين عن تدبير مقومات حياتهم، وتتفرغ لمساندة ودعم الإرهابيين وعصابات القتل والكراهية.. يصبر على تجاهل كوارث مصر والمصريين، وقيامة الدنيا دون قعود، لكوارث من يسعون بكل جد لاستجلاب الكوارث لأنفسهم.. يصبر على تلك الجماعة التي صارت طابوراً خامساً لأعداء الوطن والمتربصين به، وذراعهم ولسانهم الطويل داخل البيت المصري، والذين يعلنون بجسارة تفتقد لأبسط ملامح الحياء، أنهم لا ينتمون لوطن، وإنما انتماؤهم لفكرهم الشاذ، ومصالحهم الذاتية غير المشروعة.. لكن ليس من قبيل التهديد، وإنما لمجرد التنبيه والتحذير، ليعلم كل هؤلاء أن لصبر المصريين حدوداً، فإذا ما فاض بهم الكيل، فلا يمكن توقع ماذا سيفعل جحا الطيب المغلوب على أمره!!
ربما قد آن الأوان أن ينكب جحا المصري على مشاكله المتفاقمة، وعلى أحواله التي تتردى بتسارع مع الأيام.. على تردي الحالة الصحية للملايين من المصريين، وعلى بؤس حالة ساكني العشوائيات والقبور وسفوح الجبال التي تنهار على رؤوسهم، والبيوت الآيلة للسقوط، والتي يفضل ساكنوها الموت تحت أنقاضها، على التشرد في العراء.. أن يجد جحا حلاً للآلاف من أبنائه، الذين يبتلعهم البحر، وهم يبحثون لهم عن مهرب ومهجر، يجدون فيه موطئاً لقدم، وكسرة خبز تقيهم التسول والضياع.. أو ينظر في حال نظام التعليم الفاشل، الذي يتخرج منه سنوياً الملايين من العاجزين عن إتقان أي عمل.. وحالة سكك الحديد المصرية والعبارات، التي ترسل ركابها إلى الحياة الأخرى، وليس إلى حيث يقصدون، وإلى الأطعمة غير الصالحة للاستخدام الآدمي، التي يستوردها له علية القوم وأصحاب النفوذ.. جحا الذي يشغله المهيجون باستعادة وطن جيرانه السليب، هو ذاته متغرب ومقهور في وطنه، وحتماً سيقرر ذات يوم أن يستعيد وطنه وذاته أولاً، ربما يتمكن بعدها من تحريض جيرانه ومساعدتهم، على أن يبحثوا جدياً كيف يقيمون لأنفسهم وطناً، وأن يكفوا عن الإصرار على مسلسل العداء والكراهية والقتل والتسول إلى يوم يبعثون.
هذا هو حال جحا المصري وحال ثوره، وهذا يعني أنه ليس لديه ما يستطيع أن يعطيه لهؤلاء الذين تفرغوا للقتال وسفك الدماء، واحترفوا إلقاء أنفسهم في التهلكة، وتسليم قيادهم للمغامرين وشذاذ الآفاق، الذين لا يحسبون حساباً، إلا لتضخم أرصدتهم في بنوك سويسرا.. يحترفون التسول والابتزاز، ويبيعون الناس الكلام الكبير الرنان والشعارات، متخذين من القول المأثور: quot;حسنة وأنا سيدكquot; شعاراً لهم.
لا أسلحة ولا أغذية ولا أدوية فائضة عن احتياجات جحا المصري الأساسية، ليصبها في ذلك الوعاء بدون قاع، الذي يبتلع كل ما يصب فيه، في دورات البناء والهدم، التي لا يبدو لها نهاية، وجحا لا يعرف غير الكد والعرق ليبقى على قيد الحياة، ولا يعرف التسول وعرض أولاده ونسائه الجوعى والجرحى في قنوات تليفزيونية متخصصة، ليستدر بها عطف الناس وإحسانهم في سائر بقاع الكرة الأرضية.. لكنه يكد في صمت، ويعاني في صمت، ويرضى بقليله في صمت أيضاً.
كما أن جحا المصري وأولاده ليسوا من فصيلة الأشاوس، من محترفي الجعجعة والعنتريات، ولا من فصيلة القتلة والذباحين وسفاكي الدماء، فهو منذ الأزل زارع وبناء، يحب الحياة ويصنعها، ولا يتقن أبداً صناعة الموت، ولا يستهويه التدمير والتخريب، كهؤلاء البعض من جيرانه، الذين فيما يبدو يستهويهم نعيق البوم، ونهش الضباع لجثث قتلاهم.
إذا كانت الحركة الصهيونية قد اختطفت جزءاً من أرض فلسطين، فجحا المصري لن يصبر إلى الأبد، على اختطاف أشاوس العروبة والذبح لمصر كلها، حاضرها ومستقبلها، لتكون رهينة صراع يصممون أن يكون أبدياً، وأن يكون صراع وجود.. فالوجود المصري لن يكون محل رهان، أمام وجود أي شعب آخر.. تحدي الوجود الحقيقي الذي يواجهه جحا وبنوه هو تحدي التنمية، وتحدي الخروج من المأزق الحضاري، الذي لم يدخلنا فيه إلا استدراجنا إلى ثقافة العداء والكراهية وسفك الدماء.. ثقافة quot;السيف أصدق أنباء من الكتبquot;، وثقافة quot;إذا جهل أحد علينا جهلنا فوق جهل الجاهلينَquot;، فالجاهلية لم تكن يوماً صناعة مصرية، بل هي صناعة الأعراب والبدو، الذين يتعيشون على النهب والسلب والغزو.
لكن جحا عاطفي ورقيق المشاعر، يسهل أحياناً خداعه، خاصة إذا ما ضرب أحد على أوتار إيمانه العميق والأزلي بالله، وهو طيب ومعطاء، ويمكن أن يأخذ لقمة الخبز من فمه وفم عياله، ليعطيها لجاره المحتاج، لاشك يفعل هذا إلى أن يستحي هذا الجار، وينظر كيف يدبر أموره، ويعرف كيف يقيم حياته.. هو يستحي كذلك أن يعلن ما لابد ويدور في رأسه، من أن الله لم يخلق أناساً للكدح والمعاناة، وأناساً للعيش على العنتريات وسفك الدماء، ورفض كل حلول عملية لمشاكلهم، حتى لا يأتي يوم يكونوا مضطرين فيه إلى تدبير أمورهم بأنفسهم لأنفسهم، وينزلوا البنادق والرشاشات من على أكتافهم، ويحملوا بدلاً منها الفؤوس والمعاول.. ويكفوا عن الارتزاق بالوقوف أمام كاميرات قنوات التحريض الفضائية، ويقفوا بدلا منها تحت الشمس والمطر، لغرس شجرة، أو نحت أحجار بناء من جسد جبل صلب.
يتميز جحا بأن حبال صبره طويلة، حتى ليتصور الجهلة والغافلون أنه ميت أو عديم الإحساس، أو أنه غافل وغائب عن الوعي.. لا يعرف الكثيرون ماذا يمكن أن يفعل جحا إذا ما فاض به الكيل.. هو quot;يصبر على جار السوء، لا يرحل لا تجيله داهيةquot;، لكن على هذا الجار أن يعرف أنه مهما طال صبر جحا وتعاطفه، مع الذين يمد إليهم يده بالإحسان، فيأخذون ما بها غير شاكرين، ويعودون سريعاً لعض اليد التي امتدت إليهم، ويستمرئون التطاول على من لولاه لكانوا نسياً منسياً، فإن لصبره حدوداً، ولصبره أيضاً على نخبته وقادته الذين لا يعملون لحسابه، وإنما لحساب من يبتزونه، ويوردونه موارد التهلكة، لصبره على كل هؤلاء حدود.. يصبر على مؤسسات بلاده الرسمية والأهلية، التي يعلن رموزها دائماً أهدافاً لهم، تخرج عن حدود وظيفتهم، التي هي خدمة الشعب المصري ورعاية مصالحه.. يصبر على دأب ممثليه على إعلان أن زياراتهم الدبلوماسية ولقاءاتهم مع ممثلي مختلف الدول، تهدف لمناقشة أمور تخرج تماماً عن دائرة مصالح الشعب المصري الأصيلة، وتتركز على قضية أزلية، لا يريد أهلها لها حلاً.. يصبر على نقابة أطبائه وهي تترك مهنة الطب بالبلاد، وتدير ظهرها لمرضى المصريين، الذين لا يجدون مستشفيات حقيقية تداويهم، ولا أدوية يقدرون على دفع ثمنها، وتتجاهل شباب الأطباء، العاجزين عن تدبير مقومات حياتهم، وتتفرغ لمساندة ودعم الإرهابيين وعصابات القتل والكراهية.. يصبر على تجاهل كوارث مصر والمصريين، وقيامة الدنيا دون قعود، لكوارث من يسعون بكل جد لاستجلاب الكوارث لأنفسهم.. يصبر على تلك الجماعة التي صارت طابوراً خامساً لأعداء الوطن والمتربصين به، وذراعهم ولسانهم الطويل داخل البيت المصري، والذين يعلنون بجسارة تفتقد لأبسط ملامح الحياء، أنهم لا ينتمون لوطن، وإنما انتماؤهم لفكرهم الشاذ، ومصالحهم الذاتية غير المشروعة.. لكن ليس من قبيل التهديد، وإنما لمجرد التنبيه والتحذير، ليعلم كل هؤلاء أن لصبر المصريين حدوداً، فإذا ما فاض بهم الكيل، فلا يمكن توقع ماذا سيفعل جحا الطيب المغلوب على أمره!!
ربما قد آن الأوان أن ينكب جحا المصري على مشاكله المتفاقمة، وعلى أحواله التي تتردى بتسارع مع الأيام.. على تردي الحالة الصحية للملايين من المصريين، وعلى بؤس حالة ساكني العشوائيات والقبور وسفوح الجبال التي تنهار على رؤوسهم، والبيوت الآيلة للسقوط، والتي يفضل ساكنوها الموت تحت أنقاضها، على التشرد في العراء.. أن يجد جحا حلاً للآلاف من أبنائه، الذين يبتلعهم البحر، وهم يبحثون لهم عن مهرب ومهجر، يجدون فيه موطئاً لقدم، وكسرة خبز تقيهم التسول والضياع.. أو ينظر في حال نظام التعليم الفاشل، الذي يتخرج منه سنوياً الملايين من العاجزين عن إتقان أي عمل.. وحالة سكك الحديد المصرية والعبارات، التي ترسل ركابها إلى الحياة الأخرى، وليس إلى حيث يقصدون، وإلى الأطعمة غير الصالحة للاستخدام الآدمي، التي يستوردها له علية القوم وأصحاب النفوذ.. جحا الذي يشغله المهيجون باستعادة وطن جيرانه السليب، هو ذاته متغرب ومقهور في وطنه، وحتماً سيقرر ذات يوم أن يستعيد وطنه وذاته أولاً، ربما يتمكن بعدها من تحريض جيرانه ومساعدتهم، على أن يبحثوا جدياً كيف يقيمون لأنفسهم وطناً، وأن يكفوا عن الإصرار على مسلسل العداء والكراهية والقتل والتسول إلى يوم يبعثون.
التعليقات