بدت الصدمة واضحة على ملامح قيادات الأحزاب التونسية، وهم يفسرون العزوف المفاجئ للتونسيين عن التسجيل في القائمات الانتخابية. وفيما طالب بعض الأحزاب بالتمديد في عملية التسجيل، وتأجيل موعد الانتخابات، تمسكت أحزاب أخرى بالروزنامة المتفق عليها سابقا.
تونس: رغم الجهود المضنية التي بذلها السياسيون في تونس من أجل التوافق على روزنامة الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل نهاية العام 2014، كما ينص على ذلك الدستور الجديد، ظهر عامل لم يكن في الحسبان قد يفرض تأجيل الانتخابات إلى العام 2015.
وبات الإقبال الضعيف من طرف المواطنين للتسجيل في القائمات الانتخابية - وهي عملية ضرورية للاقتراع- يهدد بتأجيل موعد الانتخابات وإحداث إرباك في الروزنامة المتفق عليها، وإرباك المسار الانتقالي برمته.
وكان المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) قد أقر يوم 25 يونيو/حزيران الماضي إجراء الانتخابات التشريعية يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول القادم، والدورة الأولى لانتخابات الرئاسة يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهو ما يمهد لإرساء مؤسسات حكم دائمة.
108 آلاف فقط !
يحق لـ7 ملايين تونسي التصويت في الانتخابات، لكن بعد انقضاء فترة أسبوعين على انطلاق عمليات التسجيل في القائمات الانتخابية، ما زالت نسب الإقبال تسجل مستوى محتشما ودون المأمول، إذ لم يتجاوز عدد من بادروا بالتسجيل إلى حد يوم أمس الثلاثاء 108 آلاف شخص فقط.
وفي انتخابات 2011 التي أعقبت رحل نظام بن علي، سجّل 4 ملايين تونسي أسماءهم في القائمات الإنتخابية، ويعتقد المسؤولون أن يضاف إليهم 3 ملايين ناخب جديد.
وتنتهي عمليات تسجيل الناخبين يوم 22 يوليو / تموز الجاري، ولا نية لهيئة الانتخابات لتمديد هذا التاريخ.
والأحد الماضي، قال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية شفيق صرصار إن عدد التونسيين الذين سجلوا للانتخابات التشريعية والرئاسية بلغ سبعين ألف شخص، واعتبر صرصار رقم المسجلين "محدودا، ويجب تكثيف الجهود لمضاعفته".
أسباب اللامبالاة
يعزو الإعلام والمتابعون في تونس ضعف الاقبال غير المتوقع للتسجيل بـ"ضعف الحملات الإعلامية والتوعوية التي تقوم بها هيئة الانتخابات".
وأرجع عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نبيل بافون، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية (وات) ضعف الإقبال، إلى "تردد وعدم حماسة المواطن التونسي للمشاركة في الانتخابات القادمة"، مضيفا أن ضعف الإقبال شمل على حد السواء شريحة كبار السن والشباب، وبالخصوص أصحاب المستوى التعليمي المتدني.
إضافة إلى عدم فتح مكاتب التسجيل في عديد المناطق في الاجال المحددة فإن أغلب مكاتب التسجيل المتنقلة لم تسجل حضورها ميدانيا، علاوة على أن عملية التسجيل تتم في التوقيت الإداري وهو أمر مستهجن حسب كثيرين، إذ من الصعب على العمال في تونس، التسجيل في أوقات عملهم خصوصا أن العملية تتم في شهر رمضان.
من جانبه، ارجع راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة الإسلامي، أسباب العزوف إلى الإعلام الذي يشيطن السياسيين.
وقال لصحيفة "الفجر" لسان حركة النهضة: "عزوف التونسيين عن الانتخابات ثمرة طبيعيّة لما انتهجته بعض وسائل الإعلام في سياسة ثابتة تعزف فيها بالليل والنهار على وتر فشل السياسيين وتُبرزُهم في شكل لصوص وخبثاء ومهرّجين واستغلاليين وعابثين بإرادة الشعب، يسفّه بعضهم بعضا، فنتيجة هذا السلوك لن تكون حتما إلاّ يأسا قاتمًا من هذه النخبة السياسيّة، ورفضًا ومقاطعة لها".
سخرية وتهكم
وبدت الومضات الإعلامية التي أعدتها هيئة الانتخابات وتبثها باستمرار وسائل الإعلام المرئي والمسموع، مثيرة للسخرية وغير مقنعة للناخب التونسي.
في حين يذهب محللون إلى رد العزوف عن الاهتمام بالعملية الانتخابية، إلى "الأداء السيئ للنخبة السياسية" منذ رحيل نظام بن علي، و"خيبة الأمل التي تلقاها الناخب منذ وصول الترويكا بقيادة حركة النهضة إلى الحكم، والأداء غير المرضي للمجلس الوطني التأسيسي".
وسخر التونسيون عبر شبكات التواصل الاجتماعي من الومضات الاشهارية التي تحضّ على التسجيل في الانتخابات، واعتبر بعضهم تلك الومضات "دعاية مضادة للتسجيل" وتحريضا على "اللامبالاة"، لأنها أنجزت بطريقة بدائية وخالية من الإبداع ولجأت إلى بعض الوجوه الفنية المستهلكة التي لا تستهوي الشباب.
دعوات للتأجيل
فتح الباجي قائد السبسي، رئيس حركة (نداء تونس) التي لها حظوظ وافرة للفوز في الانتخابات، شهية أحزاب كثيرة للدعوة إلى تأجيل الانتخابات بسبب العزوف الشعبي.
ودعا الباجي قائد السبسي الى تمديد عملية تسجيل الناخبين التي تنتهي في ال22 من يوليو الجاري طبقا للجدول الزمني الذي أقرته اللجنة العليا للانتخابات.
وقال السبسي في مؤتمر صحافي، إن تمديد فترة التسجيل سيضمن مشاركة أكبر عدد ممكن من المواطنين وسيساعد على تدارك النقص في عدد الناخبين الذى شهدته انتخابات 23 أكتوبر 2011.
واعتبر أن تخصيص شهر واحد لعملية التسجيل غير كاف وسيتيح في أقصى الحالات تسجيل 200 الف مواطن فقط ولاسيما أن عدد الناخبين المسجلين حتى الان هو في حدود 100 الف منذ أكثر من أسبوعين على انطلاق عملية التسجيل.
واقترح تعديل الروزنامة الانتخابية الحالية التي وصفها بأنها "طويلة ومعقدة"، معربا عن استيائه مما اعتبره" تهميشا للانتخابات الرئاسية من خلال تحديد يوم 28 ديسمبر 2014 كموعد لدورتها الثانية".
من جانبه، دعا الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية (إئتلاف يساري) حمة الهمامي، خلال ندوة صحافية اليوم الإربعاء، إلى التمديد في فترة التسجيل للانتخابات بشهر أو أكثر بالإضافة إلى الزيادة في عدد مراكز التسجيل وخاصة في الأرياف والاعتماد على مراكز البريد نظراً لوجودها في كافة المناطق.
وأكد الهمامي ان التمديد في آجال التسجيل للانتخابات لن يكون له انعكاسات على موعد إجرائها معتبراً ان الظروف التي تعيشها البلاد والمناخ الذي أعدته الحكومة والهيئة العليا المستقلة للانتخابات لا تهيئ لانتخابات حرة وشفافة.
وأشار إلى أن فشل عملية التسجيل مؤشر على فشل الانتخابات القادمة، وأنّ هيئة الانتخابات لا تقوم بالمجهود اللازم لإنجاح عملية التسجيل وكأنها تقبل بالفشل.
رفض التمديد
وفيما تريد أحزاب تمديد عملية التسجيل، ترفض أحزاب أخرى العملية، وتطالب بإحترام الروزنامة المتفق عليها، واحترام الدستور في مقام أول.
ويقول المحللون إن ضعف الاقبال يصب لزاما، في صالح حركة النهضة الاسلامية.
وقال رئيس الهيئة السياسية العليا للحزب الجمهوري، أحمد نجيب الشابي، "إن التفكير في تمديد مدة التسجيل بالنسبة للناخبين يعتبر ضد أحكام الدستور ويضر بالمصلحة العامة".
ودعا الشابي، في تصريح الأربعاء النخب السياسية إلى "تكثيف الجهود لدفع المواطنين للمشاركة في العملية الانتخابية القادمة".
أما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب الرئيس المرزوقي)، فقد انتقد دعوات الباجي قائد السبسي لتأجيل الانتخابات، وقال في بلاغ تلقت "إيلاف" نسخة منه:
"دعا اليوم أحد رموز المنظومة السابقة لتمديد الآجال الانتخابية مشككا في مصداقية الهيئة لمستقلة للانتخابات في خرق واضح للدستور والقانون والتوافق، يذكرنا بسوابق النظام البائد".
وقال الحزب إنه يتمسك بإجراء الانتخابات "حسب الروزنامة المقترحة" وانتقد "المناورات الرامية لتأجيل الانتخابات أو التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية أو نتائجها".
التعليقات