تكثر أصوام أتباع الطائفة المسيحية بمصر حتى لتزيد عدتها عند العامي منهم على المئة يوم، وتزيد على ثلثي أيام السنة عند الملتزم المتنسك منهم، وهم في صومهم يُمسكون عن كل طعام مأخوذ مما فيه روح، كاللحم وما أُخِذ من اللحم، وكالألبان وما اشتق من الألبان، ولا يأكلون إلا الطعام (الصيامي)، وهو المأخوذ من أصل نباتي، أو المطهو بزيت نباتي، فحين يعلم بصومهم الأريب من التجار المسلمين من أصحاب المطاعم والمخابز، تراه يقبل عليهم ببضاعته من الطعام (الصيامي) الذى استبدل فيه النباتي بالحيواني من كل صنف، فهذا برجر (صيامي) بعجين نباتي، وهذا أرز (صيامي) بزيت نباتي، وتلك بسبوسة (صيامي) بقشدة نباتية، فمثل هذا التاجر يربح من صوم القوم كربحه من فطرهم أو أكثر، وليس ذلك إلا لتاجر يجيد التبصر بحاجة العميل وشروطه فيجيبه إليها، فيربح المال على كل حال، وفى كل موطن، ومن كل إنسان وإن خالفه المذهب والملة.

ولكم تمنيت لو أن الصيارفة ومن استعملوهم على الأموال في البلاد الإسلامية قد فطنوا إلى ما فطن إليه التاجر (الصيامي) فاقتدوا بذكائه وحُسن إدارته، فإن في البلاد الإسلامية طائفة محافظة من المسلمين (أزعم أنهم كثيرو المال والعدد) يتحرجون ويتأثمون أن يستثمروا أموالهم في البنوك العاملة إلا بشروط يشترطونها، فإذا لم تقم المصارف والبنوك بالشروط حبسوا أموالهم عنها، فلم يدخلوها دورة الاقتصاد الوطني.

إقرأ أيضاً: يمام رمسيس

وها هنا سبيلان لاستجلاب أموال تلك الطائفة واستثمارها: فأولها سبيل التاجر الأريب، وهذا سيجد أموالًا يشترط أهلها الشروط قبل استثمارها، فلن يجادلهم، ولن يحتال لهم بالحيل، ولن يعرض عليهم الآراء والمذاهب، بل سيُجيب القوم إلى شروطهم في أموالهم، فيربح ويربحوا وتربح خزانة البلد، أما السبيل الأخرى فهي سبيل التاجر الكاسد البليد العنيد المُصِرِّ على الخسران، وهذه اختارها صيارفتنا ومستعملوهم لاستجلاب أموال تلك الطائفة، فلست تراهم ينصتون إلى شروط القوم في أموالهم، ولا يقيمون لمحاذيرهم كبير وزن، ولا يُحدثون لهم معاملات يرتضونها ويقبلها مذهبهم الذي به دانوا، بل تراهم يقيمون المناظرات، ويبعثون المُفتين، ويحتالون بزخرف القول ليحثوا الناس على قبول معاملات غير إسلامية على أنها عقود تمويل مستحدثة لا شيء فيها وريعها حلال، فإذا أضرب الناس عن تلك البنوك أحدثوا لهم مصارف دعوها بالإسلامية، وجعلوا لها هيئة شرعية قيِّمة عليها، وهذه كذلك ليست في وفائها بالشروط عند حسن ظن المحافظين من المسلمين، فحينئذ رأى القوم أنه لا كبير فضل بين ربوي وإسلامي، فانصرفوا عن الجميع، وأمسكوا أموالهم عن الجميع، ليس ضنًّا بها عن بلدهم، لكن ضنًّا بدينهم عند من لا يعظم حرماته، وأما من اضطر منهم لكبر سن أو لعجز أن يودع أمواله في مصرف إسلامي أودعها وهو مُكرَه مضطر لفقده البديل الشرعي المُرضي، وربما أخرج بعض ريعه تطهيرًا له مما عساه لحقه من الشبهات والمحرمات.

إقرأ أيضاً: !هتMove onأسرع¡‎

فلنعد نسترشد بالتاجر (الصيامي) الأريب، لقد بصر بحاجة القوم إلى طعام (صيامي) خلو من اللحم واللبن، فصنعه للقوم على شرطهم، فربح وربحوا، ولو كان فعل كفعل صيارفتنا فذهب يدعوهم إلى صوم غير صومهم، أو إلى اتباع مذهب في المسيحية يجيز أكل اللحم مدة الصوم، أو خلط لهم النباتي بالحيواني، إذًا لانصرف القوم عنه، وابتغوا طلبتهم عند غيره، ولكسدت سوقه.

فهل يطمع أهل الطائفة المسلمة المحافظة في البلاد الإسلامية في بنك (صيامي) على الشرط الإسلامي المستقيم ليستفيد الجميع؟