تقف كل المواقف قاصرة منحنية أمام الموقف الجنوب أفريقي..

أهي رسالة تنبيه وتحذير من الله العزيز الكريم بعد أن فقدت الأمة بوصلتها على طريق الحق المسكوت عنه؟

هل انتزعت جنوب أفريقيا فرصة المبادرة من الدول العربية التي كان بمقدورها أو بمقدور إحداها القيام بذلك، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية؟ والحقيقة هي لا... لم تنتزع جنوب أفريقيا أي فرصة من أحد، وإنما حجم الكارثة والغليان الذي كان يجري في الشارع الفلسطيني والأردني والعالمي والعربي، والمعركة التي كانت تقودها المملكة الأردنية الهاشمية من أجل الأشقاء في فلسطين، قد لامس أفئدة المناضلين في جنوب أفريقيا فتفاعلوا ميدانياً، ولما فقدوا الأمل في العالم الذي قد جربوه وخبروه من قبل، لم يتوانوا وأقدموا بالعمل قبل القول.

وللأسف، قد فوتنا الفرصة وراحت إلى من قال نحن أحق بها من الجميع؛ فنحن من عاش سياسة الفصل العنصري ونهج الكوارث والإبادة الجماعية، ونحن من ناضل وضحى وواجه الباطل لأجل الحرية، وأحق بأن نمارس رسالتنا أممياً. نعم، هكذا فعلتها جنوب أفريقيا، ثم قالت ما قالته على منبر محكمة العدل الدولية، وصدحت تلك المرأة الجنوب أفريقية المناضلة بصوت الحق فأسكتت نعيق الباطل الذي دأب على التآمر دون حياء حتى في المحافل الدولية. إنها مدرسة النضال الجنوب أفريقي يا سادة. إنها مدرسة مانديلا التي خرجت منها هذه المرأة المناضلة لترفع شأن بلدها راية الإنسانية عالياً، وقد كان العرب أولى برفع رايتهم بأيديهم! اللهم أصلحنا ولا تستبدلنا.

كم هو واضحٌ وجليٌ الفارق بين الحقيقة والإدعاء، حيث لم تدعِ جنوب أفريقيا بأي شيء على الإطلاق لا بتحرير فلسطين والقدس ولا بالإسلام ولم تؤسس ميليشيات للشر ولم تهدد الحدود ولم تغرق أحداً بالفتن والسلاح والمخدرات، ولم ترفع ذا الكم الهائل من الشعارات الخاوية ونهج الخديعة والتغرير الخذلان الذي مارسه ويمارسه نظام الملالي تجاه القضية الفلسطينية وتجاهنا أيضاً.

إقرأ أيضاً: هل يسرقون المطر الإيراني؟

الأهم من هذا كله أنَّ جنوب أفريقيا ليست عضواً في جامعة الدول العربية، ولا في منظمة التعاون الإسلامي؛ لكنها جسدت الحقيقة وانتفضت للحق بشجاعة وأحرزت هدفاً تاريخياً سيبقى في ذاكرة التاريخ يُحييه الأحرار كل حين؛ وقد امتلكت جنوب أفريقيا أمرها وسيادتها وقرارها وارتكزت على مدرستها النضالية كواقع حالٍ، فأحرزت هدفاً مدوياً في مرمى المعني الساكت عن الحق في جانب والمُرتاب في جانب آخر، والصديقِ قبل العدو والمتآمر والمتخاذل والمُدعي، وعلى من فاته شرف الموقف أن يلحق بالركب مُمجداً موقف جنوب أفريقيا، ومُتضامناً معه، فلا يفوتنكم شرف الموقف مبادرةً أو تضامناً ومؤازرةً.

إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط

لا نحتاج إلى مُدعين في صفوفنا، بل نحتاج إلى صادقين، وها هم أتوا من خارج الصفوف تسبق فعالهم أقوالهم، وصوت صدقهم هو صوت المعركة الذي يعلو على كل صوت. عاشت جنوب أفريقيا وعاش الصادقون الذين يوصلون الليل بالنهار في الأردن وأمتينا (أمتي العرب والإسلام) من أجل فلسطين، ففلسطين تراثاً وميراثاً للعرب والمسلمين.

أكرر... تقف كل المواقف قاصرة منحنية أمام الموقف الجنوب أفريقي؛ ونقف جميعاً في الأردن بكل تقدير واعتزاز واحترام لهذا الموقف العظيم الداعم للقضية الفلسطينية.