يهود العراق، ذكريات وشجون (39)
(1)

ما لي أردد مع مجنون ليلى أبياته عن صراعه النفسي بين نزعات الروح وأشواق الجسد، كما وردت في ملحمة كلستان سعدي باللغة الفارسية، لمّعَها ببيتين من روائع الشعر العربي العذري اللذين تبناهما المتصوفة في العالم الإسلامي؟:
هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى وإنـي وإيّـاها لـمخـتـلـفـان
هـوايـا عـراقيّ وتـثـني زمامـهـاإلى برق ٍلاحَ النجومَ يماني

فالناقة في هذين البيتين هي رمز للجسد وأهوائه، وهوى قيس هو رمز لنزعات الروح، والشمال هو العراق، واليمن هي رمز للجنوب. وهكذا يمضي العمر في نزاع بين الروح والجسد، بين الماضي والحاضر، أما المستقبل، فلم يعد فيه عندي سوى الخوف من الشيخوخة واضمحلال الذاكرة والعجز، ويبقى العراق قدامي حلم الروح بانتظار تحقيقه، بانتظار زيارته، حتى تعبت الناقة وهزلت وها هي اليوم تخشى أن يقعدها الهرم بمرور الزمن، فلا أستطيع أن أمسِّح بأركان دار حبي.
عيل صبري وضاق صدري حنينا إلى مسقط رأسي، فبمَ أعلل النفس والعمر يمضي؟ وإذا لا استطيع زيارة بغداد فلماذا لا أحصل على صورة لدارنا تشفى الغليل، فقررت أخيرا أن أنشر في صحف السلام والحرية العراقية ندائي اليائس التالي في مجلة quot;إيلافquot; الغراء ومجلة quot;الأخبارquot; الخضراء، وهما في طليعة الفكر العربي الحر، استنجد بأصدقائي العراقيين أن يرسلوا إلي صورة لدار الصبا في بغداد لأكحل عيني بها قبل فوات الأوان، فكل ما بقي لي من العراق هي ذكرياتي عنها قبل أن تخونني الذاكرة، فلا أتذكر ولا اشتاق، حتى لو متعت نظري بصور لي من أيام الطفولة أنقذتـُها من براثن المفتشين في مطار بغداد قبل رحيلنا، فأرسلتها عن طريق البحرين إلى القدس بواسطة صديق سعودي أثابه الله خيرا في الدنيا والآخرة. وها هي النار مشتعلة لا تطفئوها حتى حفنة الرمل التي أرسلتها إلي الأديبة أمل بورتر من رمل الجزرة البغدادية والتي عبرت في مقامتي إليها عن فرحتي وشكري واحتفائي بها، ووضعت حفنة الرمل وريش الطيور الأبيض في زجاجة أتأمل حباتها الذهبية في شغف وأمل في أن أضع قدمي في بغداد على رمل الجزرة مرة أخري. وها أنا إلى اليوم أعرضها بفخر وشوق على الزوار، معتزا بأنني الوحيد هنا خارج العراق من يمتلك مثل هذا الكنز الثمين من ثرى العراق العريق المجبول بأجداث الأجداد، رمل من جزرة بغداد، ومن جرف شارع أبي النواس. وهل سمعتم بمثل هذا الكنز يا ناس. وأنا لا اسمح لأحد بلمسه لا لقدسية الرمل عندي فحسب، بل خوفا من أن تسقط من يدهم المرتعشة لهفة وشوقا لعراقنا الذي أصبح قبلة الأحلام والأماني. لقد أشعلت هذه الرمال الذهبية الحنين مرة أخرى، وقتلني الشوق إلى معرفة ما حلّ بدار طفولتي وصباي والذكريات تلاحقني وأنا بين نارين، نار حنيني إلى العراق ونار خوفي من الشيخوخة وخشية من أن يدب الوهن في عظامي ولا يحل السلام ولا يتحقق حلمي بزيارة مسقط رأسي، وعندها سأذكر العراق في حشرجة الموت فقط، ولا أراه مرة أخرى كما كان الأمر مع كل أخوالي وأعمامي ووالديّ. وفي غضبة على الزمن وتلكؤ السلام مع العراق والأمل في زيارته، نشرت إعلانا في صحف ولد الحلال العراقيين، وكيف لا يستجيب عراقيو المهجر لنداء عراقي يائس مثلهم؟
قلت في ندائي إلى الأخوة العراقيين، بأن دارنا التي أشتاق إلى الحصول على تصوير لها كانت في شارع سوق الأمانة قرب كنيس مئير طويق، في البتاويين، ورقم الدار في بستان مامو، 6 د / 13 /1 وعلى تاج الباب الخشبي كتب سنة 1936، وفي الفناء حديقة كان في وسطها شادروان سداسي الشكل. عشنا في هذه الدار من سنة 1936 والى سنة 1950، أرجو ممن يتمكن من العثور عليها وتصويرها أن يرسل الصورة إليّ احتسابا، وله الثواب من الرحمن الرحيم. المخلص، سامي إبراهيم معلم (شموئيل موريه)

والأخوة العراقيون، حفظهم الله، هم من ذوي الأريحية والنخوة والفزعة، يغيثون الصديق ويبادرون إلى نجدته عند الضيق، فكتب إلي بعض القراء الكرام من الذين مس شغاف قلبهم حنيني إلى العراق وبغدادها الحبيبة التي أراني كأنني أصبحت منها كمجنون ليلى في هواها، وأصبحت مني كليلى المريضة في العراق وquot;يا ليتني كنت الطبيب المداوياquot;، وهيهات، فقد شطّ المزار، بين صراعات الأهل من السنة والشيعة، والعرب والأكراد، بين المسلمين والمسيحيين، وبين الأكثرية والأقليات من الصابئة والأيزيدية، وهلم جرا مع هذه المأساة الدامية المدمرة. فحنيني إلى العراق برى عظامي وقلبي من هواها ذاب، حتى أصبحت مهووسا بهواجس الحنين نحو دار طفولتي وصبايا في محلة البتاويين التي كنا قاطنين فيها والتي أضاف إلى عزها ومجدها وجود دار الطيار عقيد الركن منير عباس حلمي الذي رُفّع بعد هجرتنا إلى رتبة أمير لواء في سلاح الجو العراقي وما زلت أتواصل مع أحفاده. وقد أدرك الكثير من القارئات والقراء بحسهم المرهف وذوقهم الأدبي، صدق حنيني وشوقي لأيام الدراسة في مدرسة السعدون التي تعلمت فيها وأكسبتني هذا الأسلوب البغدادي السهل الممتنع وبوّأتني فيما بعد منصب أستاذ الأدب العربي في جامعات إسرائيل وغيرها، دون مدافع أو ممانع، وشاركوني تذوق رحيق ذكريات عطرة وشذاها عن أصدقاء الطفولة إياد وقيس ابني الدكتور علي غالب وزيد ابن وزير المعارف وفيصل ابن رئيس الوزراء آنذاك، رشيد عالي الكيلاني، وولدي فاضل الجمالي وأخوين من عائلة الآلوسي، والأخوين عبد الرحمن وطالب الجابي، وصادق مهدي ابن عبد الأمير كبة وبثينة الكيلاني، وعن حبي الأول لمدرّّسة العلوم الطبيعية الست فاطمة، وعن مدرسة القرآن الست أم ساطع وهي التي دَرَس ابنها ساطع معنا والذي كان همه الوحيد هو التمتع بالتغييرات الهرمونية وأثرها على جسده وعواطفه في مرحلة البلوغ. وقد صاغ من ذكرياتي عن العائلة صديقي الشاعر الكبير الدكتور جبار جمال الدين المتخصص في الفكر اليهودي في جامعة الكوفة، قصائد يعدّها الأهل والأصدقاء من روائع الشعر الإنساني الحديث، بارك الله فيه، إلى آخر ما كتبت من ذكريات الشجون عن عراق الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي بحروبه وتقلباته. وقد تطوع احدهم، بارك الله فيهم، احتسابا لثواب من رب العالمين وشفقة على قلبي المعنى الحزين، بالتفتيش عن دار الطفولة والصبا تحت ظلال ملكة العراق التي كانت ترف علي كما رفت قرون ليلى على المجنون في هواها، بل عرض علي أحدهم من ذوي الأريحية والنخوة العراقية، ولا يوجد في العالم مثل نخوتهم الحاتمية، عرض عليّ التقاط الصور لدارنا، كي تكتحل عينايَ برؤية دار طفولتي وصبايَ، قبل أن تعشى عينايَ وعيون العراقيين المشردين في جميع إنحاء المعمورة من طول الحنين و الألم، بانتظار زيارة العراق. فمتى يا رب يعقوب، يأتي الفرج، ويرمون على وجوهنا نحن المشتاقين إليها، قميص يوسف يردّ بصرنا إلينا قبل فوات الأوان؟ يا ربّ صبرك! فصبري صبر جميل كصبر أيوب الذي أطلب منه ليل نهار المدد.
وعندها فقط أدركت ألم العذاب الروحي الذي عانى منه صديقي المرحوم البروفيسور بدري فتال الذي ولد في محلة ططران ببغداد، والذي تيتم في طفولته ولم يستطع تذكر وجه والده، فحاول العثور على صورة له، ولم يكن للعائلة النقود التي تمكنهم حتى من أخذ صورة للوالدين يوم زفافهما إلى وفاة الوالد، فبقي مدة سنين طويلة يحاول تركيب صورة مبرمجة على طريقة الشرطة في محاولة التعرف على شخص مفقود أو مطلوب، بأن سأل أخوته الأربع الذين درسوا المحاماة (سوي أخيهم الأديب الصحفي الأستاذ سليم فتال، مؤسس قسم البرامج العربية في التلفزيون الإسرائيلي)، عن شكل الشعر والعينين والأنف والشفتين والذقن، مستعينا بصورة العم الذي لا يزال حيا يرزق. ولما تم تشكيل الصورة قدمها فرحا إلى إخوته، مبشرا إياهم بأنه عثر أخيرا على صورة ظنّ أنه استطاع تشكيل صورة مبرمجة له بواسطة الحاسوب، ولكن ردّ الأخوة الذين يتذكرون والدهم جاء مخيبا لأمل حياته، اخبروه ببرود بأنها لا تشبه صورة والدهم. وهكذا توفي الأستاذ بدري فتال والحسرة في قلبه دون أن تكتحل عيناه برؤية صورة والده الحقيقية.
ولعل نفس هذا الدافع النفسي حدا بي إلى البحث عن دارنا. والعجيب أن نتائج البحث كانت شبيهة بلهفة صديقي في الحصول على صورة والده. وقد وصفتُ لـلّواتي يدبجن الرسائل إليّ، أمل وعائشة وهدى وندى وناديةْ وغيرهن من كبار المثقفات في العراق وللأصدقاء محمد الخطيب والصحفيين الكبار علي وحسين ومازن وغيرهم من العراقيين أولاد الحلال من الذين يستطيعون العثور على موقع دارنا، فتطوع بعضهم مشكورين بالبحث عن دار الصبا، لعلهم يأتوني بالخبر اليقين عمّا صنعت بها الأيام. ثم وصلتني بعد فترة هذه الرسالة من الأديب الكبير والصديق الوفي quot;عليquot;، التي إن دلت على شيء فهي تدل على الإخاء الصادق والوفاء النادر والتعاطف الرائع مع شجوني وأحزاني، قال quot;عليّquot; حفظه الله:
quot;قمت خلال يومين بعمل استقصاء للبحث عن منزلكم حسب الوصف الذي ذكرته لي في رسائلك. وبعد استقصاء وحوار وتقصي اهتدى الأخوة إلى منزلكم، أو من المفترض أن يكون منزلكم حسب الوصف الذي أعطيته لي، لا زال قائما وبحالة جيدة مقابل بيت مهدي طعيمة (العمارة الجديدة) حيث أزيل بيت مهدي طعيمة وبقى داران أو ثلاثة مقابلة لهم والدار المقابلة للعمارة (بيت مهدي طعيمة السابق) والتي من المفترض أن تكون داركم، مشغولة من قبل مطبعة ذكر لي أحد الأخوة الأعزاء والذي كان يظن أن البيت قد أزيل.. ولكن أتضح أن البيت لازال قائما ولكن بداخله مطبعة. دخل أحد أصدقائي إلى المطبعة بعد أن قام المصور بتصويرها خارجيا وسأل صاحبها وهو شاب عشريني عن البناية التي تشغلها مطبعتهم، فقال له: سمعت من والدي إنها تعود لأسرة يهودية هاجرت في الأربعينيات أو الخمسينيات ولا معلومات عندي أكثر...المهم والده هو من شغـّل هذه المطبعة حسب قوله منذ فترة طويلة وقد أخذنا موعدا معه نهاية الأسبوع للقائه والاستفسار منه أكثر عن المنزل. وبعد الخروج منه قام زملائي بتصوير المنازل القديمة المحيطة بالمنزل وقاموا بتصوير بناية يعود تاريخ بنائها إلى عام 1927 وهي لا زالت على حالها ومشغولة من قبل ساكنين.. قد تتذكّرها حين تراها،علما أنني حصلت من زميل لي صورة لكنيس ماري حسقيال في منطقة السنك وهو بصورة جيدة أيضا ولكن متروك ومقفل أيضا.. أزودك بها لاحقا. ستشاهد الصور وتمعن بها جيدا عسى أن يكون وأحدا منها بيتكم...وأرجو منك إبلاغي أولا بأول..ولك مني التحية والاحترام،
أخوكم، علي.quot;

أنعمت النظر وأنا في لهفة المشتاق في صور الدور التي أرسلها الأخ الكريم quot;عليquot;، وأنا أتمنى أن أجد دارنا بينها، وان تهب منها نفحة الفردوس المفقود، وفجأة غامت الشاشة أمام عيني، وبقي اليأس قابعا فيها، صامتا واجما حائرا ينظر إليّ، إذ لم تكن دارنا بينها. عشش اليأس مرة أخرى في فؤادي فكتبت إلى أخي quot;عليquot; أخبره بعدم عثوري على ضالتي، قائلا:
quot;رسالتك عن وضع دور اليهود في البتاويين أثارت عواطفي وهيجت أشجاني. لقد كان لأخوالي حاييم وداود ساسون، بيوت في البتاويين قرب كنيس مئير طويق، ولما رحلوا إلى إسرائيل اقفلوا الباب وسلموا المفتاح إلى جيرانهم المسلمين الذين قالوا لهم، quot;سيأتي الفلسطينيون مكانكم والعوض على اللهquot;. تلك الدور التي كانت عامرة بسكانها والحدائق الغناء أصبحت مهجورة خالية صوّحت أشجارها، وينعب فيها البوم وينعق فيها الغراب، يا ديارا حبها في دمي، كيف أنساها وهي مراتع صبايَ. أخوك المشتاق إلى رائحة ضفاف دجلة، بالله قبل الأعتاب وسلم على الديار والأحباب، فقد كانت تعبق فيها روائح الجنة، آه لو تدري يا أخي مدى حنيني. أخوك سامي.quot;
وخنقتني غصة أليمة، لم أجد دارنا بين الصور التي أرسلها الصديق إلي وكتمت الجرح في كبدي. ثم جاء رد الأستاذ quot;عليquot; بقوله مواسيا:
quot;أستاذي العزيز أخجلتني بردكم السريع الذي ما جاء إلا لكرم الخلق والذوق العالي الذي يتمتع به كاتب مرموق مثل حضرتكم.. سيأتي اليوم الذي تزور فيه بغدادك الجميلة وسيكون بيتنا أول من تزوره وهذا وعد علي..على فكرة، لدي صديق داره تقع في منطقة البتاويين تجاوره عدد من المنازل القديمة لأبناء الطائفة اليهودية وهي لا زالت على حالها دون مساس، مقفلة الأبواب بأقفال قديمة جدا وحدائق متيبسة أصبحت أطلال تحن لناس طيبين سكنوها يوما.. ولكن الجميل في الأمر أنها لا تزال على حالها لم تهدم أو تسكن.. مع التحية وأبلغكم تحيات زوجتي ووالدي.. علي.quot;
جاءني الرد سريعا، ومخيبا للآمال مرة أخرى، بالرغم من جهوده. لم أذكر له خيبتي، ولكنه أدرك أنه لم يستطع إرسال الجواب الشافي وأن يشفي غليلي، وكتب إلي يعللني بالأماني (الكلمات بين قوسين وضعتها بدل الجمل التي أسقطها عمدا لكي لا يمكن التعرف على شخصية الأستاذ الكريم، علي):
أستاذي العزيز..تحية طيبة ومساك الله بالخير.
كل ما ذكرته لي في رسالتك الجميلة المؤثرة لم أسمع به مطلقا ولا أعرفه، علما أنني ابن البتاويين كوني أعمل فيها منذ (عام...) أي منذ طفولتي علما أن سني الآن يبلغ (مقتبل العمر والشباب).. أستاذي! الأسماء التي ذكرتها لا أعرفها عدا الحي الذي فيه مكتب (أحد الأصدقاء). سمعت يوما من أحد المعمرين في المنطقة ممن توفاهم الله بأن اسمه كان بستان كُبة...علما أن هناك أربعة أو خمسة منازل أو أكبر من منازل أوصفها لك بأنها (فلل) من الطراز القديم جدا ربما لأكثر من مائة عام متروكة وفيها أطلال حدائق متحجرة وأقفالها قديمة مزنجرة وشبابيكها متربة أراها على حالها منذ عام 1988 أي منذ افتتاح مكتب (جار بالمنطقة) إلى يومنا هذا، علما أن معالمها بالكاد نراها بسبب تقادم الزمن والأتربة عليها، ولكن أبوابها وهياكلها وحتى صبغها باق على حاله المعروف بالمنطقة، أنها تعود ليهود العشرينيات من القرن الماضي بنوها في القرن التاسع عشر وهي متروكة إلى يومنا هذا على حالها.. بيت واحد فقط موجود في رأس فرعنا اشتراه من الدولة (رجل أعمال عراقي) ليحوله إلى مطبعة ضخمة جاعلا منها جزءا من مطبعة (بغدادية مشهورة).
سألت والدي عن وصفك لمنزلكم المقابل لبيت مهدي طعيمة ويؤسفني أن أخبرك بأن والدي قد وصف لي بأن منزلكم حسب الوصف قد أزيل كليا وتحول إلى مطبعة جديدة، لان والدي (عمل هناك...) وكل يوم يدخل في الفرع ويعرفه جيدا أما بيت مهدي طعيمة فقد تحول إلى عمارة تجارية منذ التسعينيات والكنيس لازال على حاله في سوق الأمانة لكنه متروك أيضا... صدقني فرحت برسالتك كثيرا وكان بودي أن أساعدك واخرج بكاميرتي ابحث عن منزلكم صباح أمس لان البتاويين صغيرة كما تعلم ولكن الآن توسعت.. ولكن خاب ظني بما قاله لي الوالد. بإمكاني تصوير ما تبقى من البيوت وإهداءها لك علك تعرف قسما منها أو تتذكرها.. أما عن الفلسطينيين فلا يوجد من أُسْكِن منهم في المنطقة، أصلا البتاويين تحولت إلى مركز المطابع بالعراق تجد فيها الآن أكثر من 80 مطبعة ومكتب طباعي مع وجود منازل متفرقة للآثوريين والكلدان من قدماء المنطقة إضافة إلى السودانيين المقيمين بالعراق.. والمنطقة مقسمة الآن إلى 8 جهات متفرقة بسبب استهدافها من قبل الإرهابيين..
علما أن هناك في البتاويين عائلة يهودية واحدة تسكن الحي المقابل لمطبعة (معروفة،...) لا أعرف عنهم شيئا إلا أنهم يهود..
تحياتي لك وآسف على الإطالة وتصبح على ألف خير...
أدرك الأستاذ الكريم أنني أصبت بخيبة أمل مريرة بالرغم من جهوده الكبيرة المشكورة والتي لا يبذلها سوى أخ وَفِيّ لأخيه. وأخيرا، وصلتني الرسالة التي كان لها فصل الخطاب حول بحثي اليائس الملهوف عن إمكانية العثور على دارنا والحصول على صورة منه، وذلك في رسالة للأديبة ومؤرخة الفن العراقي المجيد، السيدة أمل بورتر، فهي ذات إرادة حديدية، وتنجز وعدها، ومع ذلك فقد أغرقتني في يأس حزين، وقررت أن أصبر حتى يعجز الصبر عن صبري، وأزور العراق:
quot;ابن عمي العزيز عممت رسالتك لكل الأصدقاء ولكنني اعتقد أن ببستان مامو اغلب البيوت أتفلّشتومع هذا راح أحد الأصدقاء يعمل المجهود في معرفة مصيرها. بس شوية تاخد وقت حتى يتأكد من الرقم لو باعته الحكومة او مستملكته الخ
انشاء الله خير. أملquot;

(يتبع)
17 شباط 2009
كتبت هذه الذكريات لتنشر في مجلة إيلاف،
جميع حقوق النشر والترجمة محفوظة للمؤلف،
لا يجوز نشر هذه الذكريات بأية صورة كانت بدون اتفاقية وإذن خطي من المؤلف،