منح "برلمان الملالي" الثقة لحكومة خامنئي المكونة من 19 وزيراً في 21 آب (أغسطس). نعم، لا تندهشوا! لم أخطئ عندما كتبت "حكومة خامنئي"، بل هي الحقيقة التي أعلنها مسعود بزشكيان، الرئيس الجديد لنظام الملالي، بوضوح في الجلسة العلنية للبرلمان أثناء دفاعه الأخير عن الوزراء المقترحين للحصول على الثقة. في دفاعه عن قائمة الوزراء وإقناع النواب بمنحهم الثقة، قال بزشكيان للنواب المعترضين: "ذهبت إلى حضرة آقا (خامنئي) وقلت له هذه قائمة وزرائي. لم يقبل (وزير الإرشاد والثقافة الإسلامية) ولم يأتِ! خامنئي شخصيًا اتصل به وقال له يجب أن تأتي! السيدة صادق (وزيرة الطرق والنقل والإسكان) اختارها آقا بنفسه! السيد عراقجي (وزير الخارجية) ذكر اسمه آقا (خامنئي) قبل أن أذكره".

وأضاف بزشكيان مخاطبًا النواب: "لقد نسّقنا وجئنا إلى هنا (البرلمان)، لذا عليكم أن تقبلوا منا كل هؤلاء الأعزاء! لا تُجبروني على الدخول في التفاصيل، امنحوا الثقة لنغادر ونشكل الحكومة...".

ترون أن الحكومة التي ظاهريًا تتكون من وزراء مقترحين من بزشكيان للحصول على الثقة من البرلمان، جميعهم اختارهم خامنئي وأمر بزشكيان بتعيينهم وأملى عليه ذلك. طبيعة ديكتاتورية ولاية الفقيه الحاكمة في إيران هي على هذا النحو، ولا ينبغي أن نتوقع شيئًا آخر. جميع الأمور في يد شخص ولي الفقيه، وإرادة وآراء الناس في إدارة شؤون البلاد لا مكان لها على الإطلاق وتفتقر إلى القيمة.

مع هذه المقدمة الضرورية، سأنتقل إلى موضوع منح البرلمان الثقة للحكومة ونتائج ذلك.

في 21 آب (أغسطس) 2024، منح برلمان الملالي الثقة لجميع الوزراء الذين اقترحهم الرئيس الجديد بزشكيان. يُعَد هذا الحدث هامًا ليس فقط في التاريخ السياسي لإيران، بل أيضًا في تحليل الديناميكيات التي تحكم المشهد السياسي في البلاد. في هذه المقالة، سنتناول أربعة محاور رئيسية تشمل الوضع قبل التصويت، نتائج التصويت مقارنةً بالفترات السابقة، وردود الفعل على تشكيل الحكومة.

1- الوضع قبل التصويت
قبل انعقاد جلسة منح الثقة، كانت الأجواء في المجلس متأثرة بالتوترات السياسية والخلافات الداخلية. تشير التقارير إلى أن الكتلة الثورية الإسلامية في المجلس قد أجرت تصويتًا داخليًا مساء اليوم الذي سبق جلسة منح الثقة لتحديد موقفها من الوزراء المقترحين. في هذا التصويت، حصل أربعة وزراء، بمن فيهم محمد رضا ظفرقندي، وسيد رضا صالحي أميري، وأحمد ميدري، وعبد الناصر همتي، على أقل عدد من الأصوات. بشكل خاص، كان ظفرقندي وصالحي أميري أقل حظًا في الحصول على الثقة خلال الجلسة العامة للمجلس بسبب تدني عدد الأصوات التي حصلوا عليها.

مع ذلك، في يوم التصويت، دافع بزشكيان بشكل قوي عن حكومته المقترحة، محاولًا تقليل الانقسامات والتأكيد على أهمية الوحدة الوطنية. أشار ضمنيًا إلى دور المرشد الأعلى في اختيار بعض الوزراء، وطلب من النواب منح الثقة لجميع الوزراء المقترحين لكي تتمكن الحكومة الجديدة من بدء عملها بسرعة.

2- نتائج التصويت ومقارنتها بالفترات السابقة
أظهرت النتيجة النهائية للتصويت أن جميع الوزراء المقترحين تمكنوا من نيل الثقة. من بين الوزراء المقترحين، حصل عزيز نصيرزاده على أكبر دعم بـ281 صوتًا إيجابيًا و4 أصوات سلبية، بينما كان محمد رضا ظفرقندي الأقل دعمًا بـ163 صوتًا إيجابيًا و87 صوتًا سلبيًا. النقطة المهمة في تحليل هذا التصويت هي تشابه الأصوات السلبية لبعض الوزراء مع نتائج التصويت الداخلي للكتلة الثورية الإسلامية، مما يعكس تأثير جبهة المقاومة في المجلس. تعتبر هذه الكتلة واحدة من أهم التيارات السياسية في المجلس، وتمكنت من عكس آرائها في التصويت النهائي. ومع ذلك، كان الدعم العام لحكومة بزشكيان، بالنظر إلى متوسط نسبة الأصوات الإيجابية، أعلى من حكومة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي. بينما بلغ متوسط الأصوات الإيجابية لحكومة بزشكيان 81.9 بالمئة، كانت هذه النسبة لحكومة رئيسي 77.3 بالمئة.

في تاريخ نظام ولاية الفقيه، منح الثقة لجميع وزراء الحكومة نادر الحدوث، وقد حدث ذلك سابقًا فقط في فترات رئاسة أبو الحسن بني صدر، وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني (الفترة الأولى)، ومحمد خاتمي (لفترتين). هذا الأمر يعكس توافقًا أوسع بين النواب على الحكومة المقترحة من قبل بزشكيان.

3- ردود الفعل على تشكيل حكومة بزشكيان
تفاوتت ردود الفعل على منح المجلس الثقة لحكومة بزشكيان. قدم محمد باقر قاليباف، رئيس المجلس، التهاني على هذا الحدث وأكد على أهمية التعاون والوئام بين الحكومة والمجلس، معربًا عن أمله في أن يؤدي هذا التنسيق إلى حل مشكلات الشعب.

في تغريدة له، وصف محمد جواد ظريف، وزير الخارجية السابق، هذا الحدث بأنه نجاح استراتيجي للرئيس في خلق توافق داخل النظام السياسي، معربًا عن أمله في أن يمتد هذا التوافق إلى المجال العام للمجتمع.

من جهة أخرى، اعتبرت آذر منصوري، رئيسة جبهة الإصلاحات، منح الثقة للحكومة خطوة مهمة نحو تعزيز المشروع الوطني، مشيرة إلى الجهود المبذولة لرأب الصدع بين الحكومة والشعب. لكن في المقابل، أشار الملا حميد رسائي، أحد رموز جبهة المقاومة في المجلس، إلى الدور الهام للمرشد الأعلى في تأييد الحكومة، وأكد أن الوزراء يجب أن يعملوا ضمن إطار السياسات العامة للنظام والقيادة.

4- ردود الفعل الانتقادية والتحليلات المختلفة
قناة "وقت آزادی" على تلغرام، التي تتبنى مواقف معارضة للنظام، أشارت إلى تصريحات بزشكيان في دفاعه عن الحكومة، وانتقدت بشدة هذه التصريحات. كتبت القناة أن بزشكيان بإشارته إلى اختيار وزير الثقافة، الذي لم يكن في البداية راغبًا في قبول المنصب، أظهر ضمنيًا أن القرارات تُتخذ في مستويات أعلى، وأن المجلس يقوم فقط بالمصادقة على هذه القرارات. واعتبرت القناة أن هذا الوضع يعكس "النظام السلطاني"، وقارنته بالاستبداد، مع فارق أن التاج الملكي قد استبدل بالعمامة.

من جهة أخرى، قالت مريم رجوي، من معارضي النظام، في تصريحات مماثلة، إن الحكومة الجديدة ليست سوى أداة في يد خامنئي والحرس الثوري، مشيرة إلى أن السياسات الرئيسية للنظام، مثل القمع الداخلي والمشاريع العسكرية والإرهابية، ستظل كما هي. وأضافت نقلاً عن بزشكيان أن الحكومة الجديدة ستعمل وفقًا للسياسات التي حددها المرشد الأعلى.

الخاتمة
رغم أن منح الثقة لحكومة بزشكيان يُعتبر ظاهريًا دليلاً على التوافق والوئام بين السلطات الثلاث، إلا أنه يعكس في عمقه تعقيدات سياسية وتداخلًا في أدوار المؤسسات المختلفة في اتخاذ القرارات الكبرى في البلاد. هذا الحدث يمثل بداية مرحلة جديدة في السياسة الإيرانية، حيث يزداد دور التنسيق بين المؤسسات المختلفة لتحقيق الأهداف الوطنية. ومع ذلك، تُظهر ردود الفعل المختلفة أن التحديات السياسية لا تزال قائمة، ومن المثير للاهتمام متابعة كيفية تنفيذ هذا التوافق والوئام في الواقع، ومدى قدرته على تحقيق وعود حكومة بزشكيان.

كتبت السيدة مريم رجوي في حسابها على منصة X بخصوص منح البرلمان الثقة لحكومة بزشكيان: "الرئيس الجديد لخامنئي، في خضم الإعدامات، شدّد على ولائه وولاء وزرائه لولاية الفقيه، وناشد برلمان الرجعية أن يمنح الثقة لحكومته للخروج من 'الأزمات'. كل شيء يُظهر حقيقة أن الحكومة الجديدة للملالي، مثل الحكومات السابقة، هي أداة بيد خامنئي والحرس الثوري، ولا تختلف في العناصر الأساسية لسياسة النظام، لا سيما في القمع والنهب والمشاريع النووية والإرهاب وإشعال الحروب الخارجية. ليس من المستغرب أن بزشكيان قال في جلسة البرلمان للنظام عن نفسه وعن وزرائه: 'ثقوا بنا، الأمر ليس كما لو أن أحدهم سيأتي ليكون في مواجهة ولاية الفقيه، وسأقبل به'. وأقسم: 'والله، نريد الوصول إلى تلك الرؤية التي حددها القائد الأعلى بقوة!'".