نجحت إيران وحرسها الثوري في خلق واقع يثبت إحدى أدواتها بعد كل حرب أو تصعيد عسكري في منطقة الشرق الأوسط. فمن حزب الله إلى الميليشيات المنتشرة في العراق وسوريا، إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وصولاً في النهاية إلى جماعة الحوثي، أحدث الميليشيات التي تنتمي إلى الحيز المالي والسياسي للمد الإيراني. يحاول نظام الملالي تمزيق المنطقة ليسهل عليه السيطرة والتحكم بقراراتها لتنفيذ أجنداته الساعية إلى بلورة مشروعه باستعادة أمجاد الدولة الصفوية، الداعية إلى تفوق العرق الفارسي على العربي.

لسنا بصدد مراجعة انطلاقة ميليشيا الحوثي أو ظروف نشأتها، بقدر التركيز على الواقع الذي يتم تكريسه اليوم في المنطقة، باعتبار أنَّ هذه الجماعة تعدّ لاعباً له دور في الحرب الدائرة وتداعياتها المستمرة. فالتعظيم الذي تمارسه إيران ووسائل إعلامها والمحور التابع لها، لدفع الحوثي إلى الصفوف الأولى، وتماهي القوى الغربية في فتح هامش له لاستعراضات عسكرية، ينذر بالخطر القادم، مع استمرار هذه الجماعة في سلوكها الميليشياوي كقاطع طريق.

وظيفة الحوثي اليوم ليست وقف الحرب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فصاروخ واحد لن يغير واقع معادلة الحرب ولن يؤثر على مسارها، بل الهدف هو إرسال رسائل إلى دول الشرق الأوسط حول الإمكانيات العسكرية التي أصبحت بحوزة الميليشيا، ودورها المقبل في ضبط إيقاع المنطقة لخدمة النفوذ الإيراني.

إقرأ أيضاً: الضفة الغربية بين المطرقة الإسرائيلية والسندان الإيراني

إيران باتت تدرك أن سقف الصراع مع الولايات المتحدة، بمقاربته الحالية، لن يخدم مخططاتها وأجنداتها. لذلك، بدأت بتحريك أذرعها وأدواتها تحضيراً لمسار جديد يتطلب إدخال دول، خاصة في منطقة الخليج العربي، في دائرة الصراع، بهدف تحقيق اختراق في حالة الجمود السياسي التي افتعلتها منظومة اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، مستغلة احتدام المعركة الانتخابية الأميركية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وغياب الضغوط الدولية لإيجاد صيغة تهدئة توقف الحرب.

إقرأ أيضاً: حواضن "النفوذ الإيراني" الفوضوية

صاروخ الحوثي لن يصرف النظر عن ارتفاع وتيرة التصعيد في جبهة جنوب لبنان. فالحرب بين حزب الله وإسرائيل أصبحت مسألة وقت. إيران تدرك أنَّ قدرات الحزب باتت على المحك، خاصَّة بعد نجاح إسرائيل في الحد من القدرات العسكرية لحماس، مما سيؤثر على موقف طهران التفاوضي، والتي لا تريد إنهاء الحرب بوفاض خاوٍ. لذلك، لا بدَّ من تحضير ورقة الحوثي لتكون وسيلة تهديد لحلفاء واشنطن في المنطقة، تمنحها أفضلية سياسية للاستمرار في مشروعها الاستعماري للمنطقة.