ترتبط مهنة quot;الإعلامquot; لبعض من إمتهنها quot;بحدثquot; ما مفصلي دفعه إلى هذا المجال دون غيره، ولبعضهم الآخر كانت الصدفة هي الحدث، ولآخرين كانت صفة الدخلاء وصمة تميزهم عن غيرهم. لكلّ قصة تميزه عن غيره، ولبعضهم هوس عاطفي ولبعضهم الآخر أحلام، ولآخرين منفعة مادية أو أهداف سياسية أو حزبية أو فئوية... أي تبعية من كل النواحي. من هنا تجد إعلاميين أثرياء حد الإنفجار مقابل اخرين لا يجدون مقابل ما يكتبون سوى القليل ممّا لا يسد رمقًا أو جوعًا.
وبما اننا نشخصن الإعلام وأسباب دخوله، فإن حكاياتي ليست بتلك القصة الخارقة. لم أعلم منذ طفولتي انني سأصبح صحافية، لكنني وجدت في مرحلة ما من تلك الطفولة في مذيعة نشرة الاخبار ذكاء أدهشني. ظننت انها تستطيع وبكل سهولة حفظ كل ما تردده علينا، وهكذا كنت اجلس أمام المرآة متزينة بأحمر شفاه والدتي أردد درس التاريخ كما تفعله تلك المذيعة الخارقة.
لم يبلغني أحد من عائلتي حينها انني قد اصبح اعلامية.
في فترة المراهقة كان لـ quot;روايات عبيرquot; التي كانت تزودني بها احدى صديقاتي تأثيرها الكبير. والدتي بطبيعة الحال اعتبرت أن قراءة هكذا نوع من القصص العاطفية محرم، فكان قرار المنع. لكنني كنت قد أدمنتها، فلم أجد مخرجًا سوى بكتابة روايات مشابهة أقوم بعرضها على صديقتي _مزودي السري بتلك الروايات _ التي كانت تردد على مسامعي دائمًا انها اجمل من تلك التي نشتريها.
مرحلة ما قبل الانضمام إلى الجامعة كانت quot;كتابة مسرحية quot; للتغلب على الخجل. اردت ان اشارك في عمل مسرحي في المدرسة، لكن الاستاذ المشرف كان يقوم بإستثنائي دائمًا بحجة انني خجولة. حينها قررت أن افرض نفسي، وهكذا كتبت مسرحيتي الاولى، اعجب بها معلمي.. مهمشي الدائم، لكنها لم تبصر النور بسبب تضمنها الكثير من السياسة.
حينها لم يبلغني أحد انني قد اميل الى السياسة في حياتي المستقبلية.
حين قررت الدخول إلى الجامعة وقعت كما غيري في حيرة من أمري، فاي اختصاص سيكون حياتي المستقبلة. كنت قد استقريت على quot;علم النفسquot; قبل ان يقع نظري على اختصاص الإعلام.. الصحافة. وهكذا كان القرار النهائي، سأصبح صحافية سأكون كما لم يكن اي من الاعلاميين من قبلي، سأغير المفاهيم وساقلب الدنيا رأسًا على عقب.. لا بل اعتقدت في مرحلة ما انني سأغير العالم.
في الجامعة كنا ندرس الكثير مما لا ينفعنا والقليل القليل مما نحتاج إليه، كانت نظرتي quot;للمهنة الحلم quot; قد بدأت تتغير، وجدت في بعض من زملائي من لا يصلح ان يكون صحافيًا ومع ذلك تخرجوا لان المناهج واساليب التقييم الجامعية غير دقيقة وغير حاسمة. تخرجنا وشرعنا نبحث عن عمل، وكان الإحباط لدى كل منعطف، سواء في فترتي كمستكتبة، أو كموظفة بدوام جزئي أو بدوام كامل.
تعرضت للطرد للمرة الاولى في حياتي من وظيفتي quot;الجزئية quot;، بكيت كثيرا وشعرت بما يفوق الإهانة. لم اطرد لانني لم اقم بعملي، بل طردت لانني لم أقم بعملي وعمل غيري وعليه فإن الالتزام quot;بصفةquot; الوظيفة فقط دون quot;المهام quot; الاخرى التي لا علاقة لي بها كان سبب بطردي.
تحول الحلم الى وظيفة.. تستيقظ صباحا وتذهب إلى العمل وتقوم بما هو مطلوب منك ومن غيرك في إطار quot;الإستعباد quot; المتعارف عليه للموظفين.
لم اعد أريد ان أغير العالم، تحولت طاقتي كلها إلى محاولة إستيعاب الصدمات المتتالية، هل علي ان أتقبل من يقبض ثمن مقابلة، أو من يكتب لخدمة سياسي ما، أو من يشتريه سياسي ما.
الطائفيون، العنصريون، التابعون، الفوقيون، السفهاء، التافهون.. أيمكن ان تكون الصحافة مقززة الى هذا الحد... نعم يمكنها ان تكون هكذا وأكثر. فصفة السلطة الرابعة المفترضة لها خانعة مسيسة مسيرة قائمة على المحسوبيات والحسابات الخاصة حتى تحولت إلى مهنة من لا مهنة لهم .
لم يعد هناك من مجال للحلم في الصحافة.
بعيدًا عن الاحلام والعواطف المرتبطة بها، وإن بحثت جيدا بين إعلامي اليوم والأمس فستجد مسارًا جديدًا يتم إنتهاجه في إطار من quot; الظرافة المفترضة quot; القائمة على السخرية المجتزئة القائمة على ايصال رسالة واحدة فقط quot; اكره ذلك الطرف حد أو الحزب أو الجهة حد تحويل نفسي وكتاباتي إلى مادة قائمة على مصطلحات طفولية quot;.
فتجد ذلك الإعلامي المعروف باسلوبه quot;الجاد quot; يسير في ركب المصطلحات quot;الساخرة quot; -القائمة على تحوير الكلمة أو إضافة حرف لاخراجها عن معناها- لا لانه يجيد الكتابة الساخرة أو لانه يحاول ان يكتب بهذه الطريقة، وانما اصيب بعدوى quot;الإفلاسquot; الفكري المدعومة ببحبوحة التبعية. فتجده مشحونًا يحاول بشتى الطرق التعبير عما يختلج في صدره ولو على حساب صورته. فلا هي كتابة ساخرة ولا هي كتابة جادة، هي مجرد مزيج هجين مزعج.
في المقابل يختلط quot;الحابل بالنابل quot; حين يخرج على الجمهور أفواج المثقفين الذين يرصون كلمات لا يفهم احد ما المقصود منها، هم يفقهون كل شيء والبقية تافهون. من هنا ندخل الى quot; الطبقية quot; الاعلامية التي تصنف المرء وفق إسمه سواء اكان يستحق ان يكون في تلك المكانة ام لم يستحقها.
وما يميز الاعلام عن غيره، انه يمكن للاعلامي انتقاد من يشاء وشتم من يريد، وتصويب افكار فريق وتهميش من يشاء.. لكن لا يمكن لاي شخص انتقاده. فهذا تهجم غير مقبول، لا بل قذح وذم. وكأنه اتفاق سري بين كل من يعمل في هذا المجال يمنع انتقاد الاخر.. وكأن التوجه بالنقد البناء للاخر خطيئة لا يستحق المقدم عليها الرجم فحسب بلا الإتهام بالغيرة وقلة المهنية. مزعجة كلمة quot; المهنية quot; التي يرميها كل اعلامي على الاخر، مقرفة حد انعدامها لدى اغلبية من يعملون في هذا المجال.
كما في كل شي، فان كلمة واحدة هي الحد الفاصل.. الكرامة. بعضهم يمشي بركبها والبعض الاخر يعيش على هامشها.
وفي المحصلة فقدت الحلم كما غيري ممن حلموا، وجدوا أنفسهم وسط هذا الكم المهول من السفهاء... أولئك الذين لكل كلمة سعر ولكل موقف عقار.
ومع ذلك تبقى الكلمة... الكلمة التي تنسلخ عن كيان من يكتبها فتكون كتلة من المشاعر والايمان والقناعة. الكلمة التي يعشقها من يرى فيها حلمًا وامالاً واوطانًا تبنى..
ملاحظة: أطلق على الاعلام تسمية السلطة الرابعة، وبما ان السلطات مهما كان نوعها ومنذ الازل مرادف للفساد والمحسوبيات والهدر والعنصرية والطائفية... والقمع. وبما ان هذه السلطة quot;الرابعة quot; تم دمجها مع السلطات الثلاث، فإنها لم تعد تمتاز عنها بشيء. لذلك وبما ان طرد المتملقين والسفهاء واصحاب الاقلام المأجورة مستحيل عمليًا كونهم مرتبطين بسياسيين وزعماء وقادة أزليين.. فالأفضل أن يتم اطلاق تسمية جديدة على الإعلام لا علاقة لها بالسلطات.
وبما اننا نشخصن الإعلام وأسباب دخوله، فإن حكاياتي ليست بتلك القصة الخارقة. لم أعلم منذ طفولتي انني سأصبح صحافية، لكنني وجدت في مرحلة ما من تلك الطفولة في مذيعة نشرة الاخبار ذكاء أدهشني. ظننت انها تستطيع وبكل سهولة حفظ كل ما تردده علينا، وهكذا كنت اجلس أمام المرآة متزينة بأحمر شفاه والدتي أردد درس التاريخ كما تفعله تلك المذيعة الخارقة.
لم يبلغني أحد من عائلتي حينها انني قد اصبح اعلامية.
في فترة المراهقة كان لـ quot;روايات عبيرquot; التي كانت تزودني بها احدى صديقاتي تأثيرها الكبير. والدتي بطبيعة الحال اعتبرت أن قراءة هكذا نوع من القصص العاطفية محرم، فكان قرار المنع. لكنني كنت قد أدمنتها، فلم أجد مخرجًا سوى بكتابة روايات مشابهة أقوم بعرضها على صديقتي _مزودي السري بتلك الروايات _ التي كانت تردد على مسامعي دائمًا انها اجمل من تلك التي نشتريها.
مرحلة ما قبل الانضمام إلى الجامعة كانت quot;كتابة مسرحية quot; للتغلب على الخجل. اردت ان اشارك في عمل مسرحي في المدرسة، لكن الاستاذ المشرف كان يقوم بإستثنائي دائمًا بحجة انني خجولة. حينها قررت أن افرض نفسي، وهكذا كتبت مسرحيتي الاولى، اعجب بها معلمي.. مهمشي الدائم، لكنها لم تبصر النور بسبب تضمنها الكثير من السياسة.
حينها لم يبلغني أحد انني قد اميل الى السياسة في حياتي المستقبلية.
حين قررت الدخول إلى الجامعة وقعت كما غيري في حيرة من أمري، فاي اختصاص سيكون حياتي المستقبلة. كنت قد استقريت على quot;علم النفسquot; قبل ان يقع نظري على اختصاص الإعلام.. الصحافة. وهكذا كان القرار النهائي، سأصبح صحافية سأكون كما لم يكن اي من الاعلاميين من قبلي، سأغير المفاهيم وساقلب الدنيا رأسًا على عقب.. لا بل اعتقدت في مرحلة ما انني سأغير العالم.
في الجامعة كنا ندرس الكثير مما لا ينفعنا والقليل القليل مما نحتاج إليه، كانت نظرتي quot;للمهنة الحلم quot; قد بدأت تتغير، وجدت في بعض من زملائي من لا يصلح ان يكون صحافيًا ومع ذلك تخرجوا لان المناهج واساليب التقييم الجامعية غير دقيقة وغير حاسمة. تخرجنا وشرعنا نبحث عن عمل، وكان الإحباط لدى كل منعطف، سواء في فترتي كمستكتبة، أو كموظفة بدوام جزئي أو بدوام كامل.
تعرضت للطرد للمرة الاولى في حياتي من وظيفتي quot;الجزئية quot;، بكيت كثيرا وشعرت بما يفوق الإهانة. لم اطرد لانني لم اقم بعملي، بل طردت لانني لم أقم بعملي وعمل غيري وعليه فإن الالتزام quot;بصفةquot; الوظيفة فقط دون quot;المهام quot; الاخرى التي لا علاقة لي بها كان سبب بطردي.
تحول الحلم الى وظيفة.. تستيقظ صباحا وتذهب إلى العمل وتقوم بما هو مطلوب منك ومن غيرك في إطار quot;الإستعباد quot; المتعارف عليه للموظفين.
لم اعد أريد ان أغير العالم، تحولت طاقتي كلها إلى محاولة إستيعاب الصدمات المتتالية، هل علي ان أتقبل من يقبض ثمن مقابلة، أو من يكتب لخدمة سياسي ما، أو من يشتريه سياسي ما.
الطائفيون، العنصريون، التابعون، الفوقيون، السفهاء، التافهون.. أيمكن ان تكون الصحافة مقززة الى هذا الحد... نعم يمكنها ان تكون هكذا وأكثر. فصفة السلطة الرابعة المفترضة لها خانعة مسيسة مسيرة قائمة على المحسوبيات والحسابات الخاصة حتى تحولت إلى مهنة من لا مهنة لهم .
لم يعد هناك من مجال للحلم في الصحافة.
بعيدًا عن الاحلام والعواطف المرتبطة بها، وإن بحثت جيدا بين إعلامي اليوم والأمس فستجد مسارًا جديدًا يتم إنتهاجه في إطار من quot; الظرافة المفترضة quot; القائمة على السخرية المجتزئة القائمة على ايصال رسالة واحدة فقط quot; اكره ذلك الطرف حد أو الحزب أو الجهة حد تحويل نفسي وكتاباتي إلى مادة قائمة على مصطلحات طفولية quot;.
فتجد ذلك الإعلامي المعروف باسلوبه quot;الجاد quot; يسير في ركب المصطلحات quot;الساخرة quot; -القائمة على تحوير الكلمة أو إضافة حرف لاخراجها عن معناها- لا لانه يجيد الكتابة الساخرة أو لانه يحاول ان يكتب بهذه الطريقة، وانما اصيب بعدوى quot;الإفلاسquot; الفكري المدعومة ببحبوحة التبعية. فتجده مشحونًا يحاول بشتى الطرق التعبير عما يختلج في صدره ولو على حساب صورته. فلا هي كتابة ساخرة ولا هي كتابة جادة، هي مجرد مزيج هجين مزعج.
في المقابل يختلط quot;الحابل بالنابل quot; حين يخرج على الجمهور أفواج المثقفين الذين يرصون كلمات لا يفهم احد ما المقصود منها، هم يفقهون كل شيء والبقية تافهون. من هنا ندخل الى quot; الطبقية quot; الاعلامية التي تصنف المرء وفق إسمه سواء اكان يستحق ان يكون في تلك المكانة ام لم يستحقها.
وما يميز الاعلام عن غيره، انه يمكن للاعلامي انتقاد من يشاء وشتم من يريد، وتصويب افكار فريق وتهميش من يشاء.. لكن لا يمكن لاي شخص انتقاده. فهذا تهجم غير مقبول، لا بل قذح وذم. وكأنه اتفاق سري بين كل من يعمل في هذا المجال يمنع انتقاد الاخر.. وكأن التوجه بالنقد البناء للاخر خطيئة لا يستحق المقدم عليها الرجم فحسب بلا الإتهام بالغيرة وقلة المهنية. مزعجة كلمة quot; المهنية quot; التي يرميها كل اعلامي على الاخر، مقرفة حد انعدامها لدى اغلبية من يعملون في هذا المجال.
كما في كل شي، فان كلمة واحدة هي الحد الفاصل.. الكرامة. بعضهم يمشي بركبها والبعض الاخر يعيش على هامشها.
وفي المحصلة فقدت الحلم كما غيري ممن حلموا، وجدوا أنفسهم وسط هذا الكم المهول من السفهاء... أولئك الذين لكل كلمة سعر ولكل موقف عقار.
ومع ذلك تبقى الكلمة... الكلمة التي تنسلخ عن كيان من يكتبها فتكون كتلة من المشاعر والايمان والقناعة. الكلمة التي يعشقها من يرى فيها حلمًا وامالاً واوطانًا تبنى..
ملاحظة: أطلق على الاعلام تسمية السلطة الرابعة، وبما ان السلطات مهما كان نوعها ومنذ الازل مرادف للفساد والمحسوبيات والهدر والعنصرية والطائفية... والقمع. وبما ان هذه السلطة quot;الرابعة quot; تم دمجها مع السلطات الثلاث، فإنها لم تعد تمتاز عنها بشيء. لذلك وبما ان طرد المتملقين والسفهاء واصحاب الاقلام المأجورة مستحيل عمليًا كونهم مرتبطين بسياسيين وزعماء وقادة أزليين.. فالأفضل أن يتم اطلاق تسمية جديدة على الإعلام لا علاقة لها بالسلطات.
التعليقات