دأبت قيادات الإخوان المسلمين في الكويت على التبرؤ من علاقتهم من سياسات التعليم، بحجة أن الوزراء المتعاقبين على وزارة التربية كانوا معظمهم من التيار الليبرالي ولا علاقة للجماعة في السياسات والقرارات التربوية والتعليمية، وهو موقف جانبه الصواب والدقة.
أتفق مع طرح جماعة الإخوان المسلمين في الجانب الوزاري لوزارة التربية، ولكن نسى أو تناسى الإخوان أن السياسيات والقرارات التربوية تؤثر فيها من هم في الإدارة الوسطى ووكلاء الوزارات ولجان المناهج التي خضعت لسيطرة ونفوذ الإخوان خاصة والتيار الديني عموماً.
ولا ينبغي تجاوز التاريخ النيابي للإخوان المسلمين ومناصريهم من السلف الذي تمكنوا من التأثير في القرارات التربوية، كفرض الاعتراف الأكاديمي والابتعاث لجامعات لم تكن معترف فيها من قبل كجامعة أم القرى وغيرها، وهو الذي فتح الباب لهم على مصراعيه.
لم يأت إنشاء كلية الشرعية بعد فصل الدراسات الإسلامية عن قسم اللغة العربية في جامعة الكويت نتيجة قرار تعليمي من وزير ليبرالي، بل كان نتيجة لوبي برلماني فاز فيه التحالف بين التيار الإسلامي والإخوان والسلف خاصة مع الحكومة منذ الثمانيات.
ومن رحم كلية الشريعة تمرد أساتذة وطلبة وانخرط بعضهم في أعمال وانشطة متشددة فكرياً ودينياً لم تكن بمنأى من احكام قضائية ضدهم علاوة على إدراج دول شقيقة وأجنبية أيضاً لعدد من الأسماء الكويتية وكذلك جمعية الإصلاح الاجتماعي، مظلة الإخوان المسلمين في الكويت، على قائمة الإرهاب.
جمعية المعلمين، التي وقعت تحت قبضة الإخوان والتيار الإسلامي عموما، كان لها دوراً في تعثر وتجميد العديد من القرارات التربوية كمنهج الكفايات ورخصة المعلم، فمثل هذه السياسات التي اتسمت في المهنية التربوية والتعليمية مات ما مات في المهد وتشوه بالتالي إصلاح التعليم وتطويره!
جامعة الكويت لم تسلم من قبضة وتوجيه جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي ككل، فقد أصبحت الجامعة المأوى الحكومي الحنون لتلك الجماعات على شتى المستويات وكذلك الحال في هيئة التعليم التطبيقي!
لم يحسن الاختيار رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف مؤخرا لوزير التربية والتعليم العالي د.المانع فقد نصب وزيرا من التيار الديني لممارسة الغزل السياسي مع ما يسمى بلجنة "تعزيز القيم" في مجلس الأمة على حساب التعليم الجامعي المشترك.
واستغل بعض نواب الأمة المساومة الدينية والسياسية لتقديم مقترح بقانون التعليم المشترك وتعديل قانون منع الاختلاط بالرغم من وضوح الحكم الدستوري الصادر في العام 2015 والذي حسم الجدل والاجتهاد في منع الاختلاط في التعليم الجامعي.
وزارة التربية والتعليم العالي أصبحت اليوم في قبضة التيار الديني بتنازل طوعي من رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف إلى أصحاب الاجندات الدينية والسياسية الخاصة في حين التعليم بحاجة إلى الإنقاذ والنهوض وليس التدمير والتخلف.
ليس مستبعدا أن نشهد أسلمة التعليم العام والخاص والجامعي نحو احتضان تعليم انتقائي لتوزيع الشهادات والالقاب العلمية مجانا ووفقا للشريعة الإسلامية وتسليم رقاب الشعب لتمدد ديني متشدد على خلاف ما يحصل في الدول الشقيقة من عمليات التطهير والتطويق للحركة الوهابية في التعليم!
بالتأكيد أن ليس الإخوان المسلمين وحدهم يتحملون مسؤولية تدهور التعليم، بل حكومات متعاقبة لم تتسلح يوما بشجاعة القرار والعزيمة على إصلاح وإبعاد التعليم عن المساومات السياسية وضغوط التيار الإسلامي والإخوان بصفة خاصة.
النهوض في التعليم يحتاج إلى إرادة سياسية صلبة وعزيمة لا تنكسر ولا سلطة تراهن على حاضر ومستقبل الكويت، الدولة المدنية، فالسلطة الحكومية الحالية لم تتعلم من دروس الماضي القريب ولم تزل رهينة المساومات والمحاباة في ظل غياب المسائلة الدستورية!
الكويت تجني اليوم ثمار قانون منع الاختلاط الذي أيده وزير التربية والتعليم العالي السابق المرحوم د.أحمد الربعي فهو الذي ضحى بالفكر المدني مقابل الكرسي الوزاري مستسلما للتحالف الحكومي مع التيار الديني على مصلحة الدولة والشعب!
تتجدد اليوم الخيانة السياسية للقوى المدنية والدولة المدنية في حين تغرق الكويت في تجاذب وتقاسم ميدان التعليم من قوى دينية متشددة في مجلس الأمة والحكومة أيضاً ومنابر أخرى في ظل فزع حكومي من الوقوف دستورياً ضد التوجهات الدينية المتشددة!
*إعلامي كويتي
- آخر تحديث :
التعليقات