في العام 2003، استثمر الأميركيون الصحوات لقتال القاعدة في حواضنها، واليوم تستثمر القاعدة هذه الحواضن نفسها لطرد القوات العراقية من مناطق واسعة.

إعداد عبد الاله مجيد: كانت الموصل، ومحافظة نينوى بشكل عام، نموذجًا لالحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة في العراق بعد الاحتلال الاميركي في العام 2003، إذ استثمر الجنرال ديفيد بترايوس الذي كان قائد فرقة في المنطقة مقاومة أهلها لانتهاكات الجماعة الارهابية وبادر إلى دعم انبثاق مجالس الصحوة، التي قصمت ظهر القاعدة في نينوى والانبار، بعد فشل القوات الاميركية في هذه المهمة.

الحواضن

أدرك بترايوس، الذي اصبح قائد القوات الاميركية في العراق، لاحقًا أن القوة وحدها لا تجدي ضد الجماعات المسلحة، من دون حرمانها من حواضنها باحترام ارادة السكان في ادارة شؤونهم بأنفسهم.

لكن السلام الذي شهدته المناطق السنية إثر انسحاب القوات الاميركية من مدنها وتشكيل الصحوات انتهى بمجيء حكومة نوري المالكي، التي ظلت تنظر بعين الشك إلى رجال الصحوة، ورفضت الاستمرار في دفع رواتبهم أو دمجهم بالقوات الأمنية العراقية، لأن المالكي قرر بناء آلة عسكرية وأمنية ذات لون طائفي واحد. وهذه المرة، كان تنظيم القاعدة هو الذي استثمر سياسة المالكي الطائفية لإعادة تجميع قواه في محافظة نينوى ومحافظة الانبار ومناطق أخرى.

سياسة كارثية

يأتي سقوط الموصل، عاصمة المحافظة، بأيدي مسلحين حتى تنظيم القاعدة يرى انهم غلاة في التطرف فصلًا آخر من فصول السياسة الكارثية لحكومة المالكي، وخصوصًا خلال ولايته الثانية.

ويجسد سقوط الموصل بأيدي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) مأساة اسمها العراق الذي أحاله المالكي دولة فاشلة حكومتها المركزية، تفقد كل يوم السيطرة على مناطق واسعة من أرض العراق، بعد أكثر من عشر سنوات على سقوط صدام حسين ونظامه الدكتاتوري، كما تلاحظ صحيفة فايننشيال تايمز.

ومع تقدم داعش صوب بغداد بعد دخولها تكريت، تبدو حكومة المالكي أكثر عجزًا من أي وقت مضى. وتبخرت أمام مقاتلي داعش قوات المالكي التي انفق الاميركيون مليارات الدولارات على تدريبها وتسليحها.
في هذه الأثناء يتبادل السياسيون العراقيون في بغداد الاتهامات والتلاوم بشأن الخسارة الكارثية لثاني اكبر مدن العراق بدلا من شحذ الهمم لاحتواء الخطر على أقل تقدير.

نزعة تسلطية

لا ريب في أن الاحتلال الاميركي والحرب السورية أسهما في ظهور القاعدة واخواتها ثم صعودها، في ظل الدولة الضعيفة التي قامت على انقاض نظام البعث. لكن العراق رغم آثار الاحتلال وتداعيات الحرب السورية كان بمقدوره أن يتصدى للمخاطر التي تهدد العراق اليوم بحكومة مركزية ذات رؤية وطنية، وليس حكومة طائفية كتلك التي يرأسها المالكي. وليس اعتباطًا أن يصف مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن مصائب العراق بأنها "جروح انزلتها القيادة السياسية العراقية بنفسها على نفسها"، وان تلاحظ صحيفة فايننشيال تايمز أن المالكي الذي يطمح في ولاية ثالثة "أثار سخط الأصدقاء قبل الأعداء بنزعاته السلطوية وقيادته حكما ينخره الفساد".

وبدلا من تنفيذ تعهداته للعشائر السنية التي قاتلت القاعدة شن المالكي عليها حملة شعواء اثارت استياء المناطق السنية ونقمتها على حكومته. وشهدت هذه المناطق احتجاجات واعتصامات سلمية فضتها قوات المالكي بالقوة ما اسفر عن مقتل عشرات، كما حدث في الحويجة على سبيل المثال.

سجل حافل بالاخفاقات

أكدت منظمات حقوقية دولية أن حكومة المالكي ارتكبت انتهاكات خطيرة ضد حقوق الانسان. وفي هذا المناخ الذي شحنه المالكي طائفيًا، احتل داعش مناطق في مدينة الرمادي، وما زال يسيطر على مدينة الفلوجة بعد أن وجد في المالكي ضابط تجنيد يدفع إلى احضانه كل يوم عشرات من شبان العشائر الذين عقدوا العزم على الثأر لأهلهم من ضيم المالكي وتعامله معهم كمواطنين من الدرجة الثالثة.

وتمكن المالكي من البقاء رغم هذا السجل الحافل بالخروقات والاخفاقات، نظرًا لانقسام تمثيل الشيعة بين تنظيمات متعددة مثل الصدريين والمجلس الأعلى الاسلامي والانقسامات التي تضعف المكون السني في حين أن الكرد منشغلون بترصين حكمهم الذاتي شمالي العراق.

وحافظ المالكي على دعم الاميركيين لأنهم لا يرون بديلا عنه في فوضى العراق الذي نفضوا أيديهم منه وعلى دعم الايرانيين الذي فتح لهم ابواب العراق على مصاريعها.