لم يعد خافياً على أحد، لا في الداخل الإيراني ولا في الأوساط الدولية، أن نظام الملالي يعيش أشد مراحله حرجاً وتأزّماً. فبينما يحاول "خامنئي الجلّاد" يائساً ترميم جدار الرعب المتصدّع عبر ماكينة الإعدامات الوحشية التي لم تتوقّف لحظة واحدة، تأتي الصفعة الدولية الجديدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتدقّ مسماراً آخر في نعش شرعية هذا النظام المتهالك. إن تبنّي القرار الثاني والسبعين (72) لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان في إيران ليس مجرّد رقم يُضاف إلى سجل أسود، بل هو اعتراف عالمي بـ"حرب" يشنّها هذا النظام ضد شعبه، وتأكيد على أن سياسة الهروب إلى الأمام عبر القمع والدم لم تعد تُجدي نفعاً.
لقد حمل القرار الأممي الأخير، الذي تم تبنّيه يوم 18 كانون الأول (ديسمبر) 2025 بأغلبية 78 صوتاً، دلالات نوعية غير مسبوقة. فلأول مرة، تتم الإشارة بشكل صريح إلى "مجزرة عام 1988" وضرورة إنهاء الإفلات من العقاب لمرتكبي هذه الجرائم ضد الإنسانية. هذا التطوّر، الذي رحّبت به السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية، يمثّل انتصاراً لدماء الشهداء ولمقاومة لم تُساوم يوماً. كما أن تقارير السيدة "ماي ساتو"، المقرّرة الأممية الخاصة، التي وصفت أرقام الإعدامات في عام 2025 بأنها "غير مسبوقة في التاريخ الحديث"، تفضح الطبيعة الإجرامية لنظام لا يملك للبقاء سوى حبل المشنقة.
لكن، لماذا هذا السعار في القتل؟ ولماذا تجاوزت أعداد الإعدامات الألفين حالة في عام 2025 وحده، في رقم قياسي مروّع؟ الجواب يكمن في "البركان الاجتماعي" الذي يغلي تحت أقدام الملالي. إن المجتمع الإيراني اليوم ليس كما كان قبل سنوات، إنه في حالة "وضعية انفجارية" كاملة.
انظروا إلى ما يحدث في "عسلوية"، شريان الحياة الاقتصادي للنظام، حيث يواصل آلاف العمّال في قطاع النفط والغاز إضراباتهم واحتجاجاتهم بشجاعة نادرة، رافعين شعارات تزلزل أركان النظام: "كفى وعوداً، موائدنا فارغة". هذه ليست مطالب فئوية فحسب، بل هي صرخة "جيش الجياع" الذي نهب الملالي ثرواته لإنفاقها على الحروب بالوكالة والقمع الداخلي. إن التحاق المتقاعدين والممرّضين والطلاب في طهران وجرجان والأهواز بهذه الموجة الاحتجاجية يؤكّد حقيقة واحدة: الأزمة شاملة، والحلول الترقيعية التي يطرحها رئيس النظام الجديد ليست سوى سراب.
يحاول خامنئي، من خلال تسريع وتيرة الإعدامات واستهداف الشباب المنتفض، مثلما نرى في قضية بطل الملاكمة "محمد جواد وفايي ثاني" الذي يواجه خطر الإعدام الوشيك، أن يبعث برسالة ترهيب للمجتمع لأنه من أنصار منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. إنه يريد القول بأن "الثمن غالٍ". لكن الرد يأتيه من داخل السجون عبر حملة "ثلاثاءات لا للإعدام"، ومن الشوارع عبر عمليات "وحدات المقاومة" التي تواصل استهداف رموز القمع بلا هوادة. لقد انكسر حاجز الخوف، وتحولت كل عملية إعدام إلى وقود جديد لإشعال غضب الشارع بدلاً من إخماده، لأن "متغيّر الخوف والذعر" بات ينتقل من معسكر الحراك الشعبي المطالب بإسقاط النظام إلى معسكر النظام ومواليه.
إن النظام يواجه اليوم عزلة خانقة. دولياً، هو مُدان بأغلبية ساحقة، وملفاته الإجرامية، من النووي إلى الإرهاب وحقوق الإنسان، باتت مفتوحة على مصراعيها. إن هذه الإدانة العالمية لم تحصل تلقائياً، بل إنها ثمرة جهود جبّارة تعبت عليها المقاومة الإيرانية بقيادة مجاهدي خلق طيلة العقود الأربعة الماضية.
وداخلياً، هو محاصر بشعب لم يعد لديه ما يخسره، وبمقاومة منظّمة تطرح بديلاً ديمقراطياً عبر "خطة المواد العشر" للسيدة مريم رجوي. هذه الخطة التي تضمن إيران غير نووية، ديمقراطية، ترفض عقوبة الإعدام، وتساوي بين المرأة والرجل، باتت تحظى باعتراف ودعم متزايدين من برلمانات العالم وشخصياته السياسية.
إن الملالي يعلمون جيداً أن حبل المشنقة، مهما اشتدّ، لن يستطيع خنق إرادة التغيير. إن تزامن الإدانة الدولية الـ72 مع الغليان الشعبي في الداخل يضع نظام ولاية الفقيه أمام حقيقته النهائية: إنه نظام منتهي الصلاحية تاريخياً وسياسياً. محاولاته اليائسة لتصدير أزماته إلى خارج الحدود أو تصعيد قمعه بالحديد والنار في الداخل الإيراني لن تؤدي إلا إلى تسريع سقوطه المحتوم.
لقد وصل الصراع بين الشعب الإيراني وهذا النظام الدكتاتوري إلى مرحلة اللاعودة. وكما أثبتت انتفاضات السنوات الماضية، فإن المؤشرات التي تظهر يوماً بعد يوم في ساحة المجتمع المتفجّر، توعد بالعاصفة الكبرى. إن المجتمع الدولي مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بالانتقال من بيانات الشجب والإدانة إلى الفعل الملموس: بعد تفعيل آلية الزناد، يجب الآن إحالة ملف جرائم النظام ومجزرة 1988 إلى مجلس الأمن، والاعتراف بحق الشعب الإيراني ومقاومته المنظّمة في الدفاع عن النفس وإسقاط هذا النظام الجائر. فالحرية آتية لا محالة، وفجر إيران الحرة يلوح في الأفق، ساطعاً بفضل تضحيات أبنائها وصمود مقاومتها.























التعليقات