هل يوجد حقاً مايسمى بالطب النبوى؟، الإجابة وبمنتهى الوضوح وراحة الضمير وبدون أن أتهم بإنكار ماهو معلوم من الدين بالضرورة...لا يوجد مايسمى بالطب النبوى، بل يوجد مايسمى بالطب الذى مورس فى عصر النبى، والفرق كبير وشاسع، وخلط المصطلحين هو أكبر عملية تجارة بالدين تمارس فى مصر والعالم العربى، فالحجامة وبول الإبل والعلاج بالعسل وحبة البركة والبردقوش والقطرة القرآنية...إلى آخر كل هذه الممارسات التى تروج وتجلب لأصحابها الملايين تحت شعار الطب النبوى، ماهى إلا ممارسات بنت زمانها، وقد تجاوزها التاريخ عندما وضع أساس ومنهج الطب الحديث المبنى على الدليل، وأكبر إساءة للرسول هى الإصرار على أن تلك الممارسات هى الطب الصحيح، لأن الطب الحديث علم نسبى يقبل التطور والتكذيب، بل إن النسبية وقابلية التخطئ والتكذيب هى من صميم منهجه، لكن ماينسب إلى الدين فهو مطلق، وفشل ممارسة طبية تنسب زوراً إلى الرسول ستنطوى بالتالى على وتشير إلى فشل دينى وليس فشلاً طبياً فقط، وهذه هى الخطورة، وللحفاظ على العلم والدين على السواء لابد أن نبتعد عن وصف هذه الممارسات بالطب النبوى، ونزيل عنها قداسة الدين، ونلبسها رداء الصواب والخطأ وليس رداء الحلال والحرام.
الرسول لم يكن طبيباً، وليس هذا إنتقاصاً من قدسية الرسول، والرسول نصح الكثير من المرضى بالذهاب إلى المتخصصين فى الطب فى هذا الزمن لكى يعالجوا بطريقة صحيحة، والمفاهيم التى يعتمد عليها المروجون للطب النبوى مفاهيم عفا عليها الزمن وصارت فى متحف التاريخ، ومن ضمن هذه المفاهيم على سبيل المثال مفهوم الدم الفاسد الذى تعتمد عليه الحجامة، فبعد أن فهمنا تركيب وتكوين الدم، عرفنا أن نقطة الدم من أى جزء فى الجسم هى ملخص لحالة الدم كله، وأن المرض لايعزى إلى دم فاسد ودم سليم، ومفهوم آخر أن هذا العشب الفلانى لعلاج هذا العضو العلانى!!، وهذه أسطورة وهمية صارت من أنتيكات الطب، فلم يعد يوجد دواء لعلاج عضو على بعضه بهذه الطريقة، فنحن نستخدم دواء معيناً لعلاج وإصلاح خلل أو إضطراب فسيولوجى محدد، ومن الممكن أن يكون فى العضو الواحد عدة إضطرابات مختلفة فيتناول المريض لإصلاحها عدة أدوية مختلفة المنبت والأصل والتركيب.
إن من يريدون تحويل الرسول لطبيب ومهندس وخبير زراعى وجيولوجى....الخ، يسيئون لكيان الرسول ويخدشون قدسيته وينتقصون من جلاله ومقامه الرفيع، والأهم أنهم يلصقون به وظائف ليست من صميم رسالته التى جوهرها التبليغ ووضع الخطوط الإيمانية العريضة لا التفاصيل الحياتية الدنيوية الصغيرة، ومن يعترض على رأى نبوى فى تفصيلة دنيوية علمية ليس كافراً أو ملحداً أو مارقاً وخارجاً على صحيح الدين، وإلا لحاكمنا الصحابة الذين كانوا يسألون النبى، أهو الرأى أم الوحى؟، وحاسبنا عمر بن الخطاب الذى راجعه فى أمور كثيرة، بل وراجعنا الرسول نفسه الذى أعلن عن الخطأ فى مشورة تأبير النخل وقولته الشهيرة أنتم أعلم بأمور دنياكم!!.
الرسول بشر، وإعترافه ببشريته هو سر عظمته وتفرده.