بعد عقد لواء المصالحة المصرية القطرية، ينتظر أن تتم المصالحة المصرية التركية، بمسعى خليجي ودور قطري، بعد إشارات تركية تلمح في هذا الاتجاه.

القاهرة: مع نجاح السعودية في مصالحة مصر وقطر، ومع الحديث عن قرب عقد قمة ثلاثية بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس عبد الفتاح السيسي والأمير تميم بن حمد آل ثاني، بدأت بوادر انفراج الأزمة بين مصر وتركيا، مع إطلاق مسؤولين أتراك تصريحات تشير إلى وجود رغبة في دوائر قريبة من صنع القرار في أنقرة بالمصالحة مع القاهرة.

احتمال قائم

يرى خبراء سياسيون أن احتمال عقد مصالحة بين مصر وتركيا قائم بقوة، بعد المصالحة المصرية القطرية، متوقعين أن تلعب دول الخليج، ولاسيما قطر، دورًا مؤثرًا في إتمامها. رغم أن الأجواء العامة بين مصر وتركيا تشير إلى استمرار التوتر في العلاقات بين البلدين، إلا أن ثمة مؤشرات تقول إن هناك رغبة خليجية وتركية في طي صفحة الخلافات بين البلدين.

وبدأ ظهور تلك المؤشرات مع ما نشرته صحيفة "زمان" التركية على لسان الأمير تميم بن حمد، أثناء زيارته أنقرة، وقال فيها: "لا مفر أمام تركيا من تحسين العلاقات مع مصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي".

وأضافت الصحيفة في تقرير لها: "حاولت الخارجية التركية دومًا إصلاح العلاقات مع مصر، لكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل في ظل الهجوم المستمر الذي يشنّه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على السيسي والنظام الحاكم في مصر".

تقارب إخواني

شهدت العلاقات المصرية التركية حالة من التقارب الشديد والعميق في أعقاب ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، التي أطاحت بنظام حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتعمّقت العلاقات بين أنقرة والقاهرة في أعقاب فوز الإخوان المسلمين بالسلطة في انتخابات مجلسي الشعب والشورى في العام 2011، ثم فوز الرئيس السابق محمد مرسي بالرئاسة في حزيران (يونيو) 2012.

وتبادل الطرفان الزيارات على أعلى المستويات، ووقع البلدان العديد من الإتفاقيات الإقتصادية، ومنحت تركيا مصر وديعة بقيمة 2 مليار دولار.

انقلبت الأمور رأسًا على عقب، وتدهورت العلاقات بشكل غير مسبوق بين البلدين في أعقاب تدخل الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي، في 3 تموز (يوليو) 2013، وعزل مرسي بعد ثلاثة أيام من تظاهر ملايين المصريين في الميادين والشوارع، للمطالبة بإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة.

على القاهرة القيام بالخطوة الأولى

اعتبرت تركيا أن عزل مرسي بمثابة انقلاب عسكري، وناصب الرئيس رجب طيب إردوغان مصر العداء، وما فوت فرصة في المحافل الدولية إلا انتهزها لانتقاد السيسي واتهامه بالإستيلاء على السلطة والإنقلاب على رئيس منتخب، واتهم الأمم المتحدة بتوفير غطاء سياسي لـ"إنقلاب السيسي"، بسبب السماح له بحضور اجتماع الجمعية العامة.

ورغم إصرار إردوغان على اللهجة العدائية لمصر والسيسي، وإصراره على احتضان جماعة الإخوان المسلمين، وتقديم الدعم السياسي والمالي والإعلامي لها، إلا أن أصواتا تركية تنادي بضرورة المصالحة مع مصر، ومنها ما صدر من تصريحات عن نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينك يوم الاثنين الماضي، وقال فيها: "إن تركيا تحتاج إلى إصلاح العلاقات مع مصر، ويتعين على القاهرة أن تبدأ بكسر الجمود أولًا".

بجانب الشعب المصري

الحديث من جانب الأتراك عن الإستعداد للتصالح مع مصر مشروط دائمًا. فوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال إن بلاده مستعدة لتحسين علاقاتها مع مصر، إذا أقدمت على "خطوات من أجل الديمقراطية، وأوقفت انتهاكات حقوق الإنسان والظلم".

وأضاف أوغلو أن تركيا ليس لديها أية مشكلة مع الشعب المصري، "إلا أنها تعترض على ظلم إدارة السيسي التي وصلت الحكم عبر انقلاب عسكري بحق الشعب المصري". أضاف: "قتل آلاف الأشخاص في الشوارع يتعارض مع حقوق الإنسان، فحق الحياة يعتبر أقدس حق طبيعي للإنسان. ونحن لا نعلم عدد المعتقلين السياسيين هناك، لقد اعتقلوا أكثر من 19 ألف شخص "، مشددًا على وقوف تركيا دومًا إلى جانب الشعب المصري.

وتشير التصريحات المرحبة بحذر للتصالح مع مصر إلى رغبة تصالحية في دائرة صنع القرار التركي. وقال السفير محمد يوسف، مساعد وزير الخارجية الأسبق، لـ"إيلاف": "ثمة أصوات سياسية في تركيا ترغب في الإعتراف بالتغيير السياسي الذي حصل في مصر بتاريخ 3 تموز (يوليو) 2013، والإعتراف بشرعية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وطي صفحة الإخوان، مشيرًا إلى أن الأصوات المعتدلة في تركيا ترغب في التصالح مع مصر، لاسيما بعد تصالح قطر معها، واحتمالية أن تتعرض المصالح الإقتصادية التركية مع دول الخليج للخطر".

الركب الأميركي

ولفت يوسف إلى أن الشروط التي يقدمها الأتراك للمصالحة مع مصر غير جدية، وليس لهم أي حق فيها، منوهًا بأن الحديث عن الإفراج عن المعتقلين أو التوقف عن إنتهاكات حقوق الإنسان، أمور داخلية تخص مصر، ولا يمكن أن تزايد تركيا على الحكومة المصرية بشأن حقوق مواطنيها.

ومن المتوقع أن يلعب الأمير تميم بن حمد دورًا بارزًا في المصالحة المصرية القطرية، إذا أتم مصالحة حقيقية وبنوايا صافية مع مصر.

وقال السفير جمال سعيد، مساعد وزير الخارجية الأسبق، لـ"إيلاف" إن المصالحة القطرية المصرية ستكون أحد أهم عوامل السعي نحو المصالحة مع تركيا، مشيرًا إلى أن قطر ستلعب دورًا جديدًا في المصالحة، لا سيما أن البلدين يرتبطان بعلاقات قوية. ولفت إلى أن قطر وتركيا يسيران في الركب الأميركي، منوهًا بأن واشنطن ترى أن مصالحها في المنطقة تتطلب إجراء مصالحة تركية مصرية، لرغبتها في دخول البلدين في الحرب ضد الإرهاب بشكل مباشر، لاسيما أنها لا تريد الغوص في هذا المستنقع بنفسها.

في صالح المنطقة

وفقًا للدكتور سامح عباس، الأستاذ في جامعة قناة السويس، فإن إردوغان رجل براغماتي، ولن يتوانَى في تحقيق المصالحة مع مصر إذا تعرضت مصالح تركيا بالخليج للخطر. وقال لـ"إيلاف" إن تركيا تشعر بنوع من العزلة الأقليمية، لاسيما أنها تقف في الجانب الآخر من الأنظمة في مصر وسوريا وبعض دول الخليج والعراق، منوهًا بأن قطر ودول الخليج إذا مارسوا ضغوطًا إقتصادية على تركيا، فإن إردوغان سوف يرضخ ويعقد مصالحة مع مصر، لا سيما أن تلك المصالحة ستكون في صالح المنطقة المهددة بالإنهيار.

وشدد على أن المصالحة المصرية التركية سوف تتطلب جهدًا كبيرًا، لاسيما أن إردوغان شخصيًا هو من يقود موجة العداء ضد مصر، بعكس قطر التي لم يصدر عن أميرها أي تصريحات عدائية ضد القاهرة، لكن موقفه من جماعة الإخوان، وإطلاق العنان لقناة الجزيرة لانتقاد مصر والسيسي، هو ما أنتج التوتر بين البلدين.