هاني نديم: لا يكاد يخلو عملٌ درامي سوري من لورا أبو أسعد، تلك الفتاة التي تتلون كيفما أرادت وتتشكل في أي قالب، فمن الارستقراطية إلى المعدمة الفقيرة ومن الأنثى المثيرة إلى الأم الرؤوم، ما جعلها شريكة في نجاح الكثير من الأعمال الدرامية ذات الجماهيرية كحمام القيشاني وبقعة ضوء والبواسل والكثير غيرها مما يصعب إحصاؤه. درست وتخرجت من الأدب الإنكليزي لكنها سبقت في التمثيل أخويها التوأم ميسون وسيف خريجا المعهد العالي للفنون المسرحية. حوار إيلاف مع دراميةٍ رفيعة الثقافة والحضور، عاشقة للفن والإنسانية.

س : ثمة مقارنة قسرية تضغط عليّ بشدة بينك من جهة وبين أختك ميسون من جهةٍ ثانية، بين حضور ميسون الخجول وهي الأكاديمية التي تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية بامتياز وبين حضورك الطاغي كممثلة تلقائية ممارسة غير خريجة؛ هل يمثل نموذج لتحول الدراما عن تعقيداتها وحالاتها التشخيصية المركبة نحو الأداء الفطري والعفوي؟
ـ بدايةً لا أعتقد أن الأكاديمية تعني بالضرورة تعقيد أدائي درامي، بل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالممثل ذاته وأدواته التي تختلف بشكل صارم عن غيره، سواء كان أكاديمياً أم فطري، فكلاهما واعٍ لفعله الدرامي بطريقته، وإن أردت أن أقيس على المثال الذي ذكرته، فالأمر فيه شيء من التعقيد، فبينما كنت أنا أعمل في التلفزيون كانت ميسون تدرس في الأكاديمية وممنوع عليها التمثيل كما تعلم حتى السنة النهائية، فحضوري كان على حساب دراستها هي. حظي مكنني من العمل آنذاك، ولكن ما قد لا تعلمه عن ميسون أنها معروفة بأوروبا اليوم وتطلب بالاسم للمسرح، وهذا فرز طبيعي أنا أؤمن به جداً.
س : سأعيد السؤال بصيغة أخرى .. هل الأكاديمية تجعل من خريجها شخصاً لا يقدم التنازلات بقدر ما يمارسها التلقائي الذي يتخذ التمثيل مهنةً؟
ـ أيضاً موضوع التنازلات هو موضوعٌ فرديٌ بحت!، ويتعلق بالشخص، وأعتقد أن كل الأفعال هي أفعال نسبية وفردية ولا يمكن سحبها على الآخرين، عني أنا ولأن التمثيل حقيقة هو مهنتي، فهو ككل مهنة تحتاج لأن نكون مرنين في هذا الوسط المتغير والمليء بالمفاجآتوأن نقدم بعض التنازلات فيما يخص الأجر في بعض الأحيان أو قبول دور لا ينتمي لقناعاتنا ولكنه عرض في زمانٍ ومكانٍ مناسبين للظهور.
س : هل تجزمين تماماً أن التمثيل مهنة حقيقية في عالمنا العربي؟..في هذا العام ظهرتِ في معظم الأعمال السورية، هل تضمنين أنك سوف تعملين في الموسم القادم؟
ـ للأسف لا أعرف ماذا سأعمل في رمضان القادم، التمثيل مهنة قلقة، تخيلّ أنني بداية هذا العام جلست ثلاثة أشهر لم يعرض عليّ سيناريو واحد بينما معظم زملائي يصورون ووقفت على مفترق طرق وشعرت للحظة أنني قد فقدت صلتي بهذه المهنة!، مثل شاعر يشعر بلحظات نضوب وفقدان وحي!! (نحن أيضاً نعمل في حقلٍ جمالي)، ولهذا مررت فوق هذه المرحلة بسلام لأنني كما قلت مسبقاً أؤمن بالفرز الطبيعي، وأعلم تماماً أن العواصف التي لا تقتلعني لا تزيدني إلا قوة، فبدوت بعد هذه المرحلة المرحلة أكثر نضوجاً وأكثر ثباتاً ورسوخاً.
س : لم يتحمل الممثل كل هذا التعب والإرهاق والاحتراق إن جاز التعبير، لأجل من كل هذا؟
ـ كما قلت، نحن نعمل في حقل جمالي، ولا نعرف بالتحديد لمن ولم ولماذا. أنا مهووسة دراما، منذ طفولتي وأنا أقف أمام المرآة أبكي وأضحك وأؤلف المسرحيات..أقلد الناس والجيران ونمى ذلك العشق في داخلي على رغم رفض أهلي لدخولي التمثيل، وبدأت أعي أنني يجب أن أطور أدواتي، وما زلت حتى اليوم أبحث وأدرس، فمن اللغة الإنكليزية لورشة عمل مسرحي ومنها إلى دروس تعليم رقص الفلامنغو بعدما تعلمت التانغو.
س : من يلفت نظرك درامياً، ومن تتابعين؟
ـ على الساحة المحلية أترقب دوماً أعمال حاتم علي والليث حجو ورشا شربتجي وهيثم حقي وغيرهم الكثير من المبدعين، أحب على صعيد التمثيل أمل عرفة جداً وأحترم تعبها على تطوير أدواتها،أما على الصعيد العالمي فمغرمة أنا بنيكول كيدمان.
س : هل الدراما السورية في تنافس مع الدراما المصرية؟
ـ اكتشفت مؤخراً أننا لا ننافس مصر، نحن ننافس بعضنا البعض!!، وقد يؤثر هذا الأمر على الدراما السورية. هنالك أمرٌ خطيرٌ لا يلتفت له من هو خارج اللعبة، حيث إن العمل التلفزيوني سلعة ترتبط بإعلان دعائي قد يكون تافهاً ليحميها ويسوقها!!!، العمل الخالد هو السينما والتي أيضاً تحولت إلى تجارة ووقعت بين يدين عصابات لا همّ لهم سوى المقابل المادي.
س : هل أنت متفائلة فيما يتعلق بالفن السوري عموماً؟
ـ تجربتي في الحياة علمتني أن أكون متفائلة، لدي إحساس أن هذا التخبط سيصل بنا نحو النجاح الذي نريده، لقد بدأ تبدو نتيجة التراكم الفني في سوريا وبدأنا نرى عناصر درامية غاية في الأهمية، قد لا أكون أؤمن بالمؤسسات المعنية بالفن في سوريا ولكنني أؤمن بالفنان السوري.
س : يقال أنك ناشطة اجتماعياً وإنسانياً؟
ـ إن الفنان الذي وهبه الله محبة الناس في الشارع، ودخل القلوب والبيوت جميعها، عليه حق هؤلاء الناس على مدى استطاعته وقدرته، أنا أعمل بشكل فردي وليس تحت غطاء مؤسساتي، ولهذا تواجهني صعوبات عديدة في تلك الأعمال الخيرية والإنسانية، كما أنني مهتمة بالسياحة والبيئة كثيراً.
س : إزاء هذه الحمى الإنتاجية الدرامية في سوريا، هل تجدين أن الإعلام موازٍ لها؟
ـ لا، حتماً لا، إن كان على الصعيد الاحترافي المهني أم على الصعيد الخبري المواكب، ولا تحمل المضامين السامية والإنسانية، فقد يغيب الفنان سنوات ولا تسأل عنه الصحافة أو تطالب به، أو قد يظلم أو يمرض ولا تحرك الصحافة ساكناً، صحافتنا لا تحمي سوى النجوم، ولكن ويلهم إن غابوا.نحتاج لصحافة أكثر تأثيراً وحضوراً.
س : هل يفرض جمالك أي نوعٍ من الاشتراطات على المخرج، كأن تستيقظي من السرير وأنت بنفس جمالك في سهرة البارحة؟
ـ لا لا مطلقاً لقد مثلت منذ سنتين دوراً أكون فيه والدة سامر المصري!، ولهذا أنا من المفضلات لدى المخرجين!.
س : لو تحاكمنا إلى عالم الجمال الذي تنتمين إليه بجدارة، فأنت مجنونة ككل المبدعين. أريد أن أسألك كيف تستطيعين المضي بكل هذا الجنون نحو الأمام؟
ـ أتعلم، أحلم كثيراً أنني أطير فوق البيوت الصغيرة بنفس الطريقة وفي نفس المشهد والـ(لوكيشن) والطريقة، أحلم كثيراً ولكنني حينما أفيق وأنزل من علٍ أقرأ كونديرا وماركيز وأجنحتي الخيالية البديلة لأعاود الطيران والتحليق. أغمض عيني وأفكر متى سأزور موسكو كي أرى مسرح البولشوي؟ متى أستنفذ طاقاتي كلها حتى أقول مللت أو تعبت؟..لا بد للمبدع من مساحة غير عاقلة، أو مجنونة كما أسميتها أنت، وإلا كيف سيكتب الشاعر ويلحن الملحن؟...صحيح..على ذكر الجنون، هل حضرت مسرحية (قبعة المجنون ذات السلاسل)، التي تخرجها الأستاذة مها الصالح، وألعبُ بطولتها؟.