يقال إنَّ المال "عصب الحياة"، ومن مسرّاتها التي لا يمكن الغنى عنه. فالمال له مبرراته في إطالة الأعمار. فعندما يصاب الغني بمرض عضال أو غير ذلك، بإمكانه التغلب على مرضه بالذهاب إلى أفضل المستشفيات، بالكشف عنه ومعالجته، بالخضوع إلى أفضل فريق طبي قائم بالمشفى التي يختار، بتلافي المرض الذي يعانيه سواء مرض قلبي أو قصور كلوي. وهو بإمكاناته المالية يمكنه زراعة قلب أو كلية، في الوقت الذي نجد فيه أنَّ الفقير "المعتر" غير قادر على ذلك، وهذا ما يعني أنه سيختصر كل ذلك بوداع الدنيا والالتحاق بالآخرة، وهي أقصر الطرق، لأنه لا يملك المال!
الذي يملك المال، بالتأكيد، لديه القدرة على تجاوز كل صعاب الحياة، بل إنه يذلل كل ما هو صعب ومستحيل، والتمتع فوق ذلك بمأكله ومشربه، والسفر إلى أرجاء العالم، إلى المكان والوجهة التي يرغب، كل ذلك بسبب توافر المال الذي يمكّنه من شراء أي شيء، والوصول إليه بيسر وسهولة.
وقد كنت تواصلت مع أحد الأصدقاء البسطاء قبل أيام، وهو إنسان مريض ومحتاج، ويبحث عن دواء له في إحدى الصيدليات. دواء مضطر إليه، وأكد لي أنه وبالبحث والركض من صيدلية إلى أخرى لم يستطع العثور عليه، فما كان من ذلك الرجل إلا أن أصرّ على الامتناع من البحث عن الدواء، ففضل شراء طبق بيض، وربع كيلو غرام من لحم الضأن، وقرص من الجبنة البلدي، حتى يَسدّ به رمقه وحاجته، بعد أن عاش أياماً ولا أصعب، وهو يراجع صيدليات المدينة وبدون توقف، ما اضطره الواقع الأليم أخيراً إلى الإقلاع عن الدواء وتعريض نفسه للموت، وهو أقصر الحلول بصبر اعتاده في الحياة الدنيا.
وعلى ذكر المال، وطمع الدنيا، فما هو مبرر السيد فلاديمير بوتين، القيصر الروسي، بغزو أوكرانيا البلد الآمن المسالم وشعبها الطيّب، هكذا وبدون وازع من ضمير، وبوضح النهار اعتدى عليها ودمّر وخرب.
الحرب اللعينة القائمة حالياً في أوكرانيا اعتبرها العالم أجمع على أنها غزو مدمّر تسبب في مجاعة بالتأكيد، وكان لها تأثير في العالم ككل بارتفاع أسعار الغاز والنفط الذي وصل إلى أسعار مرعبة.
ما الهدف من كل هذه الممارسات المبيّتة التي لجأ إليها الرئيس الروسي الذي "داس" وعطل على كل الوساطات التي يمكن الوصول من خلالها إلى حل يرضي الطرفين، بدلاً من إشعال فتيل الحرب التي لا ترحم، وانفرد بالقرار بغزو أوكرانيا ومدنها، وعن سابق إصرار، وتسبب في تدمير البنى التحتية وتشريد وتهجير أهلها، كما فعل في سوريا، متخذاً من أسلحة الدمار الشامل، القوة التي يمتلكها، بعبعاً يُهدد بها العالم!.
وما الفائدة من جمع آلاف المليارات من الدولارات في ظل معاناة الناس الفقراء الذين لا يملكون ثمن رغيف الخبز؟ وما الحاجة إلى اكتناز كل هذه الأرقام من المليارات من الدولارات ما دام أنَّ الإنسان نهايته محتومة، ويتربّص بأخيه الإنسان من أجل النيل منه، وسيخلد أخيراً إلى مساحة مترين من الأرض تتسع لجيفته النتنة؟
وفي هذا المقام لا يمكن أن ننسى مؤسس أمازون جيف بيزوس الذي يُعدُّ من أغنى رجال العالم بصافي ثروة بلغت 197 مليار دولار، بعد ثلاث سنوات من خسارته للقب أغنى شخص في العالم، تمكن مؤسس عملاق التجارة الإلكترونية أمازون، من استعادة لقب أغنى شخص في العالم، مزيحاً بذلك منافسه إيلون ماسك الذي هيمن لفترة على هذا اللقب، ثم يليه رجل الأعمال الفرنسي رئيس LVMH برنارد أرنو بصافي ثروة بلغت 195 مليار دولار، وحل في المرتبة الثالثة إيلون ماسك بـ 192 مليار دولار، وفي المركز الرابع مارك زوكربيرغ مؤسس شركة ميتا (فيسبوك سابقاً) بصافي ثروة 176 مليار دولار، وبيل غيتس (المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت) بثروة بلغت 149 مليار دولار. وبوتين القيصر الروسي الذي كما قيل إن ثروته تصل إلى أكثر 200 مليار دولار، وما زال يبحث عن زيادة بالتعدي على دولة جارة مسالمة واختزان الذهب والفضة!.
نقولها أخيراً.. عليكم بالصبر أيها الفقراء، فقد سبقكم الأغنياء إلى حجز مقعد لهم بالجنة، إذا لم تخنهم أموالهم، وتدعوهم للترحيب بهم، إلّا أنّ ذلك مستبعد بالتأكيد في ظل إله عادل، وإن قال في كتابه العزيز "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، فهذا لا يعني بالمطلق أنّ الأغنياء سيفوزون بالجنة لمجرد امتلاكهم للمال. لا أبداً، فستلاحقهم اللعنة أينما حلوا وكيف ما كانوا!
التعليقات