أعلن الكثير من العراقيين استياءهم من البرامج التي تقدمها الفضائيات العراقية خلال شهر رمضان والتي تتمثل بتقديم الصدقات للفقراء وعرضهم على الشاشة، وأعرب العديد من العراقيين أن هذه البرامج تقف وراءها غايات ليست انسانية أبداً، لاسيما أنها تظهر على الشاشة الوضع الانساني السيىء لهؤلاء الناس أو يحاول مقدمو البرامج من الاستهزاء بهم والسخرية من الحياة الصعبة التي يعيشونها .
بغداد: أخذت أغلب القنوات العراقية الفضائية تتسابق في إعلاناتها عن مساعدة الفقراء والمحتاجين من خلال برامجها ذات التسميات المختلفة، ولكن هذه البرامج تكشف بشكل قبيح عن معاناة هؤلاء الناس وظروف حياتهم اليومية والدخول الى بيوتهم لتبيان ما فيها من محتويات وخراب، وتقوم اغلب الفضائيات بمحاولات للسخرية من هذا الواقع الأليم للناس من خلال الذهاب الى المناطق الفقيرة وجمع الناس من حولهم واثارة مشاعرهم وتحقيرهم بالسؤال عما يحتاجونه والتكرار بطلب الدعاء لصاحب القناة الذي يمد يده بالخير، ويرى البعض أن هذه القنوات التي تتعمد إذلال الناس المعوزين والفقراء، تعود الى سياسيين وبالتأكيد الغاية انتخابية لا غير، فيما يرىآخرون أنها محاولات للاساءة للشعب العراقي واظهاره بمظهر الجائع والذليل، وقد رمى الجميع اللوم على الحكومة العراقية التي تركت هؤلاء المعوزين عرضة لمثل هذه القنوات وبرامجها الساذجة.
يقول المخرج السينمائي بشير الماجد: من فوائد ( الحمى ) المسعورة التي أصابت الفضائيات العراقية ، في سباقها مع بعض ، وبغض النظر عن التفاهات التي تقدمها للعراقيين المساكين في هذا الشهر ، فإن برامج تقديم الهدايا للفقراء ، الحسنة الوحيدة التي لا يحمدون عليها ، لأنها بدافع سباق منافساتي ، والملفت أن الحمى وصلت لتقديم هديتين من الاجهزة المنزلية للعوائل الفقيرة ، ففي هذه السنة الكل يقدم هدايا للفقراء فقط ، وبعد عدة ايام وصلت المنافسة لتقديم ثلاث هدايا ، والمزاد مفتوح ، ( والله يديم التمويل ) حتى لو من المال المسروق ، أو المقبوض من جراء عمالة أو خيانة ، لكني اذكّر بعض (..... ) الذين قدموا هذه الهدايا ، بأن لا يحقروا الناس ولا يستهينوا بهم .... لأنهم اشرف وانظف من هداياهم واموالهم .
واضافأنها ظاهرة تخفي بين طياتها ابعاداً سياسية ، ورغم الفائدة التي يتقاضاها الفقير ، لكن البعض يقدمها لهم بالمنّ والتحقير ، واغلب المقدمين لهذه البرامج من المهرجين السخفاء.
اما علي السومري، كاتب وإعلامي، فقال : قيل في الحديث الشريف (إن صدقة السر تطفئ غضب الرب) بمعنى أن تتصدق سراً دون أن يعرف أحد بذلك، فما حاجتك للناس إن كان الرب يعلم بها، كما جاء في القرآن (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) [ البقرة : 271 ]، هذا من جانب الإسلام، وأيضًا هناك قول للسيد المسيح مفاده (وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك). [متى6 :4].. وهنا أتساءل وأنا أتابع هذه القنوات التي تتعمد إذلال الناس المعوزين والفقراء، بماذا تفكر وهي تعرض لنا هذا الكم من الوجع اليومي، ونحن نرقب هذا العوز الذي تعجز الدولة وحكومتها من إيجاد حل له، لكن سؤالي سرعان ما يعود الى مصدره حين أتذكر بأن هذه القنوات وهذه البرامج، تعود الى مسؤولين سياسيين بعضهم يلتحف بغطاء الدين، والغاية منها هو مكسب سياسي لا غير، لضمان تجديد ولايته، هذا إن كان سياسيًا، أما بعض القنوات فهي تتعمد إظهار العراقيين بأنهم شعب جائع، وفي هذا أيضًا مكسب سياسي دولي، وأعني بالدولي إن بعض هذه الفضائيات تعتاش على أموال دول مجاورة وإقليمية مستعدة لدفع مليارات الدولارات من أجل تشويه صورة العراق وأهله، فيما تستغل بعض هذه القنوات هذه البرامج للابتزاز السياسي.
واضاف: ولأننا في شهر رمضان، وهو الشهر الذي يفترض أن يكون شهر الطاعة والغفران، أدعو لهؤلاء المرضى من السياسيين والمبتزين والذين يعتاشون على آلامنا من اجل مكاسب خاصة، أن يعجل الله بفضحهم، متمنياً من الميسورين ممن أعطاهم الله أكثر مما يحتاجونه أن يساعدوا فقراء وطني، هذا الوطن الذي يطفو على بحيرة من الذهب الأسود، آملاً من السياسيين أن يسنوا القوانين التي تحافظ على هيبة المجتمع العراقي وتنقذ فقراءه من هذا الإذلال العلني.
اما الشاعر والصحافي محمد حبيب مهدي فقال: من المعلوم والمعروف عن اعطاء الصدقة أن تكون خفية عن انظار الآخرين . وغير علنية يتباهى بها الآخرون على حساب الناس الضعفاء، فقد كان أهل البيت عليهم السلام يكرمون أو يتصدقون وهم شبه غائبين عن المشهد أمام الرجل السائل، فقط يمدون أياديهم لكي لا ينظر لهم السائل نظرة استجداء ويكون في ذل واهانة، يكفيهم أن الله تعالى يعلم ما يعملون ،حتى كانت تصرفاتهم تلك أكبر وأعظم الدروس التي منحوها للبشرية .
واضاف : لكن ما يحدث الان أمر عجيب ، ففوق هذا الفقر وذاك الحرمان يتم التشهير بهم على شاشة التلفاز !! ، الغرابة !!، هذه صدقات اليوم اللعين الذي يحتاج فيه الفقير لكل من هب ودب للأسف، أما البرنامج فالكادر قضيته الوحيدة أن ينهي البرنامج مثلما يحب ويهوى ، يعني قضية مهنية لا غير ، ولا يهمه اذا كان السائل معلنًا أو مخفيًا وكأنه لقي لقية نادرة في هذه المادة التي لم يكتب عنها سواه . هكذا يتصور الامر .
وتابع : عموما انا أدرك أن الصدقة هي العمل الصالح الذي يبقى مهنة الناس الصالحين الذين لا يبحثون عن جاه وفضل ، واكيد فيها أهانة ما مثلها اهانة للقيمة البشرية، والعوز ليس عيبًا عند الضعفاء ، ربما اضطر الانسان هذا أن يمد يديه لكي يسترد حاجة ستصيبه للدمار ، فيكفيه ذل السؤال حسب قول الامام الحسين عليه السلام
اما الفنان طه المشهداني فقال : هذا عيب لأنه ، شرعًا واخلاقيًا ، لا يجوز ، فمن يريد أن يتصدق ، فلابد أن اليد اليمنى لا تدري باليد اليسرى لذلك هذا لا يجوز لا اخلاقيًا ولا شرعيًا، ولكن الغريب أننا نشاهد الظاهرة وكأنها سباق بين الفضائيات ، ولكن السؤال المطروح هو : من اجل ماذا ؟ هل من اجل أن يقال عنفلان صاحب هذه القناة أنهاعطى اكثر من فلان صاحب تلك القناة ، أو أنهم يريدون يجرجرون المواطن الى ما بعد سنوات حتى اذا ما رشحوا انفسهم للانتخابات يجدون من يمنحهم صوته ، أو على ماذا ؟ نريد أن نفهم، والا الصدقات تعطى من دون تشهير واعلان .
واضاف : انا ارى أن هذه الفضائيات لو كان هدفها فعلاً السعي وراء التصدق لكانت سارت الامور بغير طريقة، ولكن بهذه الطريقة الاعلانية، فهي معيبة جدًا، واعتقد أنهم يريدون أن يقولوا للناس إننا مهتمون بكماكثر من الحكومة ، هذا غسيل دماغ للشعب العراقي الجديد ( الموسمي ) الرمضاني، كما أن فيها انتهاكًا لكرامة الانسان وطريقة اعلاء شأنه بهذا التذليل والعيب الاكبر إنهم يفضحون الانسان العراقي امام العالم كله .
وقال ليث محمد رضا ، كاتب وصحافي: أؤيد نسق المبادرات الخيرية التي توفر إغاثة للفقراء المحرومين من رعاية الدولة، ومن الحصول على حاجاتهم الأساسية، رغم هدر مئات المليارات من الدولارات في كل عام، بسبب الفساد المالي وسوء الإدارة، وأنا أشجع وأتمنى الاتساع لهكذا مبادرات سواء كانت لمؤسسات إعلامية، أو حتى لشركات استثمارية، مع علمي بأن الغاية من هذا النسق هي المنفعة الخاصة لمن يقوم بهذا العمل من خلال الترويج لشخصه، من خلال الإعلان عن هذا النشاط الخيري وبث تفاصيله عبر التلفاز، وهذا ليس عيباً، بل أن بث هذه البرامج بذاته قد يمثل حافزاً للعديد من المؤسسات الإعلامية والشركات الاستثمارية، للقيام بمبادرات مماثلة، كما المبادرات غير العلنية والسرية التي تقوم بها بعض المنظمات المدنية والسياسية، قد تتضمن ضروبًا من الاستغلال للشرائح المستهدفة في موضوع الدعم وتقديم المعونة.
فيما قال الكاتب جمال المظفر : تحاول بعض القنوات الفضائية استغلال الفقراء عبر برامج خيرية توزع فيها الصدقات وتظهرهم على الشاشة من اجل ابراز الجانب الخيري لهذه القنوات وهي محاولات مهينة للفقراء ، فمن يريد فعل الخير عليه فعله من دون اثارة اعلامية ، انا اعتبر هذه الحالات محاولات للتشهير بالفقراء اكثر من مساعدتهم ، من يعطي باليد اليمنى يجب أن لا تعلم اليد اليسرى بما اعطت .
واضاف : من السذاجة جدًا المتاجرة بآلام الفقراء واظهارها للعالم ، يكفي التلاعب بمصائر الناس وخصوصًا الفقراء ، واعتقد أن ما تقوم به بعض القنوات انما يأتي من فراغ برامجي لا يمكن سده الا بهذه البرامج المتواضعة التي لا تحتاج الى اعداد أو جهد في المونتاج ، كل ما هناك كاميرا تمسح وجوه الفقراء والايدي الكريمة التي توزع ( الاهانات ) لا غير .
التعليقات