نبّه وزير المالية الكويتي أنس الصالح إلى وجوب زيادة الحرص على تنفيذ الخطط والاستراتيجيات الكفيلة بمواجهة التحديات الداخلية واستكمال مسيرة الإصلاح والتنمية في دول مجلس التعاون الخليجي، لكنه أكد في الوقت عينه أن متانة الأوضاع المالية لدول التعاون أسهمت بفاعلية في امتصاص العديد من الصدمات الخارجية وتداعيات الأزمة المالية الأخيرة.


فادية الزعبي من الكويت: قال وزير المالية الكويتي أنس الصالح، في كلمة افتتح فيها اليوم أعمال الاجتماع المشترك بين لجنة التعاون المالي والاقتصادي على مستوى وزراء المال والاقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي، ولجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية الخليجية، بحضور المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، قال إن متانة الأوضاع المالية لدول مجلس التعاون الخليجي أسهمت بفاعلية في تعزيز قدرات اقتصاداتها في مواجهة التحديات وامتصاص العديد من الصدمات الخارجية، لاسيما تداعيات الأزمة المالية الأخيرة.

نمو اقتصادي خليجي
وقال الصالح إن التوقعات تظهر استمرار الاتجاهات الإيجابية لمعدلات النمو الاقتصادي في دول التعاون بوجه عام. وتوقع أن يتراوح متوسط معدل النمو الاقتصادي لدول المجلس عند مستوى 4.5 في المائة عامي 2014 و2015". لكنه قال إن هذه التوقعات يكتنفها بعض المخاطر والمحاذير، لاسيما وسط التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، وخصوصًا بشأن تطورات أسعار النفط الخام، التي بدأت تلقى بظلالها على أوضاع المالية العامة في دول المجلس عمومًا، وعلى برامج الإصلاح الاقتصادي والإنفاق العام الاستثماري بوجه خاص.

أضاف أن ذلك يدفع باتجاه تكثيف الجهود لمواصلة عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل، من خلال اتخاذ الإجراءات الكفيلة للتصدي لبعض الإختلالات الهيكلية، التي ظهرت بوادر تفاقمها في اقتصادات دول المجلس.

انعكاسات إقليمية ودولية
وشدد الوزير الصالح على أهمية هذا الاجتماع في ظل الظروف الإقليمية والدولية التي تفرض مزيدًا من التحديات، وتتطلب رؤية شاملة لمواجهة أبعادها وانعكاساتها، مبينًا أن حكومات دول العالم والمؤسسات المالية الدولية تلمست بعض المؤشرات الباعثة على التفاؤل حول أداء الاقتصاد العالمي، إلا أن مناطق عددية حول العالم شهدت نزاعات واضطرابات، ترافق ذلك مع تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية.

مبينا أن ذلك أثّر بطبيعة الحال على التوقعات المستقبلية بشأن آفاق اتجاهات النمو الاقتصاد العالمي، سواء على المستوى الوطني أو التكتلات الإقليمية، أو من جانب المؤسسات المالية الدولية، كما ألقت تلك المتغيرات والمستجدات بظلالها على تطورات أداء الاقتصاد العالمي. وأكد أن زخم هذه التطورات والمستجدات الإقليمية والدولية من شأنه "أن يفرض علينا محددات مستجدة لآليات مواجهة التداعيات والمخاطر الناجمة، بما يتماشى مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي لدول المنطقة".

وقال إن هذه الأوضاع توجب على دول مجلس التعاون الخليجي زيادة الحرص على تنفيذ الخطط الاستراتيجيات الكفيلة بمواجهة التحديات الداخلية واستكمال مسيرة الإصلاح والتنمية. مشيرًا إلى أن متانة الأوضاع المالية لدول التعاون أسهمت بفاعلية في امتصاص العديد من الصدمات الخارجية وتداعيات الأزمة المالية الأخيرة.

تصدي المؤسسات المالية والبنوك
أشاد الصالح بالدور المحوري، الذي لعبته مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول مجلس التعاون، باتخاذ التدابير الكفيلة للتصدي لتلك الأزمة على أعلى مستوى من الكفاءة والمهنية، إلى جانب الدور الأساسي الذي تضطلع به البنوك المركزية في الحفاظ على الاستقرار النقدي "حيث أثبتت مؤسسات النقد والبنوك المركزية الخليجية دعمها لركائز الاستقرار المالي".

وبيّن أن ذلك يتأتى من خلال انتهاج مؤسسات النقد والبنوك المركزية الخليجية سياسات التحوط الكلي، التي شكلت أحد المحاور المهمة في الأطر التنظيمية والرقابية والإشرافية، ما ساهم بفعالية في الحد من المخاطر النظامية وزيادة تحصيل القطاعات المصرفية والمالية وتوفير الأجواء الداعمة للنمو الاقتصادي المستدام. مؤكدًا أن هذه الإنجازات "تزيدنا إصرارًا وقناعة بأهمية تعزيز استقلال البنوك المركزية، بما يمكنها من القيام بدورها بأعلى درجات الاستقلالية، وبما يساهم في خلق الأجواء الداعمة لجهود الإصلاح الاقتصادي والتنمية المستدامة".

وأوضح أن أوضاع المالية العامة لدول المجلس بحاجة إلى مزيد من الجهود الرامية إلى معالجة بعض الإختلالات، والتي قد تكون ناجمة في جانب منها من بعض التراكمات المرتبطة بطبيعة هياكل اقتصادات دول المجلس أو نتيجة التطورات الإقليمية والعالمية غير المواتية. ولفت إلى أهمية التركيز على تحقيق الانضباط المالي على المدى المتوسط، وزيادة مرونة المالية العامة، وتقليص جوانب الجمود في بنودها الرئيسة، لاسيما في ما يتعلق بالنمو المتسارع للإنفاق الجاري ومكوناته الرئيسة، سواء بند الأجور أو المرتبات أو المدفوعات التحويلية.

ودعا إلى ضرورة التأكيد على عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل، بما في ذلك الإصلاح المالي في معالجة الاختلالات المالية والعامة وتنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على الإيرادات النفطي.

لاغارد تدعو للتحوط
من جهتها عقدت المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد مؤتمرًا صحافيًا في ختام الاجتماعات، أكدت فيه على وجوب إجراء بعض الإصلاحات الهيكلية المالية لضمان رفاه الشعوب. مشددة على ضرورة ترشيد الإنفاق، ورفع كفاءة الموارد البشرية. وقالت لاغارد إنه خلال الشهرين الماضيين زادت تقلبات أسعار النفط بنحو 25 في المائة، مما زاد من المخاوف، وهذا ما يؤثر على الأوضاع المالية العامة والحساب الخارجي لدول الخليج، على الرغم من وجود هوامش مالية لديها، "لكن يجب ضبط الأوضاع بشكل عام".

ودعت دول مجلس التعاون إلى ضرورة التحوط عبر تعزيز السياسات الاقتصادية والمالية، من خلال ضبط أوضاع الموازنات السنوية، وتحسين حوكمتها وترشيدها. وحول موضوعات الاجتماع، قالت "ناقشنا ما يجب عمله لمواجهة المخاطر وتنويع النشاط الاقتصادي في دول المجلس، كتخفيف التركيز على الإيرادات النفطية، وتنويع سوق العمل، والتركيز على العمل في القطاع الخاص، ومشاركته في قطاعات غير تقليدية، منها التصدير. مما يتطلب بعض التعديلات على النظام التعليمي وسوق العمل.

تغييرات في السياسة المالية
وتحدثت لاغارد عن التغييرات الواجب إدخالها على السياسات المالية العامة من خلال تحديد الميزانيات والالتزام بها من حيث الإيرادات والإنفاق، بحيث يحدد إنفاق الموازنة ويخطط لسنوات عدة، بغضّ النظر عن تقلبات أسعار النفط.

وشددت على وجوب تشجيع القطاع الخاص في تعزيز القدرة التنافسية داخليًا وخارجيًا، وتشجيعه على التصدير. وأوصت بدعم الشباب قائلة: "يجب أن يكون نظام التعليم قويًا بما فيه الكفاية، وإيجاد التمويل الجيد له، ليتوافق مع احتياجات الأسواق".

موضوعات الاجتماع
يشهد الاجتماع، الذي يترأسه وزير المالية أنس الصالح، استعراض عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك مع صندوق النقد الدولي، بهدف وضع تصور لدول المجلس حولها، وبحث دور الصندوق في تقديم الدعم الفني لدول (التعاون). يأتي في مقدمة تلك الموضوعات المشتركة مناقشة الاستقرار المالي في دول مجلس التعاون وإصلاحات سوق العمل لزيادة التوظيف والإنتاجية والسياسة الاحترازية الكلية في دول مجلس التعاون ودراسة هيكل ومستوى الأجور والمرتبات في دول مجلس التعاون.

وكانت دولة الكويت قد استضافت أمس أعمال الاجتماع الـ 99 للجنة التعاون المالي والاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي لبحث ودراسة موضوعات العمل الاقتصادي الخليجي المشترك.

وناقش الاجتماع نتائج اجتماعات لجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية الـ 60 ومحاضر اجتماعات هيئة الاتحاد الجمركي الثامنة والتاسعة، والتي تتضمن عددًا من التوصيات، تتعلق باستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي الخليجي.

كما استضافت الكويت أمس أيضًا الاجتماع الـ 60 للجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية لدول مجلس التعاون الخليجي، بحضور محافظي مؤسسات النقد في دول المجلس. وتضمن جدول أعمال هذا الاجتماع موضوعات عدة، منها متابعة جهود اللجان الإشرافية، وبحث التطورات والمستجدات في إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

&