عندما عثرت السلطات الأمريكية على الممثل ماثيو بيري، نجم مسلسل "فريندز (أصدقاء)"، متوفيا في حوض السباحة الساخن في منزله في لوس أنجليس العام الماضي، بدا الأمر وكأنه مجرد حادث.
كان بيري يخضع للعلاج بالتسريب الوريدي بعقار "الكيتامين" بعد إصابته بالاكتئاب، ولم يُعثر على أي مواد مخدرة أو أي شيء آخر يوحي بارتكاب جريمة، وبدا الأمر وكأنه حادث غرق.
وفي الوقت الذي أعرب فيه العالم عن حزنه لوفاة النجم، المعروف بتجسيده دور تشاندلر بينغ في مسلسل"فريندز"، اكتشف الطبيب الشرعي شيئا غريبا أثناء التحقيقات، وهو وجود مستويات عالية من الكيتامين في الدم، وهي مستويات تُستخدم في نطاق التخدير العام أثناء إجراء العمليات الجراحية.
كان الممثل الأمريكي قد قضى عشرات السنوات في العلاج من الإدمان، حتى أعلن ذات مرة أنه تعافى أخيرا.
ووفقا للادعاء العام الأمريكي، كشفت التحقيقات، التي استمرت قرابة عام بعد ذلك، عن تورط شبكة سرّية ضخمة للاتجار في الكيتامين، ومحاولات للتستر على سبب وفاة بيري، فضلا عن اكتشاف حالة وفاة أخرى بسبب جرعة زائدة من الكيتامين.
وبناء على ذلك اعتقلت السلطات خمسة أشخاص، من بينهم طبيبان ومساعد بيري وامرأة تتاجر في العقاقير المخدرة يُطلق عليها لقب "ملكة الكيتامين".
واعترف كينيث إيواماسا، مساعد بيري، الذي كان يقيم معه، بالذنب في تهمة واحدة، وهي التورط في توزيع الكيتامين الذي أفضى إلى حدوث الوفاة، كما اعترف شخصان آخران، إريك فليمنغ والطبيب مارك تشافيز، بالذنب في تهمة التورط في توزيع المخدرات بشكل غير قانوني.
كما يواجه الطبيب، سلفادور بلاسينسيا، المتهم بتزويد بيري بالكيتامين، تهمة تزوير سجلات طبية، ووجهت السلطات لتاجرة المخدرات المتهمة، جاسفين سانغا، تسع تهم، من بينها التورط في توزيع الكيتامين، وتوزيع الكيتامين الذي أفضى إلى حدوث الوفاة.
واعترف بلاسينسيا وسانغا بذنبهما أمام هيئة المحكمة يوم الخميس.
"ملكة الكيتامين"
يتردد اسم سانغا مرارا في التحقيقات، وتقول السلطات إن "ملكة الكيتامين" زودت بيري بالمخدرات التي أفضت إلى وفاته في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتُتهم السيدة، البالغة من العمر 41 عاما، ببيع 50 زجاجة كيتامين للممثل مقابل 11 ألف دولار، ويصفها المدعي العام بأنها تاجرة مخدرات على دراية تامة بأن الكيتامين الذي كانت توزعه قد يفضي إلى حدوث الوفاة.
وقال مارتن استرادا، المدعي العام الأمريكي للمنطقة المركزية في كاليفورنيا، خلال مؤتمر صحفي، إن منزلها في نورث هوليوود كان "مركزا لبيع المخدرات".
وأفادت تقارير بأن السلطات عثرت في منزلها، أثناء عمليات التفتيش، على ما يزيد على 80 زجاجة كيتامين، فضلا عن آلاف الأقراص المخدرة، من بينها الميثامفيتامين والكوكايين وزاناكس.
وأضاف استرادا أن السلطات عثرت أيضا في منزل السيدة على مسدس.
ويقال إن المنزل، الذي أُطلق عليه في لائحة الاتهام اسم "مخبأ سانغا"، هو المكان الذي كانت تُعبأ فيه المخدرات وتُوزع، بغرض بيعها في الغالب للأثرياء والمشاهير.
كما تشير لائحة الاتهام إلى أن سانغا كانت "تتعامل فقط مع المشاهير والطبقة الراقية".
وردا على سؤال وُجه إلى استرادا، قبل انتهاء المؤتمر الصحفي، عن حجم شبكة سانغا المشتبه بها، قال إنها كانت "مصدرا رئيسيا لإمداد آخرين وكذلك بيري بالكيتامين".
أطباء وتجار "استغلوا" بيري
تقول السلطات إن بيري، بسبب إدمانه الشديد، أراد الحصول على المزيد من الكيتامين وسعى لشرائه بأسعار أقل، مما دفعه إلى التواصل مع تجار الشوارع وكذلك التجار الذين يتعاملون من الطبقة الراقية.
وقال استرادا إن المتهمين في القضية كانوا يبتزون بيري.
وبحسب السلطات، كتب الطبيب بلاسينسيا في إحدى الرسائل النصية: "تُرى كم سيدفع هذا الأحمق؟"
وفي رسالة أخرى، قال إنه يريد أن يكون "الشخص الذي يلجأ إليه بيري لشراء المخدرات".
وتذكر التحقيقات أن بيري كان يدفع لهم نحو 2000 دولار مقابل زجاجة يصل سعرها في الواقع إلى 12 دولارا.
وقال استرادا: "هؤلاء المتهمون استغلوا السيد بيري أكثر من اهتمامهم بصحته".
وتقول السلطات إن بيري اشترى 20 زجاجة كيتامين من الطبيب بلاسينسيا مقابل مبلغ إجمالي قدره 55 ألف دولار خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتلفت التحقيقات إلى أن الطبيب بلاسينسيا علّم إيواماسا، مساعد بيري، طريقة حقن المخدر، على الرغم من علمه بأن "إدمان بيري للكيتامين خارج عن نطاق السيطرة".
وتقول السلطات إن الطبيب حقن بيري بجرعات كبيرة من الكيتامين، على الرغم من أنه شهد ذات مرة حدوث "تصلب" لبيري أثناء إعطاء المخدر.
محاولات للتستر، واكتشاف وفاة أخرى
يقول المحققون إن المتهمين بتزويد بيري بالمخدرات حاولوا التستر على فعلتهم بعد وفاته.
وتقول السلطات إن سانغا أرسلت رسالة إلى متهم آخر تطلب منه "حذف جميع رسائلنا".
وتذكر التحقيقات أن فليمنغ أرسل رسالة إلى سانغا قال فيها: "برجاء الاتصال... لدي مزيد من المعلومات وأريد تبادل الأفكار معك. أنا متأكد بنسبة 90 في المئة من أن الجميع في أمان. لم أتعامل مع (بيري)، تعاملت فقط مع مساعده. لذا المساعد هو من يسهل التعامل".
وتقول السلطات إن المتهمين كانوا يستخدمون لغة مشفرة، وأطلقوا على الكيتامين اسم "دكتور بيبر" أو "بوت" أو "علب".
ويُقال إن الطبيب بلاسينسيا زوّر سجلات طبية في مسعى لتبدو العقاقير المقدمة للممثل قانونية.
كما كشفت السلطات أن سانغا متورطة في حدوث حالة وفاة أخرى بسبب جرعة زائدة في عام 2019.
وتقول وثائق المحكمة إن السيدة كانت تعرف مخاطر الكيتامين بعد بيعه لعميل يُدعى كودي ماكلوري، توفي بسبب جرعة زائدة بعد الشراء.
ويقال إن أحد أفراد أسرته أرسل لها رسالة نصية قال فيها: "الكيتامين الذي بعته لأخي قتله، وتم إدراجه كسبب للوفاة".
وبعد أيام، وفقا للمحققين، بحثت سانغا على محرك بحث غوغل لمعرفة "هل يمكن إدراج الكيتامين كسبب للوفاة؟"
وتقول السلطات إن سانغا ستواجه اتهامات في هذه القضية.
المساعد كان يحقن الممثل عدة مرات يوميا
كان إيواماسا، مساعد بيري المقيم معه، أول من عثر على الممثل متوفيا.
ويقول المحققون إنه أيضا الشخص الذي حقن بيري بالكيتامين الذي أفضى إلى وفاته.
وتقول وثائق المحكمة إن إيواماسا لم يتلق أي تدريب طبي إطلاقا، و"لا يعرف شيئا يذكر" عن إعطاء المواد الخاضعة للرقابة.
ويقول المدعي العام إنه خلال الأيام الأربعة قبل وفاة بيري، أعطى إيواماسا ما يزيد على 20 حقنة كيتامين، من بينها ثلاث حقن في اليوم الذي توفي فيه الممثل.
ووجهت للمساعد، في يوليو/تموز الماضي، تهمة التورط في توزيع الكيتامين، مما أدى إلى الوفاة وإصابة جسدية خطيرة، ويقول المدعون إنه اعترف وقتها بالذنب في التهمة.
ويضيف المحققون أنه من المفترض عدم إعطاء الكيتامين إلا بمعرفة طبيب، كما لابد من خضوع المرضى الذين تناولوا المخدر لمراقبة بمعرفة طبيب متخصص بسبب آثاره الضارة المحتملة.
وتقول التحقيقات إنه في 10 أكتوبر/تشرين الأول، قبل أسابيع من وفاة بيري، اشترى الطبيب بلاسينسيا 10 زجاجات من الكيتامين من المتهم الآخر الطبيب مارك تشافيز، بنيّة بيعها لبيري.
وتضيف أن بلاسينسيا التقى بيري وإيواماسا في موقف عام للسيارات، وهناك حقن الطبيب الممثل أثناء وجودهم داخل سيارة.
ويقال إنه بعد يومين حقنه في المنزل بجرعة كبيرة تسببت في حدوث "تصلب" وارتفاع في ضغط الدم.
وقال بلاسينسيا لإيواماسا شيئا من قبيل، "علينا ألا نفعل ذلك مرة أخرى"، بيد أنه ترك زجاجات إضافية مع إيواماسا.
رغبة بيري في مساعدة الآخرين
كان بيري صريحا بشأن إدمانه، وتحدث في مذكراته عام 2022 عن عقود قضاها في مكافحة إدمانه للكحول والمخدرات، وكتب عن زميلته في بطولة المسلسل، جينيفر أنيستون، أنها واجهته ذات مرة بشأن رائحة الكحول الواضحة في أنفاسه، والملايين التي أنفقها في محاولته للحفاظ على تركيزه.
وقال بيري، ذات مرة، إنه يأمل في مساعدة الآخرين الذين يعانون، كما تحتوي الصفحة الرئيسية لمؤسسة ماثيو بيري، التي أُنشئت بعد وفاته، على اقتباس منه يقول: "عندما أموت، أريد أن تكون مساعدة الآخرين أول ما يُذكر".
وقالت رئيسة وكالة مكافحة المخدرات الفيدرالية، آن ميلغرام، يوم الخميس، إن الاعتقالات والتفاصيل العامة للقضية البارزة من المرجح أن تساعد آخرين وتمنع حدوث مزيد من الوفيات، تماما كما أراد بيري.
التعليقات