لم يَعُد العرب يُحفّزهم بعد اليوم الدعوة إلى حضور أي قمّة عربية، لا سيما أنَّ معظم القمم العربية التي سبق أن شهدناها، وتابعناها، وما انتهت إليه من نتائج، لم تلب الغرض من انعقادها، ولم يؤخذ بنتائجها، أو يُعمل بها! ما صرنا نشاهده من على شاشات التلفزيون، التي تنقل وقائعها، مهزلة حقيقية، وآخرها قمّة البحرين الأخيرة في دورتها الثالثة والثلاثين، وجسدت نفس المبدأ الذي يخلو من كل هدف، والذي صار يقرأه المواطن العربي، ويقف عنده مطولاً، حتى ذاك الساذج وغير المهتم بالسياسة وقوالبها أصلاً، وإلى ما ترمي إليه من نتائج.

نقولها، وبكل أسف، لم تعد تشكل تلك القمم الفارغة أكثر من حضور باهت، ووجاهة للمسؤولين والحكام العرب، وإلا ماذا يعنينا من كل هذه الجوقة والبيان الختامي الذي خرجت به علينا، وهو ما كان مرسوماً قبل الإعلان عن نتائجها المخيّبة للآمال التي لم تعد تهم الإنسان الفلسطيني المعني أولاً بنتائجها نتيجة المعاناة التي يعاني منها، وما تشهده الأرض الفلسطينية اليوم من اقتتال لم يتوقف على مدار أكثر من ستة أشهر ونيّف، فضلاً عن الدمار الهائل الذي لحق بالأبنية السكنية التي سوّيت بالأرض، وفوق كل هذا وأكثر المعيشة الضنكة والفقر المدقع، وانتشار البطالة والواقع السيء للخدمات وغيابها، واستباحة حقوق أهلنا في فلسطين السياسية والإنسانية، وضعف العرب في مشاركاتهم بالقرارات المصيرية.. وهذا الحديث يقودنا إلى أن نقف حيال الانقسامات الثنائية التي تعانيها أكثر من دولة عربية ومنذ عقود خلت، ولم تتوقف هذه الانقسامات، ولم يَعُد يلوح في الأفق أيّ حل لهذا التشرذم العربي الذي تعانيه الدول العربية وخلافاتها مع بعضها التي لم تتوقف. وهذه الخلافات لم تلق وللأسف أي حل ممكن، أو تقارب في وجهات النظر، على الرغم من الاجتماعات المتكررة، وما باتوا يبوحون به من خطب رنانة، وما يتفوهون به من كلمات معسولة ومعدّة مسبقاً، كل ذلك لأجل المشهد العام، وظهور هؤلاء والقادة والمسؤولين العرب أمام المواطن العربي على أن أنهم مهتمون بما يجري في فلسطين، التي يعيش أهلها على الفاقة والذل، وما على الرؤساء والقادة والمسؤولين هو الاكتفاء بتبويس اللحى والتصفيق!

إقرأ أيضاً: الرّقة.. المدينة المنسية!

في ظل هذا اليأس العربي والمعاناة والتردي والانقسام انعقدت قمة البحرين وما على المسؤولين العرب فقط هو الاستعراض بعيداً عن البحث عن حلول جذرية توقف المعتدي الإسرائيلي، بل تراه يزداد تعنتاً وشراسة وعنفاً وتدميراً وقتلاً بشعبنا العربي الفلسطيني الذي يظل بلا حول ولا قوة.. وكل ما يناقشه العرب في قممهم، إذا لم توافق عليه الولايات المتحدة الأميركية يظل مجرد اقتراحات، وكل ما يخرجون به من نتائج لا طعم ولا قيمة له!

إنَّ فرض العقوبات الدولية يلزم الجهات المعنية تطبيقه وتنفيذه، وهذا البند يظل، دون فاعلية، دون أن توافق عليه الولايات المتحدة التي يظل بيدها الحل والربط، وهي صاحبة القرار والكلمة الفصل.

إقرأ أيضاً: الأم الصغيرة

إنَّ إسرائيل، ومهما تلاقي من ضغط من قبل الولايات المتحدة، فإن هذا لا يعفيها من المضي في مشروع تهجير وقتل وإبادة الفسطينيين في ديارهم، وما حدث في غزّة أكبر مثال على ذلك، والنية المبيّتة باقتحام رفح، والمشكلة هناك بعض الدول العربية المحيطة بالأرض المحتلة تقف عاجزة عن اتخاذ أي موقف سلبي حيال ما يحدث، بل على العكس تبارك الحرب والدمار، وما أحدثه العدوان على أهلنا في فلسطين وما سقط في قطاع غزة من وفيات، فإنه يثير القلق تماماً وتجاوز عدد القتلى الآلاف، والحل يظل بيد العرب في حال أرادوا إنهاء الحرب القائمة وهو التلويح بوقف التطبيع مع إسرائيل، أو لمجرد الانسحاب منه.. بالتأكيد أن هذا الإجراء يستبعد حدوثه في ظل الانقسامات بين العرب أنفسهم، وما تضمنه البيان الختامي في القمة العربية في دورتها الـثالثة والثلاثين التي انعقدت في العاصمة البحرينية المنامة يؤكد، وفي كل مرة، على ضرورة انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزّة ورفع الحصار عن القطاع، والعمل على وقف العدوان الإسرائيلي، وخروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من جميع المناطق والقطاع، وإزالة جميع المعوقات، وفتح المعابر أمام إدخال مساعدات إنسانية كافية لجميع أنحائه، وتمكين منظمات الأمم المتحدة وخاصة الأونروا من العمل وتوفير الدعم المالي لها للقيام بمسؤوليتها بحرية وأمان، والدعوة إلى إجراءات عاجلة لوقف إطلاق النار الفوري والدائم، وإنهاء العدوان في قطاع غزة وتوفير الحماية للمدنيين، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، كما أدان البيان وبشدة عرقلة إسرائيل لجهود وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

إقرأ أيضاً: أدوية مهربة ومزيفة!

هذا الكلام المكرر ما زلنا نقرأه في اجتماع قمة عربية، ولكن السؤال متى يُنفذ ما تضمنه البيان الختامي للقمة؟ بالتأكيد لن ينفذ شيء من هذا القبيل، وسيظل كل ما قيل حبراً على ورق!