احتضن السعوديون القضية الفلسطينية منذ أن احتلت فلسطين عام 1948، حيث شاركوا مع الدول العربية في الحروب التي خاضها العرب ضد إسرائيل في جميع المراحل وعلى كافة الجبهات. حتى إن قرار قطع النفط السعودي عن العالم كان له الأثر الفعّال في حرب تشرين (أكتوبر) 1973. وبقيت السعودية تقدم المساعدات المالية للفلسطينيين في جميع المراحل، أملاً في تحقيق هدفهم المنشود.

كنت في العام 1973 طفلاً في الصف الثاني الابتدائي، وقد شاهدت حاملات الدبابات تعبر أراضي البادية الأردنية الشمالية الشرقية من حدود حديثة العمري الأزرق عبر قرية صبحا التي تسكنها قبيلة السردية التي أنتمي إليها. توقفت الناقلات التي تحمل الدبابات على مشارف بلدتنا الصغيرة الواقعة على بُعد كيلومتر واحد من الحدود مع سوريا في البادية الأردنية. حينها، تجولنا نحن الصغار بين الدبابات والجنود الملتحين الذين كانوا يصلون صلاة الظهر في صفوف طويلة بجانب الناقلات. كان مشهداً مهيباً. لم نفهم معنى الحرب حينذاك، ولا لماذا كان هذا الجيش موجوداً وإلى أين سيذهب، إلا أننا أدركنا شيئاً واحداً: لقد أعطونا نقوداً معدنية وورقية تُسمى ريالات، ولم نكن نعلم كيف تُصرف وأين. مع أن أهالينا حثونا على عدم قبول هذه الهدايا، إلا أن الجنود أصروا قائلين إنها زكاة. لم نكن نعي معنى الزكاة في ذلك العمر الصغير. حاول الأهالي إرسال الطعام لهؤلاء الجنود، لكنهم كانوا يرفضون بشدة. عندما كبرنا، علمنا أن هذه الجيوش كانت في طريقها إلى الجولان للمشاركة في الحرب إلى جانب الجيش السوري، وكانت قد التحقت بهم كتائب من الجيش العراقي وكتيبتان من الجيش الأردني، وكان عمي وأبي في صفوفهما.

إقرأ أيضاً: ابتسامات بوتين في الرياض

ما قاله ولي العهد السعودي من أن لا علاقات مع الإسرائيليين دون قيام دولة فلسطينية، هو قول حق يراد به حق. ويا ليت من عقد اتفاقيات سلام من العرب مع إسرائيل في السابق أصر على مثل هذا الشرط، لوفرنا على العرب آلاف الضحايا منذ كامب ديفيد إلى اليوم. ولو أن الفلسطينيين حينما عقدوا سلامهم مع إسرائيل في اتفاقية أوسلو عام 1993، كان لديهم هذا الشرط، لما رأينا اليوم غزة تُقصف وتُدمر كما نشاهدها عبر الشاشات. فلم تكن أغلب الدول العربية بحاجة إلى سلام مع إسرائيل، بل إن السلام هو ما تحتاجه إسرائيل، لأنها العنصر الغريب في محيط عربي كبير.

إقرأ أيضاً: العرب والخديعة الكبرى

نحيي القيادة السعودية على هذا القرار العروبي السديد، ونشد على أيادي من يقف إلى جانب هذا القرار من الساسة العرب. فالسعودية ليست بحاجة إلى إسرائيل أو الغرب، فهي شبه قارة تمتلك من الموارد والمال والخيرات والشعب الأبي ما لا تملكه الكثير من الدول. وعليه، فإن الشرط السعودي لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل أثلج صدور العرب، وأحرج الكثيرين ممن تسابقوا للتقرب من إسرائيل. فالسعودية أصبحت القلعة المتبقية في المحيط العربي الكبير، وإن تنازلت عن حقوق المعثرين والمهجرين والمشردين واللاجئين، فإن استباحة العروبة ستصبح أمراً هيّناً على إسرائيل وأخواتها.

حمى الله السعودية والعروبة وديار الإسلام.