تعاطف الملايين مع محمد علاء الجليل، المعروف بـ"رجل القطط السوري"، منذ أن عرضت بي بي سي قصته في عام 2016.
وكان علاء الجليل يمتلك محمية للقطط، واضطر إلى مغادرة المدينة عندما سقطت في قبضة القوات الحكومية السورية، لكنه عاد من جديد إلى منطقة قريبة لمساعدة الأطفال والحيوانات، وفقا لتقرير مراسلتنا ديانا دارك.
بعد أسابيع من تصوير فيديو لبي بي سي حول محمد علاء الجليل، وقف "رجل القطط" عاجزا يشاهد محميته تتعرض للقصف، ثم لغاز الكلور خلال المراحل الأخيرة من حصار حلب.
وفقد الرجل معظم قططه البالغ عددها 180 قطة، كما حوصر مع آلاف المدنيين في النصف الشرقي من المدينة مع استمرار القصف من جانب طائرات روسية وسورية.
ومع تشديد الحصار على المدينة اضطر علاء إلى الفرار من منطقة إلى أخرى داخل مدينة حلب، وكان شاهدا على دمار لا يمكن تصوره، وظل يعتني بعدد قليل من القطط الناجية، فضلا عن العمل على إنقاذ المصابين خلال عمليات القصف، والمساعدة في نقلهم إلى مستشفيات تحت الأرض.
وعندما سقطت المدينة في ديسمبر / كانون الأول عام 2016، غادر المدينة في قافلة، وكانت شاحنته الصغيرة مكتظة بالمصابين وعلى متنها أيضا نحو ست قطط من محميته.
ويقول علاء: "كنت أشعر دائما أنه من واجبي ومن دواعي سعادتي مساعدة الناس والحيوانات. أعتقد أن كل من يقدم على فعل ذلك سيكون أسعد الناس في العالم، وسوف يشعر بالبركة في حياته".
وبعد قضاء فترة نقاهة قصيرة في تركيا، استطاع العودة إلى سوريا، وأسس محمية قطط جديدة، أكبر من محميته الأولى وأفضل منها، في قرية كفر ناها في منطقة ريفية تخضع لسيطرة المعارضة وتقع غرب حلب.
واستعان علاء بنفس نموذج التمويل الجماعي الذي استخدمه بنجاح في محميته السابقة، وهو الحصول على أموال يرسلها محبو القطط من شتى أرجاء العالم عن طريق فيسبوك وتويتر لتمويل نشاطه.
بيد أن علاء دأب على العمل من أجل مصلحة المجتمع، فضلا عن القطط نفسها.
واستطاع علاء مع فريقه شراء مولدات وحفر آبار وتخزين مواد غذائية. وفي ذروة القصف، نظم دورات تدريبية للأطفال تهدف إلى العناية بالحيوانات والتشجيع على العناية بها. كما خصص ساحة ألعاب بجوار المحمية للترفيه عن الأطفال ومساعدتهم على تجاوز الأحداث المروعة التي يشاهدونها حولهم.
وتوسعت محميته لتشمل دار أيتام وحضانة أطفال وعيادة بيطرية. وكون علاء مع فريقه ما يشبه وكالة إنماء صغيرة، تقدم خدمات لا تستطيع الحكومة ولا الجمعيات الخيرية الدولية تقديمها.
ويؤمن علاء بأن تشجيع الأطفال على العناية بالحيوانات الضعيفة يعلمهم أهمية العطف على جميع الكائنات الحية، والمساعدة في علاجهم من الصدمات.
ويقول: "الأطفال والحيوانات هم الخاسر الأكبر في الحرب السورية".
واعتاد علاء، خلال نشأته في حلب، العناية بالقطط، وكان يحث الأصدقاء على عمل ذلك، على الرغم من أن الحفاظ على القطط والكلاب كحيوانات أليفة ليست عادة في سوريا أو في بقية الدول العربية.
وبدأ علاء في سن الثالثة عشرة العمل كفني كهربائي، وتنقل في مهن كثيرة، مثل عامل دهان ومصمم زخارف وخبير تكنولوجيا معلومات، وفني تركيب أطباق استقبال الأقمار الصناعية، كما اشتغل في تجارة لعب الأطفال.
وعمل بجد وتعلم كيفية إتقان العمل. وكانت والدته تقول :"التراب يتحول إلى ذهب في يدك يا علاء".
وكان يحلم بأن يصبح رجل إطفاء مثل والده، لكن مثل هذه الوظائف يعمل بها من لديهم علاقات، ولم تكن العلاقات عن طريق والده كافية. ورُفض طلبه على مدار سنوات.
وقال: "بالطبع لم أكن أحلم بنشوب حرب لكي أحقق حلمي. كنت أتمني أن أحقق هذه الأشياء بدون المعاناة التي رأيتها".
وأضاف: "وفقني الله بالعمل في مساعدة الناس بوصفي رجل إنقاذ، لكنني لم أتصور، حتى في أسواء كوابيسي، نشوب حرب كهذه على الإطلاق في بلدي، ولا حتى معاناة حيوان واحد".
ودأب علاء خلال حصار حلب على زيارة دور المسنين المسيحية والإسلامية وعلى توزيع الغذاء. وكانت جماعات متطرفة مثل "جبهة النصرة" تنتقده وتصفه بأنه "كافر"، لكنه ظل يمارس عمله دون اكتراث لهذه الكلمات.
ويقول: "كان النبي محمد طيبا مع الجميع. كان يتحدث مع المسيحيين واليهود. أؤمن بموسى وعيسى ومحمد، لأن جميعهم يحملون هدفا نبيلا. أنا مسلم، لكني لست متعصبا. آخذ من الدين كل شيء وأتعلم منه كل شيء".
ويحتفظ علاء بروح الدعابة، على الرغم من المصاعب التي يعانيها. ويمتلك في محميته الجديدة قطا مخطط اللون أطلق عليه "ماكسي ملك التسويق"، مسؤول جمع التبرعات. ويقول إنه يريد "قبلات خضراء" على هيئة عملات ورقية بالدولار عبر حسابات التواصل الاجتماعي.
ويرتدي علاء قميصا رياضيا عليه صورة القط، ويقول " نخضع لسلطة ماكسي. لكن حتى في ظل قيادة ماكسي لم يكن من السهل إطلاق المحمية الجديدة".
وتتسم المنطقة التي يعيش فيها علاء، وهي تخضع للمعارضة، بنوع من الفوضى، وعندما علمت عصابات أنه يحصل على أموال من أجل محميته، حاولوا اختطافه. ولذا، مع أنه لم يعد يتعرض للقصف، لا تزال حياته عرضة للخطر.
وتضم محميته الجديدة القطط والكلاب والحمير والقردة والأرانب، وفرخة تعتقد أنها "قطة"، وحصانا عربيا أصيلا.
ويقول علاء: "يوجد القليل من الخيول العربية الأصيلة في سوريا حاليا ويساورني القلق بشأن العثور على مهرة كي يتناسلا. أعتزم أداء دور الأم السورية التقليدية والعثور على زوجة له، حتى يستطيع إنجاب أطفال والبدء في بناء مجتمع الخيول العربية الأصيلة في سوريا من جديد".
وجميع الحيوانات لديها أسماء. وأطلق، على سبيل المثال، اسم "البغدادي"، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، على قط أسود وأبيض عدواني السلوك، كان يأتي إلى المحمية ويسرق الطعام ويرهب جميع القطط.
ويقول علاء: "كان هذا القط بالطبع أفضل مليون مرة من البغدادي القاتل الشرير، لكن اسمه جال بخاطري لأن وجوده في المحمية تصادف مع وصول عصابات تنظيم الدولة الإسلامية في حلب".
وذاع صيت علاء داخل سوريا، وأصبحت الحكومة على دراية جيدة بأنشطته.
واستدعته حديقة حيوان "ماجيك وورلد" في جنوبي حلب عام 2017، وطلبت منه المساعدة في إطعام أسود ونمور ودببة مهملة، واستجاب للطلب على الرغم من مخاطر الرحلة التي تطلبت منه المرور عبر نقاط تفتيش تابعة لجبهة النصرة. واكتشف هناك أن وزارة الزراعة السورية هي التي أوصت بشأنه.
ويقول علاء: "كان لطيفا معرفة أن الوزارة على دراية بنا، وأوكلت مسؤولية الحيوانات في الحديقة لنا. كان العمل في حديقة حيوان ماجيك وورلد صعبا جدا".
كما استطاع علاء التفاوض على حل بالنسبة للحيوانات مع منظمة خيرية تعرف باسم "الكفوف الأربعة"، ترتب نقل الحيوانات التي لم تُنفق إلى خارج سوريا إلى مواطن جديدة في بلجيكا وهولندا والأردن.
ويعتني علاء في محميته الجديدة بـ 105 أطفال، منهم 85 طفلا "يتيما". وينام بالفعل 11 طفلا فقط في دار الأيتام حاليا، لأنها لم تكتمل بعد، لكن جميعهم يحصلون على التعليم والغذاء والملابس، ويدفع علاء شهريا 25 يورو لتغطية نفقاتها.
وتعد الاضطرابات في المنطقة أكبر خطر يواجه علاء، فالاشتباكات تندلع باستمرار، كلما اقتربت من الحدود مع محافظة إدلب، التي تسيطر عليها جماعات المعارضة التي تقاتل بعضها بعضا.
ويقول علاء: "أنحي باللائمة على جميع الأطراف المتحاربة على حد سواء، مهما كانوا ومهما قالوا إنهم يقاتلون من أجل مدنيين".
وأضاف: "نعيد بناء مجتمعنا، ودوري في ذلك ينطوي على إعادة بناء محميتي من أجل القطط. الصداقة بين الحيوانات شيء عظيم، وينبغي لنا أن نتعلم منها. سأبقى معهم مهما يحدث".
ويقول: "يبدو أن العالم غير قادر على تسوية الحروب والصراعات هذه الأيام. هذا هو سبب وجود الكثير من اللاجئين في شتى أرجاء العالم، لكن هنا على وجه التحديد في الشرق الأوسط، لا أرغب في أن أكون لاجئا. أرغب في البقاء في بلدي، في سوريا. أرغب في مساعدة الناس بأي طريقة أستطيعها".
التعليقات