السعودية والإمارات وقطر وعمان والبحرين بخير ثقافياً، ولكن الكويت ليست بخير وهو أمر مؤسف في عالم تتصارع فيه الأحداث وتتكاثر التشنجات الدينية بين تيار سني متشدد وأخر شيعي ينافس الأول وتيار يرجح وهم إعادة المجد للجهاد في عصر مدني!
على مسرح الكويت، لم تهدأ رياح وعواصف التطرف الديني والإرهاب الفكري في هذه الدولة التي يفترض أن تكون محصنة ثقافياً ودينياً كما عرفها التاريخ المبكر في التصدي المستنير للحركة الوهابية بوقت كان للتزمت والتشدد أكثر من مأوى في المحيط المجاور.
السعودية لم تطلب من شيوخ الدين أو رجال الفكر مناقشة التزمت الاجتماعي والتطرف الديني بعد سنوات من توغل التيار المتشدد، بل حمل الخطاب السياسي والديني ولي العهد ورئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بنفسه ووجهه عبر المنابر الإعلامية داخل السعودية وخارجها.
قاد الأمير محمد بن سلمان المناقشة الدينية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والثقافية معلناً عن مرحلة جديدة تدحض ما سبقها من ممارسات وتفسيرات خاطئة ووصاية على الدين وهيمنة دينية على المجتمع والدولة.
باشرت، من جانبها، الإمارات بشكل صريح ودون مبالغة أو مداورة التصدي الفكري والسياسي عبر مراكز بحث علمية وإجراءات قانونية صارمة ضد جماعة "الإخوان"، ومثل هذه العمل السياسي شق الطريق في البحرين وعمان وقطر التي تستضيف قادة "حماس"!
استضافة قطر لحركة "حماس" ومنظرين "الإخوان" كانت ورقة ضغط سياسي في الساحتين الدولية والإقليمية، ولكن دون تمدد فكر "الإخوان" في المجتمع القطري والدولة، فقد تجمد خطاب التحريض للقرضاوي مع مماته وتولي غيره مهمات إعلامية خارجية تحت رقابة وتوجيه.
لفترة طويلة ظل القرار في الكويت بعيداً عن المساس بعصب "الإخوان" وواجهاتهم الاجتماعية لظروف سياسية حساسة -ربما- ولكن هذا لا يبرر تأجيل المناقشة العلمية والإعلامية والسياسية لجماعة "الإخوان" والتطرف الديني بشقيه السني والشيعي.
المنابر الإعلامية الرسمية في الكويت كثيرة للغاية وتستنزف أموالا طائلة ودون أهداف تنويرية وخطط محكمة لإعادة صياغة الخطاب الديني وتفكيك الارتباط التقليدي مع الشريعة من خلال مناقشة ثقافية وفكرية محايدة وعلمية وليس التمرد عليها.
الخطاب الديني التقليدي يحيل كل جانب معرفي إلى الكتاب، القرآن، والسنّة لمزيد من التقديس للنصوص والتفسير الجامد ونفي مناقشة العقل إلى درجة عدم القبول بمبدأ علمي لبحث التفاصيل الفقهية المشروعة وغير المحرمة دون تعميم أعمى!
القضية، علاج التطرف الديني، ليست مناقشة علمانية أو المساس بالمحرمات وتحديها، وانما مناقشة للجمود في الفهم البشري للنصوص الدينية والفقهية واجتهادات بلغت حد التطرف عبر نافذة الجهاد وإعادة المجد لتراث الدولة الإسلامية!
الكويت ما زالت مترددة في الاعتراف بأن الصحوة الدينية حفزت العنف الديني والإرهاب الفكري والتطرف الديني والفارق الحديث هو أن الصحوة باتت تستهدف المجتمع والدولة كامتداد لتاريخ احتكار "الإخوان" للعمل السياسي والديني وهيمنة التيار الديني المتطرف!
إن غباب المناقشة العلمية والعلنية عبر منابر إعلامية رسمية للتطرف الديني ومصادر الإرهاب الفكري والعنف الديني لا تشجع على تنشئة اجتماعية سليمة وتهيئة الأفراد والمجتمع لتصبح شرائح فاعلة ضد التطرف الديني في البيوت والمدارس وأجهزة الدولة.
علاج التطرف ليس ثورة تمرد ضد الشريعة الإسلامية التي شوهتها التفسيرات الفردية العنيفة وغير المنطقية، وانما تصحيح مفاهيم اجتماعية ودينية والانفتاح على الرأي العلمي والتفكر في النصوص الدينية بعقلانية وحكمة لترسيخ الإنسانية في المجتمع والدولة وهي ليس دعوة ضد الدين.
الكويت، يمكنها النهوض بالثقافة نحو مساحات دينية أمنة ومعتدلة ورحبة وأفاق تعليمية مميزة تقوم على أساس قيم الحياة والإنسانية لوأد تمدد الفكر الديني المتطرف والعنف السياسي وأفول الدولة المدنية!
علاج التطرف الديني ليس تمرد على الشريعة الإسلامية أو انتصار للعلمانية وانما هو انتصار للحريات المدنية والتفكير العقلاني وتمكين الفرد من مواجهة التحديات والتهديدات بتسامح ديني حتى يتوقف صراع الإنسان ضد الإنسان، أي صراع دموي على الأرض ضد الأبرياء!
*إعلامي كويتي
التعليقات