(2/2)

الائتلاف الديمقراطي يعلن مشروعه السياسي

جوابا على التعليق الذي كتبه السيد أحمد العضاض الذي ورد في الجزء الأول من هذا الموضوع مستفسرا عن الأحزاب و الحركات التي شاركت في صياغة مسودة البرنامج ننقلها له كما وردت في مقدمة البرنامج هي: التحالف الوطني الديمقراطي، حركة المجتمع الديمقراطي، جبهة المشروع الوطني العراقي، تجمع الديمقراطيين العراقيين، الكتلة المستقلة، الحزب الليبرالي/ الليبرالي الديمقراطي/ العراقي، منظمة العمل الديمقراطي الاجتماعي و شخصيات مستقلة.
من الضروري التنويه عدا ذلك إلى أن المشروع المطروح هو مسودة مشروع كما وردني من أحد الأصدقاء رغم إن الوثيقة لم تشر إلى أن ما لدينا هنا هي مسودة و أشير فقط إلى أنها quot; البرنامج quot; و ليس مسودة البرنامج، بذلك تكون الوثيقة مطروحة للمناقشة حتى تصل إلى الصيغة النهائية و إنها خاضعة للتعديل، لذا فإننا نأمل أن يصب جهدنا في هذا الاتجاه خصوصا و أن المرتكزات الأساسية الواردة كما اشرنا تشكل أساسا لتجاوز الأزمة العراقية التي وصلت الى طريق مسدود و تعكس إدراك أوساط من النخبة السياسية العراقية لضرورة طرح مشروع سياسي يتجاوز ما مطروح حاليا و يتسم بالشمول و إدراك استحالة تجزئة الحل .
أما عن الشخصيات فلا اعرف منها سوى اسمين وردت شفاها و لم ترد في وثيقة رسمية لذا امتنع عن ذكرها كما أنني لا اعرف الكثير عن هذه الأحزاب و الحركات المشاركة في الائتلاف و برامجها الخاصة ـ سيلاحظ القارئ أن أسماء الأحزاب متقاربة و إنها تدعو إلى أهداف متشابهة و يتوقع من بعضها على الأقل أن يشكل حزبا واحدا ـ. هذا الأمر أي التعامل مع الوثيقة كمُعطى وحيد دون معرفة خلفية الحركات و الاحزاب و الافراد المشاركين لا يخلو من ايجابية، خصوصا و إنه يجعلنا نركز على ما ينص عليه البرنامج أي المحتوى الفكري.
لست داعية من دعاة هذا التحالف كما انني لست منتميا إليه، إلا أن المعلومة التي وصلتني مؤخرا تشير إلى أن الشخصيات الرئيسية في هذه الحركات السياسية المتحاورة على طرح هذا البرنامج تنتمي إلى مختلف الأديان و القوميات و الطوائف العراقية. لا شك أن هذا الأمر يحسب لصالحها حيث إنها، كما ورد في البرنامج، تسعى إلى تجاوز انتماءاتها الفرعية و التوصل إلى أن مصير العراقيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية و الدينية و القومية هو مصير واحد و أن هذا المصير يمر بمشتركات تتجاوز الهويات الفرعية.

قضية المياه أم تقاسم المياه
في سعيه لتطوير مسودة مشروعه المقترحة ورد في البرنامج إنه سيعمل quot;على ضوء دراسات وخطط يضعها المختصون في كل ميدان من ميادين القضايا بحسب تنوعها، الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية والأمنية والخدمية وغيرها، ذلك على الصعيدين التشريعي والتنفيذي. وسيعمل laquo;الائتلاف الديمقراطيraquo; على تهيئة ما أمكن من هذه الدراسات، بحسب إمكاناته، وبالتعاون مع أهل الاختصاص في داخل وخارج العراق quot;. (البرنامج ـ المقدمة)
و من أجل المشاركة في إغناءه نرى أن يتضمن مشروع البرنامج ليس قضية المياه بمعناها العام و انما تقاسم مصادر المياه على وجه التحديد مع كل الجهات الداخلية و الخارجية التي تتحكم بكمية الوارد منه إلى الأراضي العراقية (تركيا، سوريا و إيران) و الى الوسط و الجنوب في الحالات التي يكون فيها التحكم بهذه المصادر بيد سلطة اقليم كردستان كما بالنسبة لنهر ديالى الذي يتحكم به سد دربندخان و ربما سدود أخرى قيد الإنجاز.
لقد تم للأسف تناول هذه القضية الحساسة بعمومية من قبل بعض الأحزاب ذات الخبرة في هذا المجال في صياغتها لبرامجها بحيث إنها أشارت إلى قضية تطوير الزراعة و قضية المياه دون أن تشير إلى ضرورة إيجاد معايير لتقاسم المياه و دون أن تدعو إلى تخصيص جزء من جهد السياسة الخارجية للتعامل مع الدول التي تتحكم بمياهنا و خصوصا تركيا.
هذه القضية لا يمكن أن تكون إلا في مصاف الأولويات وهي وثيقة الصلة بأولويات أخرى لم يختلف أحدٌ عليها كمكافحة الإرهاب مثلا، فقد غذى انحسار المساحات المزروعة و شيوع البطالة في الريف الإرهابَ و الجريمةَ، هذا عدا أن الجفاف قد تسبب بزوال مساحات مائية (الأهوار) و مساحات خضراء واسعة مما ترتب عليه تدهور بيئي غير مسبوق (مسه البرنامج مسا خفيفا و عموميا).
و بسبب التغييرات المناخية، ارتفاع حرارة الأرض و الجفاف الذي يسود المنطقة من جهة و توفر إمكانيات تقنية لم تكن متاحة من قبل في إنشاء السدود و تحويل مجرى الأنهار من جهة أخرى فإن من الممكن نظريا قطع مصادر المياه عن العراق من قبل الدول التي ينبع منها أو التي يمر بها، و تتحول قضية المياه عالميا إلى واحدة من القضايا الستراتيجية المرتبطة الآن أكثر من أي وقت مضى بالجغرافية السياسية (جيو بوليتك) و قد أدركت دولٌ في المنطقة تسعى الى نفوذ ستراتيجي أهمية هذه النقطة و قدرتها على التحكم بمصادر بلدان و ممارسة الضغط عليها، بينما مارست الدولة العراقية سياسة مائية غير مسئولة أهدرت كميات هائلة من المياه في الاستخدام اللاعقلاني.
بالأمس فقط انتهت اعمال المؤتمر السادس لمنظمة فتح في رام الله و قد ادرج المتحدثون و منهم محمود عباس قضية تقاسم المياه ضمن النقاط الاساسية ضمن تسوية شاملة.

قضية المياه، المناطقية و المشروع الوطني
عكست وسائل الإعلام الالكترونية و الورقية مؤخرا مزيدا من الإهتمام بقضية المياه و خصوصا في الفرات و الأنهار التي تصب في دجلة أو شط العرب، حيث تواردت الأخبار أن إيران قد اغلقتها بالكامل، فكُتبت عن ذلك العشرات من المقالات رغم أن القضية و بوادرها الكارثية أقدم من ذلك بكثير.
أثار هذا قضية المناطقية المستفحلة بما في ذلك التغاضي الصارخ عن المصير المشترك للعراقيين جميعا و تضامنهم، عدم الاكتراث لمصائر الآخرين غذته الأحزاب الطائفية و القومية الانعزالية لتمرير مشاريعها السياسية غير المكترثة لمصيرنا المشترك. فنهر ديالى الذي يمر بمحافظة واحدة سميت بإسمه لا يتوفر فيه حاليا سوى ما يقارب من العشرين بالمائة من المياه التي كانت تمر بحوضه سنويا، و قد تدنت نوعية المياه بحيث أصبحت لا تصلح للاستهلاك البشري و الحيواني و لا للزراعة فكمية كبيرة من هذه المياه تأتي من مياه الصرف الصحي للقرى و البلدات التي تقع على حوض النهر التي لا تتوفر لجميعها تقريبا شبكة صرف صحي أو بعض المدن الكبيرة التي تمتلك شبكات صرف بدائية و قديمة لا ترتقي الى المعيار المقبول و لا تستطيع اعادة تأهيل المياه.
و بما أن مياه نهر ديالى تصب في دجلة فإننا سنرى ان الطبيعة نفسها ترفض التقسيمات المناطقية و تشيرنا إلى المصير المشترك، و سيكون المزيد من المياه ذات النوعية الجيدة من مصادرها ذات اثر على كامل شبكة الأنهار و نوعية المياه في كل مكان تقريبا و العكس بالعكس، الشيء نفسه يمكن أن يقال عن انهار أخرى ترفد نهر دجلة تعرضت إلى انحسار كمية مياهها و تدني نوعيته بسبب الجفاف و عوامل أخرى مثل أنهار العظيم و الزابين الأعلى و الأسفل. عملية السيطرة على المياه بواسطة السدود المقامة من الضروري ان تكون بمشاركة الحكومة المركزية و أن يكون هناك تنسيق مع الجهات التي تدير السدود داخل العراق و ضرورة التعامل بشفافية في هذا الموضوع مع كافة الجهات المعنية و وفق المعايير الدولية و من الضروري اعلان احتياطاتنا من المياه و خطط عقلانية و رشيدة لاستغلالها.
المشكلة قديمة و تعود لزمن النظام السابق، و مرتبطة بتدني هيبة العراق الدولية بعد الحروب الخاسرة التي خاضها. بعد التغيير لم تعمل القوى السياسية البديلة على إصلاح الأمر و العمل على إعادة دور العراق الإقليمي و انتهاج سياسية إقليمية تحظى بالقبول و الاحترام، و بذلك اتخذت المشكلة أبعادا كارثية في الفترة الأخيرة و لم نسمع سوى أصوات قليلة و غير فاعلة تتناول قضايا المياه أو تجد لها حلولا.
إن انحسار المياه في ديالى قد تسبب في هلاك العديد من بساتين البرتقال و الرمان و النخيل و التي استغرقت إقامتها أعمارا كاملة لأجيال كثيرة. إن السبب في تقلص كميات المياه يعود إلى حالة الجفاف و انحسار الأمطار و لكنه ليس السبب الوحيد و ما جرى هنا مرشح أن يتكرر في أكثر من منطقة .
بهذا نجد أنفسنا أمام سؤال حول دور وزارة الري في تحديد حجم المشكلة و العلاج المقترح. اننا ازاء تجاهل ملفت للنظر لمشكلة تهدد و جود وطراز حياة الأغلبية الساحقة من العراقيين الذين عرف بلدهم بإسم وادي الرافدين منذ القدم و أن المياه فيه و نوعيتها تتجاوز النفط اهمية على المدى البعيد و المنظور.
كان وضوح الميول المناطقية و إهمال وحدة المصير الوطني تحت شعار: لا يهمني ما يجري لجاري طالما انا في أمان، و الذي غذته الأنظمة الشمولية، و عززته الأحزاب الطائفية هو ما يجب أن يسعى أي حزب او تجمع سياسي الى معالجته كمرض خطير.

توزيع الموارد المالية على الإقليم و المحافظات توزيعا عادلا
هذه الفقرة أعلاه مقتبسة من البرنامج و تدعو إلى توزيع الموارد المالية توزيعا عادلا و هذا يعني ضمنا أن السلطة المركزية هي التي ستكون مسئولة عن ذلك و إلا من يقوم بالتوزيع غيرها؟ و بالنظر لان البرنامج قد أقر بأن العراق دولة اتحادية و بالنظر لإقراره بأن إقليم كردستان له الحق في وضعٍ خاص وهو من الأمور التي لا غبار عليها من حيث المبدأ فإننا نأمل أن نسمع جواب واضعي مسودة المشروع عن السؤال التالي: ماذا عن الفدرالية التي تقوم على أساس طائفي التي تدعو لها بعض الأطراف صراحة فيما تعفي أطراف أخرى نفسها من الإجابة عنه؟ فإذا ما كانت المسودة ترفض تقسيم العراق على أسس طائفية فإن من المتوقع أن نرى إجابة واضحة و صريحة بهذا الصدد؟ هل نحن إزاء فدراليتين يتمتع فيها إقليم كردستان بوضع خاص بحكم أن الأكراد امة من الأمم فيما يكون الجزء المتبقي من العراق فدرالية واحدة؟
يتفرغ عن هذا سؤالٌ آخر عن سلطة المحافظات وعلاقتها بالسلطة المركزية وحدود هذه العلاقة، ثم هل أن محافظات العراق خارج منطقة كردستان مؤهلة فعلا لوضعها الحالي و لهذه الدرجة من الاستقلالية؟ هل توجد علاقة بين الفوضى الحالية الفساد وتضارب الاختصاصات من جهة و الصلاحيات الممنوحة للسلطات المحلية من جهة أخرى؟ لاشك أن الإقرار المبدئي بعدم جدوى نظام الحكم المركزي و استبداله بقدر من اللامركزية لا يجيب على سؤال آخر يتعلق بالتوقيتات و فيما اذا كان هذا (الصواب) قابلا للتطبيق في هذا الزمان و المكان أي هل اننا حقا ناضجون لمجموعة سلطات محلية ذات سلطات واسعة؟ فلا وجود لصواب مجرد و مطلق .
نحتاج إلى إجابات حول مسألة معايير توزيع الثروات الإستخراجية حيث تقوم الحكومة المركزية حتى الآن بالدور الأساس في استخراجها و نحتاج إلى تبيان الفرق بينها وبين الثروات التي تتحقق في الإقليم و في المحافظات من تلك التي تنتج عن المشاريع الخاصة و الاستثمارات المحلية. توجد تجارب أوربية جديرة بالدراسة مع عدم إهمال فارق جوهري، إن الفدراليات الأوربية قد نشأت من الأسفل أي أن اغلب الدول التي تعمل بالنظام الفدرالي لم تكن موجودة حتى وقت قريب و تشكلت من اتحاد مجموعات من الأقاليم من التي كانت أصلا قد أسست قوانينها و أنظمتها السياسية و ترسخ لديها المجتمع المدني و حافظت على جزء كبير من هذه الحقوق مقابل تنازلها عن بعض حقوق أخرى للسلطة المركزية، فألمانيا الحالية لم تكن موجودة قبل عام 1871 و انما كانت هناك مجموعة من الدويلات والولايات رسخت خلالها طريقة لحكم نفسها على اسس من الديمقراطية و المجتمع المدني الراسخ في الوقت الذي نفتقر إلى مثل هذا العمق التاريخي في الادارة الذاتية و خرجنا توا من حكم مركزي مطلق لم يترك فرصة لنمو قيادات محلية و تقاليد ديمقراطية تداولية ما سهل نشوء سلطات محلية خاضعة للسياسة الحزبية اقرب الى المافيات منها الى سلطات محلية.
يعني مصطلح (per capita ) اللاتيني التوزيع على الرأس أو الفرد و هو أحد المعايير المعتمدة في التوزيع و الإحصاءات عموما. تحديد حصة الفرد مضروبا في عدد سكان محافظة ما يحدد حصتها من الوارد المالي بعد اقتطاع نفقات السلطة المركزية التي تتولى مهمات ذات طابع اتحادي عام مثل الدفاع و نفقات أخرى كنفقات التمثيل الخارجي كما يفترض، لاشك إن هذا الأساس لا يتعارض مع تخصيص نسب إضافية للمحافظات أو المناطق المنتجة لثروات باطن الأرض بسبب تحملها أعباء الإنتاج و ربما بعض التأثيرات السلبية مثل التلوث، كذلك تحديد نسبة تُخَصص وفق دراسات دقيقة لحاجة بعض المحافظات التي عانت من تخلف شديد في مجال الخدمات العامة.

السياسة الخارجية
في مجال السياسة الخارجية أشار البرنامج الى ضرورة دمج العراق بالمجتمع الدولي و هذا من الأمور بالغة الأهمية، فبالرغم من إقرارنا المبدئي بضرورة الاستفادة من كل تجارب المنطقة و خصوصا تلك التي حققت تنمية معقولة اعتمادا على الموارد النفطية إلا أن الكثير من الأحزاب و الحركات السياسية تجد أن نماذج سياسية بعينها في المنطقة تصلح مثالا جديرا بالإقتداء حتى في التفاصيل اعتمادا على رؤية طائفية أو قومية أو إقليمية ضيقة، لقد أصبحت العلاقة مع المجتمع الدولي ذات أهمية حاسمة بالنسبة للعراق اذا ما أراد أن يتجاوز حالة التخلف التي صار عليها، فالخروج من حالة التخلف والخراب الشامل يحتاج جهدا استثنائيا و إدراكا لدور المجتمع الدولي و المؤسسات العولمية في تسريع الإعمار. يفترض أن العراق مؤهل لمعرفة التأثيرات المدمرة للعزلة الدولية بحكم معاناته منها لفترة طويلة بعد حروب النظام السابق و مغامراته، و بحكم مجاورته لأنظمة تعاني من آثارها.
أشار البرنامج عدا ذلك الى ضرورة الاهتمام بعلاقة العراق بمحيطه العربي و سيكون هذا بالارتباط مع علاقات إقليمية مع الجيران غير العرب و مع المجتمع الدولي ذا أهمية كبيرة، إذ تربطنا بتركيا مصالح مهمة و خصوصا في قضية المياه (كما أشرنا في الحلقة الثانية) و كذلك الإمكانية المستقبلية لمد أنابيب غاز إلى أوربا، كما أن العلاقات التاريخية مع إيران لا يمكن إهمالها أو القفز عليها . إن سياسة خارجية تمثل المصالح الوطنية تعتمد على مرتكزاتٍ ثلاث: المجتمع الدولي، المحيط العربي و دول الجوار بوسعها أن تجعل من هذه المرتكزات متكاملة و ليست متعارضة ينفي أحدُها الآخر كما ترغب لها بعض الأطراف و تقوم على أساسٍ من عدم التدخل في الشأن الداخلي.
إن بناء سياسة خارجية للعراق مهمة غاية في الصعوبة في ظل نظام المحاصصة و سعي أطراف سياسية عراقية إلى بناء سياسة لا وطنية و غير متوازنة انطلاقا من مصالح المكون الذي تمثله و لذا فإن المبادئ التي يقوم عليها الائتلاف و التي سبق أن تناولناها، تجاوز الطائفية و المحاصصة منها على وجه الخصوص، تشكل أساسا صالحا لسياسة خارجية متوازنة كما حدد معالمها البرنامج يضمن التطابق بين التشخيص و أدوات التنفيذ.
الخدمة العسكرية الإلزامية و التعليم
يدعو البرنامج إلى إعادة العمل بالخدمة العسكرية الإلزامية. لا شك إن إعادة العمل بقانون الخدمة الإلزامية سوف يعيد التوازن لتركيبة القوات المسلحة و يحد من الولاء لغير مؤسسات الدولة بعد أن أصبحت القوات المسلحة مجالا للتباري في كسب نفوذ لأحزاب تعمل على جعل المنتمين إليها من الضباط و المراتب خاضعين لإرادتها، بينت أحداث بنك الزوية و أحداث أخرى إلى أي مدى من التردي و الفوضى وصلت الولاءات الفرعية على حساب الولاء لدولة القانون و المؤسسات ومدى سهولة اختراق هذه المؤسسات.
و لكن الخدمة الإلزامية ينبغي لها ان تكون مصحوبة بتطمينات لعموم الشعب و للشباب على وجه الخصوص بسبب ذكريات العسف التي مورست ضد الجنود و المراتب و بسبب ذكريات نظام الخدمة العسكرية التعسفي مما يستدعي ربط الخدمة الالزامية بقانون جديد يمنع أي شكل من أشكال انتهاك حرمة الإنسان و زجه في مغامرات. كما إن حساسية الموضوع و كونه يمس حياة اوساط واسعة من الشعب في احلى فترات العمر، تتطلب عرضه على استفتاء شعبي.
في مجال النظم التعليمية يحتاج المواطن من واضعي البرنامج إلى المزيد من التفاصيل و ربط نظام التعليم بما ورد من فصل الدين عن السياسة و اعتبار أن العراق متعدد الأديان و الطوائف و لا يجوز التعامل مع هذه المكونات باعتبارها لا أهمية لها و النظر إلى وزنها النوعي و ليس العددي و خصوصا بعد عمليات التهجير الواسعة التي طالتها. بوسعنا أن نجد في قوانين الدولة العراقية التي تأسست في عشرينات القرن الماضي تقاليد قانونية و تطبيقية غاية في الأهمية في التعامل الموضوعي مع دروس الدين و علاقة ذلك بالتدريس و بوسائل الإعلام الجماهير الرسمية التي ينبغي لها ان تمثل الطيف العراقي كله.

نقاط مهمة أخرى..
تعاملت الحكومة الحالية مع قضية المهجرين و اللاجئين بطريقة لا تختلف عما فعله النظام السابق بل و أسوأ مما فعل من بعض الوجوه. الكثير من الحكومات الشمولية عاملت اللاجئ على اعتبار انه خائن لبلده أو ناكر للجميل في أحسن الأحوال، و لم تنظر الحكومة الى الأمر من زاوية أن اللاجئين لا يغادرون وطنهم إلا و هم مكرهون. و لكن الغريب أن الحكومة العراقية الحالية المكون أعضاؤها و الكثير من وزرائها من اللاجئين السابقين من الذين لا تزال عائلاتهم مقيمة في الدول الأوربية أو المجاورة و من الذين يحملون جنسية أخرى غير العراقية قد تعاملت مع اللاجئين و المهجرين في الداخل و في دول الجوار و في أوربا بعداء غير مبرر، فقد حرضت وزارة الخارجية العراقية الحكومات الأوربية على إعادة اللاجئين قسرا و بطريقة مخالفة للقوانين الدولية و حقوق الإنسان مدعية أن العراق قد أصبح بلدا آمنا رغم أن الحكومة و أركانها لا يستطيعون حماية أنفسهم، مما شجع حكومات أوربية تغازل اليمين المتطرف على أن تمارس عدوانا واسع النطاق على حقوق اللاجئين العراقيين و لا تحترم معايير منح اللجوء وحق اللاجئين في مأوى آمن، إزاء هذا الوضع لم تقم الأحزاب السياسية التي عانت من العسف في أيام النظام السابق و كان أغلب أعضائها من اللاجئين العائدين بدورها بانتقاد موقف الحكومة بل حصل العكس، فقد ورد في برنامج حزب عريق دفاعٌ عن حقوق اللاجئين و المهجرين في زمن النظام السابق فقط رغم أن إحصاءات الأمم المتحدة قد أشارت الى أن عمليات التهجير التي حصلت في العراق قد تجاوزت كلَ مثيلٍ لها منذ نكبة فلسطين!!
خطر الوقوع في الدفاع عن مصالح العائدين بعد سقوط النظام السابق قد طغى لدى البعض على كل مطلب آخر و انخرطت أحزاب في استحصال تعويضات و امتيازات لأعضائها و أنصارها و ليس لأبناء الشعب من الذين ذاقوا الأمرين من النظام السابق و النظام الحالي وباتت الكثير من الأحزاب مدافعة ليس عن مصالح عموم الشعب انما عن مصالح المنتمين فقط، وليس الدفاع عن حقوق المهجرين في زمن النظام السابق فقط دون المهجرين و اللاجئين الذي هربوا من عسف الميليشيات و من العنف الطائفي في زمن النظام الحالي إلا تجليا خطيرا لهذا الميل.
إنه لمن المفارقة إن يقوم أفراد الحكومة و البرلمان من الذين سبق و عانوا من الإرهاب وطلبوا الحماية في دول أخرى بالتنكر لمن لجأ الى نفس الوسيلة لحماية نفسه امام سمع و بصر أحزاب مشاركة في العملية السياسية بصمت مطبق.
ما هو منتظر أن يصار إلى جعل الجاليات العراقية المقيمة في الخارج لوبيا يدافع عن الحقوق العراقية و مشاركا فاعلا في توطيد علاقات العراق بالبلد المضيف، أما السلوك الحالي للحكومة و وزارة الخارجية فلا يترك غير المرارة و العزلة و يخلف في كثير من الحالات حوادث مأساوية لمن قرروا العودة بعد أن اصبحوا مكشوفين لضغوطات الدول المضيفة . لا يحق للحكومة أن تفتخر بعودة الكثير من العائدين من دول المهجر و اللجوء و أن تتقصى حقا الدافع وراء هذه العودة لتجد أن الكثير من المقيمين في دول الجوار قد عانوا شظف العيش و شهدوا انتهاكات مرة و تعديات قرروا بسببها اختيار حل لا يقل مرارة عن الغربة، يفترض أن يكون ما حصل دافعا للحكومة و الأحزاب المشاركة في العملية السياسية لكي تنبري للدفاع عن هؤلاء المغلوبين على أمرهم بدلا من مناصرة خصومهم و مبتزيهم من الحكومات و الأفراد.
البرنامج مدعو إلى تناول قضية اللاجئين و المهجرين في الداخل و الخارج على اسس نذكر منها: تحسين معاملة اللاجئين و المهجرين و منع الاعادة القسرية و جعلها اختيارية و فق المعايير الدولية، إزالة الاسباب التي دعت هذه الاوساط الواسعة من الناس إلى الهجرة الداخلية و الخارجية و توفير فرص العمل لهم في حالة عودتهم، تسهيل ايصال المعونات لهم و الحفاظ على حقوقهم التي تركوها وراءهم مثل الحصة التموينية و حقوقهم التقاعدية و انشاء اقسام في السفارات و القنصليات لإيصال الرواتب التقاعدية لهم، و باختصار ينبغي التعامل مع طالبي اللجوء وا لمهجرين ليس باعتبارهم اعداء و انما احتياطيا ضخما يرفد السياسة الخارجية للبلد و يلعب دورا اقتصاديا و سياسيا مهما.
تناول البرنامج العديد من النقاط الأخرى الجديرة بالإشارة و منها الموقف الحازم من الفساد والفاسدين و من الاطراف التي ساهمت في العنف الطائفي، كما ناقش مسألة quot; تحقيق مفهوم الدولة المدنية quot; و هذا الامر سبق لنا و عالجناه في موضوع ذي ثلاث حلقات نشر على صفحات إيلاف، و بالنظر لتعقد موضوعة المجتمع المدني نرجئ مناقشته ربما لمناسبة أخرى، كما تضمن البرنامج نقطة هامة و حيوية تتعلق بتعديل الدستور. ففي النقطة الثامنة دعا البرنامج إلى quot; تعديل الدستور، وإعادة النظر في آليات تعديله، بما يعزز بدرجة أكبر القيم الديمقراطية، ومبادئ حقوق الإنسان، ومبدأ مدنية وعلمانية الدولةquot;.
الدستور، أي دستور، هو منجز بشري و من الضروري أن يكون خاضعا للتعديل بما يتوافق مع المستجدات و لكن وجود آلية تمنع التعسف في تعديله ضرورية بنفس القدر.
و في مجال الثقافة أشار البرنامج إلى ضرورة تأسيس ثقافة وطنية... بعيدة عن الادلجة و التسييس.

هل بمستطاع هذا الائتلاف أن يكون بديلا؟
ورد في مقدمة البرنامج: quot; واليوم نقف من جديد أمام فرصة تاريخية أخرى، ذلك من خلال توافر أرضية وحاضنة أكثر ملاءمة للمشروع الديمقراطي من وعي شعبي جديد متنام، نجد أنفسنا بسببه أمام منعطف وأمام مسؤولية quot;.
إن البرنامج على حق تماما، فقد خاب أمل المواطن العراقي بسلوك الأحزاب الدينية التي هيمنت على السلطة و مؤسساتها في غير منطقة كردستان. أدت خيبة الأمل هذه إلى فراغ، و اصبح الموطنون على قناعة بضرورة إيجاد البديل، هذا الفراغ لم تستطع كما رأينا و كما هو متوقع أن تشغله الأحزاب اليسارية التقليدية التي تنكرت للعلمانية في برامجها بسبب افتقارها الى الجرأة و عدم احتفاظها بمسافة واضحة تفصلها عن القوى السياسية التي تتعامل معها. إن الفراغ الناشئ عن رفض المواطن العراقي للأحزاب التي تقاسمت السلطة لا يعني أن هذه الجماهير سوف تلجأ اوتوماتيكيا إلى تأييد ما يفترض أنه بديل، فالمواطن العراقي مهيأٌ الآن أكثر من السابق لتقبل الخطاب السياسي الواقعي الذي يشخص الحلول و يجد وسائل تفعيل لها، و هذا المواطن الذي يرغب أن ينتخب بديلا عن الأحزاب الدينية والقومية و اليسارية التقليدية التي سببت له خيبات أمل مريرة يرغب بأن يجد جهة تجيبه عن الأسئلة الملحة في حياته و حياة الأجيال القادمة و اذا ما كان برنامج للائتلاف قد ارتقى كما رأينا الى مستوى غير مسبوق في التشخيص فإن تشخيصه و الحلول التي يقترحها لا يزالان بحاجة الى المزيد من التفاصيل.
لا تزال عقبة جر العراقي الى التفكير الجمعي بدلا من السعي لحلول فردية (بمعناها السياسي و السوسيولوجي) هي العقبة الأكبر في طريق إصلاح الوضع العراقي المتردي. فالتفكير الجمعي العراقي بما في ذلك تفكير وسلوك غالبية قادة الحركات و الأحزاب السياسية يميل إلى إيجاد حل فردي على الصعيد الشخصي (رواتب ضخمة وأرصدة في الخارج نهب المال العام.. الخ) أو لنفوذ أحزابهم على حساب القضية الوطنية، و من السهل رصد الميل الجمعي غير المكترث لإيجاد حل جماعي ينقذ العراقي من وضعه البائس.