الحلقة الأولى
(2)تفاقم الأزمة
مقدمة
كنا قد عالجنا في الحلقة الأولى quot; تشخيص الأزمة quot; التي تعصف اليوم بالجاليات الإسلامية في العالم.. هنا في الحلقة الثانية، أود أن أحدد موضوع quot; تفاقم الأزمة quot;، والموضوع لابد أن يستدعي اهتمام كل الجاليات، وخصوصا في دول غربي أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا ونيوزيلندا.. للمخاطر التي قد تنتج عن ذلك.. إن هناك نماذج كثيرة للدراسة، ولكن ينبغي تأسيس ثقافة جديدة لكل المغتربين سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، يتعاملوا من خلالها مع الدول والمجتمعات التي يتعاملون معها.. اذكر قبل أكثر من ثلاثين سنة، كان الغرب يتقبلنا بيسر وانفتاح وبكل مرونة وتفاعل، لكنه اليوم بات ينظر إلينا نظرة مختلفة. لماذا؟ علينا ان نبحث عن الأسباب الجوهرية.. ولا اعتقد أن الاضطهاد يمارس في كل مكان ضدنا، بل ثمة حالات فردية هنا، او هناك يلحق بها تضخم في الاتهامات. دعونا نكمل حلقتنا عن quot; الموضوع quot;:
انتقال التخّلف وانعدام الاندماج
لقد منحت في مثل هذه البلاد كل الحريات التي لم تجد عشر معشارها في بلادك، فما الذي يجعلك مستغلا للحريات كي تفعل ما تشاء؟ إذا كنت قد أخفقت في بلادك بتكريس ما تريد أن يكون دينيا شرعيا، فهل لك الحق بنقل هذا الأسلوب إلى مهجرك الذي لا يعترف إلا بالقانون المدني؟ وتحاول خلق متاعب واضطرابات من اجل ما تؤمن به أنت وحدك؟ إن العالم غير مستعد أبدا أن تنقل تجاربك التي عشتها في أوطانك الأولى إلى مهجرك لما وراء البحار، وانك قد وقعت وأقسمت بالمحافظة على بلادك التي اخترتها أنت قبل أن تختارك هي. انك لم تأت إلى هذا المكان من اجل أن تدّمر ما تعب عليه الآخرون عقودا طويلة من السنين! ولا يمكنك أن تعيش في قلب مجتمعات غريبة عليك إن لم تحاول التعرف عليها، وإجادة اللغة التي يتكلم بها الناس..
إن اندماجك في مجتمعات أخرى لا يعني انك فقدت هويتك وانتماءك، ولكن ذلك سيفتقده أولادك وأحفادك مع مرور الزمن ليندمجوا بالرغم منك.. ومهما حاولت التشبّث إن تبقى أسير تربيتك الأولى وثقافتك وعاداتك وتقاليدك.. فان الأجيال القادمة سوف لا تعتبرك الا طارئا وعليك ان تضمحل وتزول! وبالقدر نفسه، ستكون مجتمعاتك الأولى ومواطنك الأصلية قد تبدلت وتغيرّت هي الأخرى.. فأنت في حالة رفض من هنا وهناك معا! وعدا ذلك، فان كل الممارسات التي نشهدها مخالفة للأنظمة والتعليمات في المهاجر هي في عداد النفاق الأخلاقي، أو أنها مندفعة من خلال ارتباطات مع جمعيات وأحزاب ودول معينة في عالمنا الإسلامي، ولأهداف بائسة.

صراع التناقضات
ان اغلب المسلمين القادمين من عالمهم إلى هذه المهاجر يعتبرونها بلدانا ذات مجتمعات إباحية، ويستوجب أن تتحصّن المرأة المسلمة فيها.. المشكلة، أن اغلب المجتمعات الحرة تتمتع بالانفتاح والحريات ضمن إطار القانون، ولكنها متنوعة الثقافات وتعدديتها. إن هناك سوء فهم حول اغلب هذه المجتمعات، ومعنى الإباحية فيها! صحيح أن ثمة مشاكل كبيرة تعاني منها هذه المجتمعات كأية مجتمعات أخرى، ومن حق أي أسرة مهاجرة أن تحافظ على تقاليدها وعاداتها، وان تخشى على أولادها من المخدرات، ومن سوء العلاقات وفوضى القيم.. الخ، ولكن الإفراط في العزلة، والتحسس من كل الحياة التي وصفها أحدهم أنها quot; رجس من عمل الشيطان quot;! هنا، يبدأ رد الفعل على من يريد العزلة.. ومن يجعل حتى الطفلة الصغيرة التي لا تتجاوز الخمس سنوات من العمر تتحجّب وهي بريئة تماما، عندما تشعر أنها استثناء في مدرستها، فهي تقع هنا بين سلطة أهلها وبين ثقافة المجتمع الذي تعيش فيه! هنا، هي التي تعزل نفسها قبل أن يعزلها، أو يضطهدها الآخرون.. انها هنا تشعر أن اضطهادا يمارس ضدها، ولكنها هي التي منحت الفرصة للآخرين كي يمارسوا عزلتهم ضدها! وهذا ما ينتقل حتى إلى النسوة سواء كن عازبات، أم متزوجات، إذ غدا حجابهن، هوية للعزلة، وهو يقف عائقا أمام توظفهن، وأمام إبداعهن، اذ انه غدا رمز سياسي للواتي تجدهن يمشين في الشارع، أو السوق وحدها، أم مع أولادها، ولكن غدا اليوم احد الأسباب في ممارسة للاضطهاد ضدهن! والمشكلة تتضاعف لمن يتزمت ويغالي كثيرا، خصوصا بعد أن أصبحت الأزياء النسوية والرجالية لدى المسلمين مجرد رموزا سياسية وليست فولكلوريات اجتماعية.
اختراقات ايديولوجية
لم تنتج التناقضات أمثلة ونماذجا فردية لأشخاص من هنا أو هناك.. بل اتخذت لها طابع التنظيم الاجتماعي، أو السياسي وخصوصا في بلدان غربي أوروبا، وتزحف اليوم على كل العالم الجديد في أمريكا الشمالية واستراليا ونيوزيلندا جملة من القيم ( التي توصف بـ المشوّهة ) على أيدي المهاجرين المسلمين الذين يرفضون الاعتراف بالمجتمعات التي آوتهم وأنقذتهم.. وثمة تدخلات إيديولوجية سافرة من بلدان إسلامية أو حركات وقوى وجماعات لتنفيذ أهداف مرسومة.. لقد ولدت خلال السنوات الخمس الأخيرة حالات لم تكن موجودة سابقا، فمثلا تحّولت التظاهرات من إبداء وجهات نظر سياسية ومعارضة إلى مسيرات لعرض الطقوس الصعبة والغريبة في شوارع هذه العاصمة الغربية أو تلك! وغدت المساجد والحسينيات ( التي تنفق عليها الدول المضيفة ) مراكز لتجمعات سياسية معارضة، لا مراكز عبادة وحياة اجتماعية وثقافية.. وأصبحت بعض المناطق تكتظ بأبناء الجاليات الإسلامية من اجل أهداف غير واضحة.. ومن اغرب ما سمعت أن عمارات سكنية كاملة لا يسكنها إلا أبناء جالية إسلامية ومن مذهب محددّ!
ما الذي اريد قوله؟
هذه quot; المشكلات quot;، هي انعكاس فاضح للتخلف الذي يسود عالمنا الإسلامي، ولم يكن احد بمسؤول عنها، إلا أبناء الجاليات أنفسهم.. إنهم وحدهم الذين يتحملون نتائج ما تسفر إليه أعمالهم وتوجهاتهم.. انهم الذين بدأوا بخلق المشكلات في مجتمعات غير مجتمعاتهم، بل وهم يتهمون تلك المجتمعات بالعنصرية واضطهادهم من دون أن يدركوا أن أي فعل يولد ردود فعل عليه تعاكسه.. إنهم مسؤولون كونهم اختاروا أن يكونوا مواطنين في دول أخرى من دون أن يدركوا هول التناقضات التي يحملونها.. إن المجتمعات المضيفّة لا يهمها من الإنسان إلا انتاجه
وان يحافظ على الأمن والنظافة وان يراعي القانون من دون خلق مشكلات تافهة، ومن دون أن يكون أداة للآخرين في تشويه الحياة الحديثة، أو يكون مخربا للنظام المتقدم الذي تعبت من اجله الأجيال.. إن مثل هذه quot; المجتمعات quot; التي قبلت وحمت وساعدت كل من قدم إليها، ستعلن رفضها التام لكل من تسّول له نفسه الإساءة إليها.. إن مقالتي بمثابة جرس إنذار لصالح جالياتنا قاطبة، ومستقبل اجيالها.. نحن بحاجة الى دراسات وقراءات مختلفة لكشف الأخطاء ومعالجتها، قبل أن تأخذ منحى مضادا لتنعكس ضدنا.