أنعم الله على البلاد العربية بمسلسلات متنوعة متعددة المشارب والنكهات .. من المكسيكي الناطق بالفصحى الى مسلسلات برامج الواقع المتشعبة، فمنها الفني المسلي ومنها التافه الفارغ من أي محتوى ومنها.. الواقعي جدا وهي مسلسلات التوريث السياسية والاجتماعية والفنية وطبعا توريث الالقاب والمناصب مهما عظم او صغر شأنها. وفي برامج الواقع ايضا هناك مسلسلات quot; الاكشن quot; المتمثلة بالانجازات الأمنية من قمع وتنصت وترهيب المواطنين الى الإرهاب وتوابعه.
كما أنعم الله على البلاد العربية بالمسلسلات التركية الناطقة باللهجة السورية العامية، اضافة الى ndash;والحمد الله على هذه النعمة _ مسلسلات السرقة والنهب والهدر. كما لا ننسى المسلسلات الثقافية والاعلامية والطائفية والعنصرية والفوقية الفئوية.
لكن ورغم كل هذا الانتاج الهائل، أنعم الله على البلاد العربية بأهم المسلسلات على الاطلاق.. مسلسلات القاعدة التي تنتجها السحاب للإنتاج الاعلامي.
لعلّ الميزة التي تجمع بين هذه المسلسلات كافة ليس فقط كونها ناطقة باللغة العربية بل هوس الجماهير غير المسبوق بها.. ناهيك عن تمتعها بميزة مثيرة جدا تمكنك _ولو لم تتابعها منذ البداية _ من الالتحاق بركب المهووسين بها بعد مئة حلقة من عرضها ومع ذلك استيعاب الحبكة وتسلسل الاحداث كما لو انك لم تفوّت لحظة واحدة منها.
بطبيعة الحال تختلف عن بعضها البعض من حيث الشخصيات الاساسية والاحداث الدرامية وان كانت جميعها تصب في خانة واحدة.. اسر المشاهد _ اي المواطن العربي_ كل يوم بحلقة جديدة وأحداث مثيرة.
ومن بين المسلسلات كلها، سيقع اختيارنا اليوم على القاعدة، وتحديدا quot;حلقات quot; ايمن الظواهري.
ظهر على الجمهور العربي مؤخرا الرجل الثاني في تنظيم القاعدة بحلقة جديدة من حلقات quot; أعدّوا العدّة quot; وهذه المرة كانت العدّة من نصيب السودان. وعدّة الظواهر هذه ليست بجديدة، فهو لطالما خرج علينا بها لدى كل ازمة، لكن مشكلتها الاساسية انها quot;لم تعدّ quot; حتى الان.
حين اشتعل لبنان خلال حرب تموز 2006، خرج الظواهري داعيا الى فتح باب الجهاد ضد اسرائيل في كل دول العالم، الا ان باب الجهاد هذا بقي موصودا ولم يخرج علينا quot; مجاهدا quot; واحدا من القاعدة لمقاتلة اسرائيل.
ثم ما لبث ان خرج الظواهري بعد ذلك بفترة قصيرة مهاجما المقاومة في لبنان وأمينها العام السيد حسن نصر الله متهما إياهم باحتكار المقاومة ضد إسرائيل.
خلال حرب غزة الاخيرة،قرر الظواهري انه حان الوقت لخروج إعلامي آخر.. وبالفعل اطل على الجمهور العربي منددا مستنكرا مطالبا بإعداد العدّة لمساندة اهل غزة.
وبينما كان اهل غزة يغرقون بدمائهم لم تعدّ العدّة الموعودة ولم يخرج quot;قاعديا quot; واحدا لمساندة quot;اهل السنة quot; المقاومين في غزة.
واخر حلقات مسلسل القاعدة كانت منذ اسبوع حين اطل على السودان هذه المرة..وبالطبع كان quot;اعداد العدة quot; العنوان العريض لظهوره.ومن المؤكد ان هذه العدة لن تعدّ من جهة القاعدة على الاقل، لكنها قد تعد من جهات أخرى. فعدة القاعدة مترسخة في اماكن اخرى كالعراق وافغانستان واليمن والمغرب والجزائر وغيرها من الاماكن حيث لا تستهدف سوى المدنيين او السياح او المرافق الاقتصادية او السياحية.
لا يبدو ظهور الظواهري في كل مرة اكثر من إشعار لمن يعنيهم الامر بـquot;quot; انني هنا..ويمكنني ان اتحدث بما يعني الامة العربية.. فأنا العارف ببواطن الامورquot;.
ولعل الشيء الوحيد الذي يعد quot;تقدما quot; للقاعدة منذ سنوات هي التحسينات التي ادخلت على نوعية التسجيلات التي تبثها، وطبعا الفضل يعود للسحاب للانتاج الاعلامي.
فلم تعد الكهوف هي الخلفية الظاهرة ولم يعد الكلاشينكوف quot;الاكسسوارquot; الضروري للتأكيد على صفة quot;المجاهدquot; الظاهر في الصورة، فتم استبدالها بما هو اكثر تطورا وأدخلت التحسينات على الصوت..وبقي الأداء على ما هو عليه.
للقاعدة جمهورها العريض من منتمين و مؤيدين ومتعاطفين، ومع ذلك ليست بحالة مثيرة للجدل سواء أكانت تهدف إلى غاية سامية لتحريرquot; الشعوب الاسلامية quot; مما ترزح تحته من استعمارات عربية واجنبية، او لخدمة أهداف خاصة متطرفة. هي ببساطة حركة اصولية متطرفة تحاول فرض نفسها كمنقذ للعرب بشكل عام quot;ولاهل السنةquot; بشكل خاص، وفي سبيل تحقيق ذلك لم تجد منفذها الوحيد سوى التطهير العرقي والطائفي.
تألقت القاعدة بغموضها بعد احداث 11 ايلول، ظهر كذلك التنظيم الذي أسرت أسراره الجمهور، ورفع الاعلام من شأنهم.فكانت البرامج والتحقيقات والتحليلات.. ومن بعد ذلك كان طوفان الحرب على الارهاب..
لن ندخل في نقاش حول quot;انجازات quot; القاعدة وانتشارها او عدم انتشارها، فان ذلك لن يجدي الكثير من النفع بما انها من تلك التنظيمات التي يتداخل وجودها بدعم الدول المستتر والتسير وفق مخططات مرحلية تظهرهم ثم تخفيهم مع التطرف الديني والاصولية المذهبية.
ما يعنينا هو ذلك الجزء البسيط من الظهور المتكرر لرجالات القاعدة وتنصيب انفسهم كفرسان هذه الامة التي عاثوا بها تطرفا وقتلا وتدميرا.
والمحصلة فإن المواطن العربي محاط بزعماء يربضون فوق صدره، وقوانين تقمعه، ومعسكرات تقسمه، واوضاع اقتصادية تستعبده اكثر مما هو مستعبد اصلا، وقاعدة تسليه بين حين واخر بسيارات مفخخة وانتحاريين يدسون أنفسهم وسط الحشود فيقتلون ما يقتلون ويدمرون ما يدمرون طمعا بالجنة السماوية محولين الارض الى جحيم والبشر الى اشلاء والدين الى تطرف.
..وبانتظار حلقة جديدة نستودعكم الله آملين ان يجنبكم السيارات المفخخة والهجمات الانتحارية كي تتمكنوا من متابعة الظهور الجديد للظواهري على الاقل.
ومع تحيات السحاب للانتاج الاعلامي..في امان الله