إلى الشهيد مشعل التمو وأسرى الرأي في سجون الطاغية الأسد

يُعدّ سجن صيدنايا (اضغط هنا لقراءة الجزء الأول من المقال) من أكثر السجون المشهورة بسمعتها السيئة في سوريا. يمثل السجن نموذجًا مرعبًا للعنف الممنهج الذي يمارسه النظام السوري بحق المعتقلين، سواء كانوا سياسيين أو مدنيين عاديين. من خلال تصميمه المعماري القاسي، يكشف السجن عن هدفه الأساسي: القمع والتعذيب بعيدًا عن أنظار العالم. وقد تم إنشاء سجن صيدنايا -كما أشرنا- في سنة 1987 في منطقة جبلية معزولة تقع شمال دمشق، على بُعد حوالي 30 كيلومترًا من العاصمة. يعكس اختيار الموقع استراتيجية مقصودة تهدف إلى تعزيز عزلة السجن وإبعاده عن الحياة المدنية. هذه العزلة الجغرافية تضيف المزيد من السرية حول كل ما يجري داخل هذا المكان المخيف. يُعدّ السجن جزءًا من شبكة مترامية الأطراف من السجون والمراكز الأمنية التي تنتشر في مختلف أنحاء البلاد، وكلها تهدف إلى تحقيق الهيمنة الكاملة على المعتقلين.

يبدو سجن صيدنايا للوهلة الأولى كقلعة عسكرية، صُمّم ليكون منفصلًا تمامًا عن العالم الخارجي. يتكون السجن من عدة طوابق، بعضها يقع تحت الأرض، ما يزيد من صعوبة الوصول إلى المعتقلين داخله. يعكس التصميم هدفًا واضحًا يتمثل في إبقاء المعتقلين في عزلة تامة، بحيث لا تصل إليهم أي مساعدة ولا تسرب أي معلومة عن أحوالهم إلى الخارج. يضم السجن مباني تحتوي على زنازين وغرفاً بأحجام مختلفة. تُخصَّص هذه الزنازين حسب تصنيف المعتقلين، حيث صُممت لتكون ضيقة جدًا ومظلمة. الحياة داخل الزنازين تجعل السجناء يعانون من غياب الضوء الطبيعي والهواء النقي، ما يحول حياتهم إلى معاناة يومية مستمرة.

تتسم الزنزانة الفردية بصغر مساحتها التي بالكاد تكفي لجسد الإنسان، إضافة إلى افتقارها لأبسط مقومات الحياة. لا توفر الزنازين أي تهوية أو إضاءة، ما يجعلها بيئة مثالية لانتشار الأمراض. وتُذكر تجارب المعتقلين مع الحشرات، مثل الصراصير التي تصبح جزءًا من يومياتهم، أو مع القطع البسيطة كعجوة الزيتون التي يعلّقون عليها أحلامهم الصغيرة وسط الألم النفسي والجسدي.

الطوابق السفلية
تُعد الطوابق السفلية من أكثر الأجزاء إثارة للرعب في سجن صيدنايا. هذه الطوابق مُخصصة لتعذيب المعتقلين واحتجازهم في ظروف غير إنسانية. تتميز الزنازين في هذه الطوابق بظلامها الحالك وضيقها الشديد، إضافة إلى انعدام التهوية تمامًا. الرطوبة والحرارة المرتفعة تجعلان هذه المساحات خانقة للغاية، لتتحول إلى بيئة تعذيب بحد ذاتها.

الطوابق السفلية ليست مجرد أماكن احتجاز، بل هي مراكز لتنفيذ أساليب تعذيب مروعة. تتحدث التقارير عن استخدام أدوات مثل مكابس لهرس الأجساد، والصعق الكهربائي، إضافة إلى حبال للشنق. كل زاوية من زوايا هذه الطوابق تحكي قصة رعب: ممرات ضيقة، جدران مغطاة بآثار دماء، ورائحة عفن متراكمة تعكس وحشية المكان.

لم تكن التهوية أو الإضاءة من الاعتبارات التي أُخذت في تصميم سجن صيدنايا. في الطوابق السفلية، يعاني المعتقلون من نقص شديد في الأوكسجين، إلى جانب غياب تام للضوء الطبيعي. هذا الحرمان المتعمد جعل الحياة داخل السجن أشبه بعقوبة إعدام بطيئة، حيث يترك السجناء يعانون من ضغوط نفسية وصحية خطيرة. كثيرون منهم فقدوا ذاكرتهم أو أصيبوا بانهيارات نفسية نتيجة هذه الظروف غير الإنسانية.

الحياة داخل الطوابق السفلية
الحياة في الطوابق السفلية كانت أقرب إلى الجحيم المستمر. الطعام شحيح ورديء الجودة، وغالبًا ما يكون ملوثًا. المياه المستخدمة في الشرب والاستحمام غير نظيفة، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض بين المعتقلين. الحمامات المشتركة تضيف إلى معاناتهم، حيث تتحول إلى مصدر للعدوى وانتقال الأمراض. لقد كان الهدف من تصميم الطوابق السفلية هو إحداث أكبر قدر ممكن من الألم النفسي والجسدي للمعتقلين. لم يكن الأمر يتعلق فقط بحرمانهم من حقوقهم الأساسية، بل بمحاولة تدميرهم بالكامل، جسديًا ونفسيًا. تمثل هذه الطوابق رمزًا للرعب والقمع، حيث تسلب الإنسان كرامته وتجعله يفقد كل أمل في النجاة.

إنَّ سجن صيدنايا لا يمكن اختزاله في كونه مجرد بناء. إنه تجسيد مادي لسياسة ممنهجة تهدف إلى سحق الإنسان وتحطيمه. من خلال التصميم الهندسي الذي يعزل المعتقلين عن العالم الخارجي، والزنازين التي تقتل الروح قبل الجسد، والطوابق السفلية التي تجعل كل لحظة تعذيبًا لا ينتهي، يظل هذا السجن شاهدًا على أسوأ الانتهاكات التي تعرض لها البشر في ظل هذا النظام.


* خلاصات ونتاج صورة انطباعية ومصادر ومراجع أنترنيتية متعددة معدة.
المصطلحات الواردة مستخدمة من قبل دراسات ومختصين - على نحو مسبق - ولا ابتكار فيها من قبل الكاتب، فهي عامة