في أكتوبر 2008، وعندما وصلت التكاليف التشغيلية لموقع Facebook مستوياتٍ عالية وبمداخيلَ محدودة للشركة فكان الإنذار بالخطر، حزمَ مديرها المالي حقائبه وتوجّه إلى دبي، فيما أُشيع حينها أنها محاولة لإقناع quot;دبي القابضة حالياًquot; للدخول كمستثمر في الشركة لإخراجها من عنق الزجاجة.
كانت دبي وقتها نجمة العالم الحديث، في قمّة تألقها، وقد وصلت إلىما يشبه السقف الأعلى.
لم يتوقع أحد حينها أن تختنق دبي لاحقاً بنفس العنق والزجاجة، حيث بدأت كرة الثلج بالتدحرج في سبتمبر بإعلان إفلاس بنك Lehman Brothers الأمريكي ودخل العالم ككل بـ quot;دبـيّـهِquot; في ما أُطلق عليه الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
وما بين دبي سبتمبر واليوم دبيٌ من الشائعات والتكهّنات، والأماني.
قالوا أن شوارعها وفنادقها والأسواق فارغة.
قالوا أن آلاف السيارات تُركت بمفاتيحها بالمطار، وكرتا لطيفاً يحوي اعتذارا من الموظفين الرُحّل.
قالوا أن مسئولي دبي طلبوا قرضاً رُفض من السعودية والكويت.
قالوا أن نصف المشاريع أوقفت وإن هنالك ما يشبه quot;التسريح الكبيرquot; للعمالة، حيث يُعطون تذاكر للذهاب والوجهة واحدة بلا عودة.
قالوا أن أبوظبي دعمت دبي مالياً بعد استحواذها على بعض المشاريع الهامّة، وأن خلافاً يقوم الآن لرغبتها بالاستحواذ على الجوهرة quot; طيران الأماراتquot;.
قالوا أن عرّاب وروح دبي محمد بن راشد مريض.
الكثير قيل عن كثير دبي، ولم يزد الحظر الإعلامي quot;الرسميquot; الأمور إلا سوءاً، التقارير الغربية كانت تتوالى في وصف حال المدينة الفقاعة - كما يقولون- والإعلام العربي بشقّيه الرسمي والخاص كان متفرّجاً، إلا من نقولاتٍ خجولة هنا وهناك تُجابه بنفيٍ وغضب رسمي طاحن كذات الأزمة المالية أحياناً.النقل العربي كان مُعيباً لأنه كان مجرّد نقل كالقص واللزق، والرد الرسمي كان أكثر إعابةً، لأنه كان موتوراً، ولا يقدم إجاباتٍ شافيه، ولأنه كان مُتعالياً ومغروراً، نعم كان الغرور والرفض quot;denialquot; هما سيّد الموقف.
هل ما قالوه كذب؟ حقيقة؟ وهل كان النفي quot;العشوائيquot; صادقاً؟
الحقيقة الوحيدة التي يمكن لنا أن نعرفها، ويجب، هي أن لا أحد يعلم الحقيقةَ كاملةً سوى من صنعَ دبي الحديثة، حاكمها المُختلف شخصاً ورؤيةً محمد بن راشد آل مكتوم.
إن الظهور الإعلامي لحاكم دبي مؤخّراً، وإجاباته التفصيلية والمتنوّعة والمُطمّئنة، كان - وإن جاء متأخرّاً - مُلّحاً وضرورةً، وينطبق عليه المثل القائل أن تأتي مُتأخّراً خيرٌ من أن لا تأتي أبداً.
محمد بن راشد صانع هذهِ المعجزة لا يُختلف - ولا يجب - أن يُختلف على مصداقيّته، وليس مديحاً أو مزايدةً القول بأنه يعي تماماً ما يقوله ويعنيه، وهو مسئول عنهُ تماماً، وبمناسبة الحديث عن المسؤوليات ليس أيضاً مزايدةً القول أنها عنوان لهذا الرجل وآيقونة لشخصيته النشيطة وأفكاره الخلّاقة.وعليه، عندما يقول محمد بن راشد أن دبي بخير، إذاً وبكل بساطة دبي بخير.
وقد يتساءل البعض، هل تمتلك دبي مناعةً خاصّة من الأزمة المالية؟ بالتأكيد لا، ولكن من كتب قصّة دبي بكل مُذهلاتها بالتأكيد قادر على أن يذهلنا مجدداً، وهذا على ما يبدو ما يحدث الآن.
التنظير على من يصنعون المُعجزات، وممارسة الأستاذيّة عليهم جريمة أحياناً، ولكن ربما تشفع لنا الفرحة، نحن مُحبي تلك المُعجزة، أن نُمارس الجُرم ونقول لمن كوّن دبي أخطأتم في التأخّر علينا، ولم يكن في صمتكم أي إعجازيٍ يُذكر.
وأمّا أصحاب الأماني بالنداء الأخير لرحلة لدبي، ولئن كنّا لا نفهمكم، أو لا نُحب ونُريد أن نفهمكم لأننا نُحبكم ونحب دبي، نقول لكم ماذا لو تحقّقت أمانيكم وسقطت دبي، هل ستربحون؟ لا..
ولكنكم ونحن سنخسر الشيء الوحيد المُهم الذي أشعرنا كعرب بالفخر في عقدنا الأخير حيث خرجنا من الخارطة العالمية إيجابياً، ويكفي أنه عندما يُسأل أحدنا في الغرب والشرق عن دولته ويذكرها يهزّ السائل رأسه معتذراً أنه لا يعرفها، ويكون المخرج دائماً بالقول هي بجوار دبي فتزول الحيرة!
Viva لدبي وروح دبي، ولأصحاب الحقائب المنتظرين للنداء غير الأخير لرحلة دبي.