من تكون.. من تكون.. من تكون..؟!! ليس بصوت العندليب الراحل عبد الحليم حافظ، ولا كلمات الأمير خالد بن سعود، وليست هي نغمات بليغ حمدي.

بل نقولها بأصوات الآلاف بل الملايين ممن لم يسعدهم الحظ بالتعمق في دهاليز وأسرار ومتناقضات عالم السياسة، ونطرحها بعقل من ليس لديهم معرفة بتفاصيل تحليل الشخصية، أو الأنثروبولوجيا الاجتماعية.

تركيا من تكون؟ تساؤل مشروع عن الهوية التركية يطرحة أشخاص أبسط فكراً من كل ذلك، وكل ما يحركهم هو مجرد الملاحظة وتتبع الأخبار والتقارير المتناقضة عن هذا البلد المثير للجدل، وهو بالمناسبة (متناقض تاريخاً وحاضراً).

تركيا مع غزة؟ أم لديها اتفاقيات تعاون عسكري مع اسرائيل؟ وإذا كانت في الأساس مع الحق الفلسطيني فكيف وقعت اتفاقيات تبادل تجاري وتعاون عسكري مع تل أبيب؟ ولماذا هذا الحب الجارف لسلطان المسلمين رجب طيب أردوغان الذي لم يفعل شيئاً لغزة وأهلها سوى التصريحات العنترية على مدار السنوات الماضية.

هذا عن الوضع الراهن للتعامل التركي مع قضية فلسطين أو ما يسمى حالياً بقضية "الترند"، أما عن التعامل التركي تاريخياً مع اسرائيل، فإن تركيا هي أول دولة بها أغلبية مسلمة تعترف بقيام دولة إسرائيل وتحديداً في آذار (مارس) 1949.

وبعيداً عن السياسة على الرغم من أن هناك مليون مؤشر تناقض للسياسات التركية (أو هكذا يبدو للبسطاء مثلي)، بعيداً عن هذه الملفات الشائكة، لم أتمكن أبداً من فهم العقل والهوية التركية "اجتماعياً وثقافياً".

فهناك صورة ذهنية لدى غالبية العرب عن أن التركي (إجمالاً) يتعامل مع السائح العربي بخشونة ترقى في بعض الأحيان للعنصرية كما نشاهد كل يوم في تسجيلات فيديو، وفي نفس الوقت يتم تقديم تركيا لنا باعتبارها جنة السياحة العالمية، فكيف يكون التركي (الشخص العادي) عنيفاً غليظاً مع العربي وغير العربي أحياناً، وفي الوقت ذاته يدير ويعمل في بيزنس السياحة الناجح الذي يقوم في الأساس على التعامل الراقي والحضاري؟

هل تركيا هي حاضنة اللاجئ السوري، التي توفر له حياة كريمة لا تقل عن المواطن التركي، هي نفسها تركيا التي تمارس على هذا اللاجئ العنصرية والتضييق يومياً، بل تهدد أوروبا بقنبلة اللاجئ السوري، وتسخدمه سياسياً؟.

تركيا النظيفة التي تفوق في نظافتها عواصم أوروبية كما يقولون، يجري في شوارعها العدد الأكبر من الكلاب الضالة مقارنة بغالبية دول العالم، فهل هي نظيفة أم مجرد شوراع تسكنها كلاب ضالة 24 ساعة؟

تركيا التي تحلم باليوم الذي تصبح فيه أوروبية قلباً وقالباً، هي نفسها التي لا تطيق أي احتكاك (اجتماعياً أو رياضياً) مع أي دولة أو شخص أوروبي، ويكفي دليلاً ما فعلوه في بطولة أمم أوروبا الأخيرة في ألمانيا التي يعيش بها 3 ملايين تركي.

فقد كان الجمهور التركي هم الهاجس الأمني الأول للشرطة التركية، فقد كان جمهورهم في شوارع المدن الألمانية مثل الذي يخوض حرباً بالمعتى الحرفي للكلمة، وليس مجرد ترفيه رياضي ينتصر من خلاله للوطن وفق أسس تنافسية تتسم بالروح الرياضية.

وقام اللاعب التركي "ميريح ديميرال" بارتكاب مخالفات عنصرية مباشرة مثل إشارة الذئاب الرمادية التي تمثل أشد الأحزاب التركية تطرفاً وانغلاقاً، فهل تريدون الانضمام إلى أوروبا أم ترغبون في أن تقولوا تركيا أولا و أخيراً؟ وقامت الدنيا ولم تقعد بعد إيقاف اللاعب وتم استدعاء السفير الألماني في أنقرة وتدخل الرئيس التركي في القضية التي أصبحت قضية رأي عام في تركيا، على الرغم من أن اللاعب قام بعمل إشارات عنصرية بالفعل.

تركيا زعيمة الإسلام السياسي وحاضنة الإخوان، هل هي تركيا التي يوجد بها وفقاً لاحصائيات لم يتم تحديثها منذ 20 عاماً، 100 ألف فتاة وسيدة تمارس الدعارة بشكل قانوني، والعوائد المالية تقترب من 5 مليارات يورو سنوياً ؟

بقي سؤال أعتقد أن اجابته سوف تكون شبه مستحيلة.. لماذا يتداول العرب مقاطع فيديو ليل نهار للعنصرية التركية التي تصل إلى حد إرهاب السائح العربي في تركيا.. ثم يذهب العرب بالآلاف إلى تركيا؟ هي ليست دعوة للمقاطعة.. لأنني حائر بين مقاطع العنصرية، وأفواج السياح ممن يعشقون تركيا، أي أنني أعود من جديد لأطرح سؤال الأول .. تركيا من تكون؟

من يعلم منكم علم اليقين من تكون تركيا.. أدعوه ليقولها لي بصورة حاسمة "تركيا أفضل مما تناولت وإليك الدليل" أو "تركيا أسوأ بكثير مما تقول وهذه الإثباتات"، فالمهم ألا يستمر تسونامي المتناقضات التركية يعصف بالبسطاء ممن لا يعلمون عن الكثير عن السياسة أو الأنثروبولوجيا.

وهذا عهد ووعد أقطعه على نفسي أن أعود لساحتي الأساسية، ولا أغادر دائرة الكتابة الرياضية أبداً إذا تلقيت إجابات مقنعة لسؤال يقول.. تركيا من تكون؟