بخطى واثقة تعلن مسيرة الإمارات عن نفسها في سباق الزمن، ليس كمنافس عادي، بل كفريق يكتب قواعد اللعبة ذاتها. في مشهدٍ استثنائي وسط عاصمة الاتحاد "أبو ظبي"، حيث تلتقي إرادة الماضي بإنجازات الحاضر وطموحات المستقبل، انعقدت الاجتماعات السنوية لحكومة الإمارات 2025، لتكون أكثر من مجرد مناسبة روتينية، بل تمريناً وطنياً شاملاً يجسد فلسفة التطور الدائم والمراجعة المستمرة التي تميز النموذج الإماراتي الفريد.

من على منصة هذا المحفل الاستثنائي، كشف د. محمد عبد الله القرقاوي عن رقمٍ يختزل مسيرة ثلاث سنوات من العمل الدؤوب والرؤية الثاقبة: 67 بالمئة من مستهدفات "رؤية نحن الإمارات 2031" أصبحت حقيقة ملموسة، ليبقى أمام الدولة ست سنوات فقط لتحقيق الطموح الكامل. لكن اللافت في الخطاب الإماراتي أنه لا يستقر عند حدود الإنجاز، بل يتحول فوراً إلى استشراف المستقبل، حيث يتحول السؤال الجوهري من "ماذا أنجزنا؟" إلى "ماذا سنضيف في 2026؟ وكيف نغلق الفجوات المتبقية؟ وكيف نضمن أن تظل الإمارات في الصدارة في عالم لا ينتظر أحداً؟".

هذه الأسئلة الاستباقية تأتي في وقتٍ يعيش فيه العالم حالة من القلق الدائم والتحولات المتسارعة، بين صراعات جيوسياسية متصاعدة واقتصاد عالمي متباطئ وسباق محموم على الذكاء الاصطناعي والفضاء والطاقة. وفي خضم هذه العواصف العالمية، تبرز المفارقة الإماراتية في قدرة الدولة على تحويل التحديات إلى فرص، مستندة إلى رؤية قيادية استثنائية رسمت ملامح التوازن الجديد بين الشرق والغرب، وتبنت التكنولوجيا المتقدمة، وكرست بناء الإنسان الإماراتي الواعي، ورسخت قيم التسامح في عالم يزداد انقساماً وتطرفاً.

هذه العقلية الاستباقية أنتجت مؤشرات اقتصادية أشبه بقصة نجاح أسطورية، حيث جاءت الدولة الأولى عالمياً في 264 مؤشراً، ومن أفضل 5 دول في 504 مؤشرات، ومن أفضل 10 دول في 710 مؤشرات عالمية، في وقتٍ يتوقع فيه صندوق النقد الدولي أن يصل نمو اقتصاد الإمارات إلى 4.8 بالمئة لهذا العام، متجاوزاً المتوسط العالمي بنسبة ملحوظة. كما بلغت قيمة التجارة الخارجية غير النفطية ما يقارب 3 تريليونات درهم في 2024، بينما ارتفعت مساهمة الناتج المحلي غير النفطي إلى 77.5 بالمئة في النصف الأول من 2025، في مسيرة متسارعة نحو الهدف الطموح البالغ 80 بالمئة قبل 2031، مما يؤكد نجاح استراتيجية التنويع الاقتصادي التي أطلقها القادة منذ سنوات.

هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات باردة، بل هي شواهد حية على ولادة نموذج اقتصادي جديد، تجسد عملياً رؤية سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأن "المركز الأول ليس موقعاً على خارطة المؤشرات، بل عقلية في الإدارة، وثقافة في الفرق، ومنهجية في التنفيذ". وهي نفس العقلية التي تجلت بوضوح عندما تحدث سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في 2015 عن "تصدير آخر برميل نفط"، لتعقد بعدها "خلوة ما بعد النفط" في منطقة المرموم التي أثمرت اليوم عن هذا التحول الاقتصادي التاريخي، محققة قفزة من 69 بالمئة إلى 77.5 بالمئة في مساهمة القطاع غير النفطي خلال عقد فقط.

ولا تزال الإمارات تواصل تفوقها في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر الذي بلغ أكثر من 167 مليار درهم، محتلة المركز العاشر عالمياً، بينما احتلت المركز الخامس في التنافسية العالمية، والرابع في الكفاءة الحكومية، والأول عالمياً في تبني الذكاء الاصطناعي في مكان العمل، بالإضافة إلى مركزها المتقدم في الأمن السيبراني واستقطاب أصحاب الثروات للسنة الثالثة على التوالي. هذه الإنجازات المتلاحقة تؤكد أن الدولة تسير على قاعدة راسخة تقوم على ثلاثية متكاملة: قيادة حكيمة ترسم الخارطة، وشعب طموح يقطع المسافات، وحكومة تعمل بروح الفريق الواحد.

وفي مشهد يعكس عمق الرؤية الإماراتية، أشار القرقاوي إلى أن عام 2025 يمثل أفضل عام اقتصادي في تاريخ الدولة، حيث حققت الإمارات خلاله إنجازات استثنائية على عدة جهات في وقت واحد، بدءاً من التوسعة الكبرى لمراكز البيانات عبر شراكة مايكروسوفت وG42، ومروراً بتعزيز مكانتها في منظومة الطاقة العالمية، ووصولاً إلى ترسيخ حضورها الدبلوماسي والإنساني على الساحة الدولية، مما يؤكد أن دور الدولة يتجاوز المشاركة إلى التأثير الفعلي وصياغة اتجاهات جديدة في التعاون العالمي.

ففي عالمٍ لا ينتظر أحداً، تثبت الإمارات أن المكانة الدولية لا تُمنح، بل تُصنع، تصنعها شجاعة الحلم، وجرأة القرار، وإصرار أن يكون الوطن الأفضل. والهدف واضح وثابت، أن تكون دولة الإمارات أفضل دولة في العالم، وأن تكون في كل عام أفضل من العام الذي سبقه، مستمدة قوتها من روح الاتحاد وروح أبناء زايد التي تتحول بها التحديات إلى سلم للصدارة، وتكتب بها الإمارات، بكل ثقة، فصلاً جديداً من قصتها مع العظمة، حيث يتحول الطموح من شعار إلى واقع، والقيادة من موقع إلى رسالة، والوطن من مكان إلى نموذج يُحتذى به على مستوى العالم أجمع.