في ظل التحوّلات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، يجد النظام الإيراني نفسه اليوم في وضع لا يُحسد عليه أبداً. ففي وقت يتراجع فيه دوره وتأثيره الإقليمي بصورة ملفتة للنظر، يتابع المسؤولون في طهران الأحداث بقلق بالغ، وكأنهم ينتظرون مصيراً محتوماً في نفق مظلم لا ضوء في نهايته. إن الزلزال السياسي والعسكري الذي واجهه النظام خلال العام الماضي وبدايات هذا العام، أثبت بما لا يدع مجالاً للشك خطأ حساباته الاستراتيجية التي راهن فيها بثروات ومقدّرات الشعب الإيراني على مشاريع مشبوهة وعابرة للحدود.
لقد اعتقد النظام، وهو يعمه في غيّ نهجه العدواني، أن فرض خياراته عبر ميليشياته وإثارة الحروب والأزمات يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. لكن الواقع أثبت أن "ما بُني على الباطل فهو باطل". واليوم، لا يواجه النظام عزلة دولية وعقوبات متزايدة فحسب، بل يواجه تحدّياً داخلياً غير مسبوق، حيث تقف "وحدات المقاومة" التابعة لمنظمة مجاهدي خلق بالمرصاد لكل تحرّكاته، محوّلةً غضب الشارع إلى فعل سياسي منظّم. وما شعار "اتركوا لبنان، وفكّروا في حالنا" الذي ردّده المحتجّون مؤخراً، إلا صرخة وعي تؤكّد أن الشعب بات يربط مباشرة بين هزيمة المشروع الإقليمي وبين تردّي أوضاعه المعيشية.
وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل هذا الانهيار هو مجرّد صدفة تاريخية؟ الإجابة تكمن في وجود "البديل الديمقراطي" الذي ظل يقارع هذا الاستبداد منذ عقود. فمنذ تأسيس المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في 21 تموز (يوليو) 1981، أثبت هذا المجلس قدرة فذّة على إدارة الصراع، متجاوزاً الجدران الأمنية والقبضة الحديدية للنظام التي لم تستثنِ حتى السجناء السياسيين، حيث ارتكب النظام إبادة جماعية بحق 30 ألفاً منهم في عام 1988 في محاولة يائسة لاستئصال شأفة المعارضة.
إن قوة هذا البديل تكمن في استراتيجيته النوعية التي تعتمد على "وحدات المقاومة" في الداخل، والتي نجحت في اختراق المنظومة الأمنية وتوجيه ضربات نوعية للنظام. وفي المقابل، نجح المجلس دولياً في كسر سياسة "الاسترضاء" التي كانت طهران تراهن عليها. لقد قام النظام بربط علاقاته الاقتصادية مع دول العالم بشرط عزل المقاومة، ولكن المجلس استطاع بجهود دؤوبة أن يفتح أبواب مجلس الشيوخ الأميركي، والبرلمان الأوروبي، والجمعية الوطنية الفرنسية، وغيرها من المحافل الدولية، صانعاً جبهة عالمية تقف بوضوح خلف "خطة النقاط العشر" للسيدة مريم رجوي.
إن الدعم الثنائي الواسع الذي أعلنه الحزبان الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة خلال مؤتمر 19 كانون الأول (ديسمبر) 2025، لم يكن مجرّد لفتة دبلوماسية، بل هو اعتراف دولي صريح بأن هذا المجلس هو البديل الوحيد الجاهز لقيادة مرحلة الانتقال. وكما أكّد وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، فإن النظام يظهر اليوم "المؤشرات الكلاسيكية للإنهاك"، وهي الدلالات التي تسبق السقوط النهائي لأي نظام دكتاتوري.
وفي الختام، يجب التأكيد على أن محاولات النظام للتغطية على أزماته عبر الاستعراضات العسكرية المكشوفة لن تُجدي نفعاً بعد اليوم. لقد ثبت للجميع أن "الأفعى لا تلد حمامة"، وأن هذا النظام غير قابل للإصلاح البنيوي، فهو قائم على تصدير الإرهاب كركيزة لبقائه. لذا، فإن الحل في إيران لا يكمن في الحروب الخارجية ولا في سياسة الاسترضاء الفاشلة، بل في دعم خيار الشعب الإيراني ومقاومته المنظّمة. إن الطريق بات معبّداً نحو التغيير، وإيران اليوم، أكثر من أي وقت مضى، في انتظار فجر جديد ينهي هذا النفق المظلم، لأن إسقاط هذا النظام هدف لا مفرّ منه























التعليقات