كان مفاجئا وصاعقا ان يعترف الأمين العام لحزب الله بأن له أتباعا ناشطين في مصر، يعملون على تهريب السلاح الى غزة عبر شبكة تضم لبنانيين وفلسطينيين ومصريين، وبشكل خاص لجمهور مؤيديه من العرب الذين تنادوا لنفي اي صلة للحزب بما اعلنته الحكومة المصرية، باعتبار انه دائم التأكيد على محدودية مقاومته في الارض اللبنانية. أعقب ذلك ما اسفرت عنه التحقيقات المصرية من إقرار المتهم الاول محمد يوسف احمد منصور (شهاب) بانه اسس مكتبا لحزب الله في مصر منذ العام 2005، يتبع تنظيميا لما يعرف ب (وحدة الطوق) ويتولى توجيهه القيادي في الحزب محمد قبلان. والمقصود بوحدة الطوق هو الجهاز المسؤول عن نشاط الحزب في الدول المحيطة بإسرائيل. وأذا ما تأكد صدق هذا الاعتراف فإن معنى ذلك ان الحزب لم يستثار ضد الحكومة المصرية بسبب ظروف الاجتياح الاسرائيلي لغزة، وإنما كان قائده يخطط منذ زمن للتدخل في السياسة المصرية بهدف تقويض معاهدة السلام مع اسرائيل، ونقل مصر الى اجواء ماقبل حرب حزيران التي سبقت الكارثة في العام 1967.
السيد نصر الله ساخط على حكومة مصر لأنها تراقب حدودها مع غزة، فماذا يعنى ان تقرر فتحها لمقاتلي حماس أوحزب الله ايا كانت جنسياتهم؟ يعني ببساطة خلق حالة من التوتر مع اسرائيل، من شأن تواصلها ان ينتج مقدمات للحرب. وفي داخل مصر فان الامر اعظم، لأن من شأن تحركات عناصر حزب الله، خلط الاوراق ودخول الاخوان المسلمون على الخط بوصفهم من اكثر المؤيدين لنصر الله، وهؤلاء متحفزون تاريخيا للاستيلاء على السلطة، وربما يمتلكون بعض مقوماتها من ناحية التنظيم والانتشار وشبكات الخدمات، بالاضافة الى العامل الاهم وهو سيطرة الفكرالمتشدد على المجتمع متمثلا ببعض المؤسسات الدينية، ما يمهد لهم الارضية المطلوبة، وليس بدون مغزى ان يتولى منتصر الزيات، محامي الجماعات الاسلامية، مهمة الدفاع عن المتهم شهاب.
وفي زحمة المواجهة، يجدر توجيه سؤال أجده مشروعا، هو هل تسمح تشكيلات
حزب الله الامنية لاي قوة لبنانية بان تنشط عسكريا في مناطق الحزب المحصنة او فيما يعرف بالمربعات الامنية أو ان تمس المنظومة الدفاعية له؟ والجواب بالطبع لا، لأننا نذكر جيدا كيف تعامل الحزب مع الحكومة اللبنانية حين قررت استبدال موظف كبير في مطار بيروت وإجراء تحقيق بخصوص شبكة اتصالات الحزب، ماذا كان قراره؟ احتلال العاصمة ووضعها على حافة الحرب الاهلية وإذلال خصومه السياسيين.
إذن كيف يتوقع نصر الله ان يتصرف المسؤولون في مصر حين يذهب بعيدا في تجاهل حقهم السيادي على ارضهم وحرصهم على إدامة حالة السلم مع إسرائيل، ليس حفاظا عليها وإنما على امن بلدهم، هو متمسك بسلاح الحزب حتى لو توفرت امكانات عودة مزارع شبعا سلما، بل حتى لو غادرها الاسرائيليون فعلا، هذا ما سبق ان صرح به كبار معاونيه، لان القوة هي التي تكفل له السيطرة على الوضع في لبنان والتحكم بمصيره وليس مواجهة إسرائيل. في رأيي إن لبنان لم يعد يتسع لطموح السيد وهو عازم على نشر نفوذه الى ابعد من دول الطوق، طالما يتوفر الترابط العضوي بينه وايران بحكم قناعته بان حزبه تابع لنظام ولاية الفقيه، فالعراق مثلا لا حدود له مع اسرائيل لكن لحزب الله وجود فيه بحجة مقاومة الاميركيين، وسبق ان اعتقل احد كوادره هناك، وهو يدعم جيش المهدي الذي يعيش قائده في ايران ويتلقى تعليماته من قيادتها.
إن حزب الله إذ يصر على التدخل في شؤون الدول العربية وتعريض امنها للخطر، إنما يغامر بشعبيته العربية التي تحققت له اثناء حرب تموز في العام 2006 على خلفية التقاليد الراسخة لدى غالبية العرب في ان يتفاعلوا مع الحدث دون ان يسألوا عن مسبباته، ان يتطلعوا الى من اصبح رمزا في ظروف معينة ويجعلوه فوق النقد والمساءلة حتى لو ادت قراراته الى الكوارث. وقد يبدو مفهوما ان يحظى نصر الله بتأييد الاخوان المسلمين في مصر نظرا للتشارك في الهدف النهائي فيما بينهم ( إقامة حكم إسلامي على طريقتهم )، ولكن الغريب ان يدافع عنه الناصريون لانهم لابد يعرفون كيف استطاع عبد الناصر ان يحجم جماعة الاخوان المسلمين،وأن يوظف المؤسسة الدينية في خدمة توجهاته، وهذا ما لم تنسه له الجماعة فتآمرت عليه وكان ما كان من إعدام سيد قطب. والمفارقة الثانية هي موقف اليساريين، ما الذي يجمعهم مع حزب الله ومثاله الاعلى النظام الايراني؟ هل غاب عن ذاكرتهم ما جرى من مآسي لحزب تودة (الشيوعي الايراني) على يد قادة الثورة؟ هل يتوقعوا ان يسمح لهم باي دور في ظل حكم يدعي الاسلام له منهاجا؟ الم يسمعوا بقرارات قاضي الثورة الاسلامية (خلخالي) الذي كان يصدر احكام الاعدام كلما ارتد طرفه، واعترف قبيل موته بانه ظلم الكثيرين؟ أم ان كل من يرفع شعار معاداة اسرائيل وامريكا، تغتفر كل ذنوبه؟
ان ما تقدم لايحجب حقيقة الظروف الاقتصادية القاهرة التي يعيشها المواطنون المصريون واستياءهم من ظواهر الفساد وتنامي طبقة فاحشة الثراء، الى جانب زيادة نسبة الفقراء وتراجع الامل لدى الشباب وهذه قد تكون مسببات لما يبدو من تأييد لحزب الله بين بعض الاوساط، لكن ذلك لا يعني تصويتا منهم لحرب جديدة يراد من مصر ان تتورط فيها وفق ما يمكن ان تؤول اليه شعارات نصر الله وتعليماته لانصاره. ولا خلاف في مسألة التعاطف مع فلسطينيي غزة، الذين يحتاجون رعاية مصرية من ناحية متطلباتهم الانسانية كالعلاج والغذاء وأوجه الحياة الكريمة التي لاتشوبها مذلة، باعتبار ان مصر هي منفذهم الى العالم حين تحاصرهم القوات الاسرائيلية، اقول هذا لما يبدومن ان حركة حماس قد قايضت أمن مواطنيها ومستقبلهم ببقائها في السلطة. والمجتمع الدولي مدعو لمساندة مصر في مهمتها، كي تنزع الذرائع من الباحثين عن امجاد في ظلال الفزع الفلسطيني والعربي.
هناك امر آخر له بالغ الاهمية، يتعلق بتهمة نشر التشيع في مصر، التي وجهت الى شبكة حزب الله، في رأيي ان المسألة بهذه الكيفية مرشحة لاختلاطات سلبية، فالمسؤولون المصريون غالبا ما يؤكدون بان شيعة مصر هم مواطنون مسالمون، كما سبق لمفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة ان تحدث بايجابية عن التشيع كمذهب يجوز التعبد به، اسوة بما كان قد ذهب اليه شيخ الازهر محمود شلتوت في الخمسينيات من القرن الماضي. والحقيقة ان افضل رد على تجاوزات حزب الله هو الحيلولة بينه وبين ما يأمله من الانفراد بتمثيل الشيعة والسيطرة على قرارهم، كما ان التشيع في مصر او غيرها موجود قبل نشأة هذا الحزب وقبل الثورة الاسلامية في ايران، بل هو قبل تشيع الدولة الايرانية ذاتها.
ويحق التساؤل، ما ذنب شيعة مصر والشيعة العراقيين اللاجئين اليها لكي يدفعوا ثمن طموحات نصر الله؟ لانعلم قد تقود التحقيقات الى ملابسات غير محسوبة ولكن الامل في ان لا تطغى السياسة،وفي نزاهة القضاء المصري.
من حق مصر ان تقول لا لحزب الله، لا لعودة الحرب، لا لانتعاش الاخوان المسلمين الذين اذا ما وصلوا الى السلطة، يمكن ان يعقدوا حلفا مع حماس، يستثير آلة الحرب الاسرائيلية، هذا اذا صدقت شعاراتهم ولم تكن نهايات آمالهم الوصول الى الحكم. الشعب المصري بالتأكيد يستحق السلم، ولكن ليس بالسلم وحده يتحقق الاستقرار، بل بالعدل وتكافؤ الفرص وتجنيب المواطنين متاعب رحلة البحث عن الرغيف، ان تلبية مطالب الناس المشروعة والمتواضعة الى حد ما، يكفل ايجاد مسافة مناسبة بينهم وبين اي إغراء بالمغامرة ضد أمن بلادهم.