أصدر قبل يومين المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني المتحكّم الرئيسي في زمام السلطة في إقليم كوردستان، بياناً، أعلن من خلاله مقاطعة الانتخابات التشريعة لإقليم كوردستان والمقرر إجراؤها في شهر حزيران (يونيو) القادم.

بهذا القرار وضع الحزب الديمقراطي إقليم كوردستان على أعتاب أزمة سياسية عميقة، كون الديمقراطي يشكّل إلى جانب منافسه الاتحاد الوطني الكوردستاني القوّة السياسية الأبرز في الإقليم والطرف الأكثر سيطرة على مقاليد السلطة في الحكومة المحليّة.

وجاء قرار الحزب في أجواء سياسية معدة ومليئة بالخلافات بين أربيل وبغداد من جهة، وبين الحزبين الاتحاد والديمقراطي المتنفذين والمتنافسين بالمشاحنات والصراعات الحزبية العقيمة داخل الإقليم نفسه من جهة ثانية.

أسباب المقاطعة
مثّلت مقاطعة الحزب الديمقراطي للانتخابات ردّة فعل على القرارات الأخيرة التي أصدرتها المحكمة الاتّحادية العراقية بشأن الانتخابات البرلمانية في الإقليم، والتي قضت بتقليص عدد مقاعد برلمان الإقليم، وإلغاء كوتا المكونات، وتكليف الهيئة المستقلة للانتخابات بالإشراف على الاستحقاق الانتخابي بدلاً من الهيئة المحلية التابعة لسلطات الإقليم، بالإضافة إلى تقسيم الإقليم انتخابياً إلى أربع دوائر، بدلا من دائرة واحدة.

وبرّر الديمقراطي الكوردستاني قراره بأنه لا يريد إضفاء الشرعية على انتخاب غير دستوري وغير ديمقراطي، منتقداً جميع الخروقات الدستورية التي تمارس من قبل المحكمة الاتحادية ضد إقليم كوردستان ومؤسساته الدستورية عامة.

خطوة عملية باتجاه الانسحاب من المؤسسات الاتحادية
وفي تطور لافت في العلاقات بين بغداد وأربيل، قطع الديمقراطي الكوردستاني خطوة عملية باتجاه الانسحاب من المؤسسات الاتّحادية، وذلك بعد ساعات من موافقة المحكمة الاتحادية على صرف رواتب موظفي الإقليم بشهر شباط (فبراير) الماضي، حيث أعلن القاضي عبد الرحمن سليمان زيباري انسحابه المفاجئ من عضوية المحكمة الاتحادية العليا احتجاجاً على قراراتها الأخيرة بشأن الإقليم معللاً ذلك بعجزه عن حماية مصالح الإقليم، وما لمسه من وجود نزعة في قرارات المحكمة نحو العودة إلى المركزية في الحكم والابتعاد عن النظام الاتحادي، على حد وصفه.

ومن الجدير بالذكر أن القاضيان زيباري وديار محمد، هما العضوان الكورديان في المحكمة الاتحادية العليا، أولهما من الحزب الديمقراطي الكوردستاني وثانيهما من الاتحاد الوطني الكوردستاني.

ويرى مراقبون أن بدون مشاركة الديمقراطي الكوردستاني في العملية السياسية بشكل عام تعود الحياة الحزبية في إقليم كوردستان تحديداً إلى مربع الصراع بين الاخوة الأعداء، وخاصة بعد اتهام الديمقراطي منافسه بالتعاون مع السلطات الاتحادية العراقية ضدّ مصلحة الإقليم، وانه أي الاتحاد الوطني هو السبب وراء ما صدرت من المحكمة الاتحادية والتي مست القانون الانتخابي ونظام صرف رواتب الموظّفين، باعتباره صاحب الدعاوى التي صدرت تلك القرارات بناء عليها، وترحيبه بقرارات المحكمة الاتحادية العليا، واتهام الديمقراطي الكوردستاني بانه مستفيد من نظام الكوتا من خلال القيام بترشيح أعضائه من المكونات (أحزاب تمثّل الأقليات المسيحية والتركمانية) كي يحصل على مقاعد إضافية، وتشكيكه من نزاهة مفوضية الانتخابات في الإقليم، كما رحب أيضاً بتغيير طريقة صرف رواتب موظفي الإقليم بتحويلها إلى مستحقيها مباشرة عن طريق مصارف عراقية، بدل إرسالها إلى حكومة الإقليم لتوزيعها عليهم من أجل المصلحة العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية.

إلى متى؟
هكذا ضاع الشعب الكوردستاني الذي يعاني أصلاً من قلة الخدمات وتأخير الرواتب والبطالة بين قرارات المحكمة الاتحادية الباتة والملزمة، وقرار الديمقراطي الكوردستاني بمقاطعة الانتخابات وتلويحه بالانسحاب من العملية السياسية، وإصرار الاتحاد الوطني على إجراء الانتخابات في موعدها والترحيب بقرارات المحكمة الاتحادية.

نعم... ضاع الشعب بين صراع الأحزاب وهو يتابع مسلسل كسر العظم بين الأخوة الأعداء في حلقات لا تهمه في شيء، شعب ماسك على جمر اليأس والجوع والملل وانتظار ظهور بصيص من الأمل دون جدوى.

والسؤال الأهم هو هل الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني مستعدين للتضحية بمستقبل إقليم كوردستان وشعبه الذي يئن تحت وطاة سوء الأحوال المعيشية وسوء الإدارة وقلة الخدمات وتفشي الفساد وتاخير الرواتب بسبب مصالحهما الحزبية الضيقة؟