قطعت معظم محطات التلفزيون والراديو في تونس برامجها الرمضانية، وارتدى مقدمو البرامج وضيوفهم الأزياء السوداء، واكتفت وسائل الاعلام بتقديم تغطيات اخبارية عن حادث مقتل 14 جندياً، وما خلّفه من صدمة وحزن.


إسماعيل دبارة من تونس: خيّمت مظاهر الحزن على تونس التي أعلنت الحداد لثلاثة أيام ونكّست الأعلام بعد مقتل 14 جنديًا على ايدي متطرّفين في جبل الشعانبي.

وقطعت معظم القنوات التلفزيونية ومحطات الراديو برامجها الرمضانية، وارتدى مقدمو البرامج وضيوفهم الأزياء السوداء، واكتفت وسائل الاعلام بتقديم تغطيات اخبارية عن الحادث الذي خلّف صدمة وذهولاً في البلاد.

وخلت معظم الشوارع من المارة مساءً وبدا الحزن واضحًا على محيا المواطنين الذين تابعوا بإهتمام وغضب الأنباء الواردة من جبل الشعانبي المحاذي للحدود الجزائرية، والذي تحوّل إلى معقل لمسلحي تنظيم القاعدة المتطرّف.

وعلى نحو عاجل، اجتمع مساء الخميس، بقصر الرئاسة بقرطاج، رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي بكل من رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر ورئيس الحكومة الموقتة مهدي جمعة، واستعرضوا الوضع العام بالبلاد وآخر التطورات على الساحة الأمنية&والتحديات التي تواجه المسار الانتخابي.

وقد اقر الرؤساء الثلاثة، حسب بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية، جملة من الإجراءات دون ذكر تفاصيلها لمواجهة الخطر الإرهابي، وذلك من اجل زيادة فاعلية الأجهزة العسكرية والأمنية.

كما أكد الرؤساء الثلاثة على ضرورة أن تتم مكافحة الإرهاب في جو من الوحدة الوطنية بين مؤسسات الدولة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.

وأعلنت وزارة الدفاع التونسية الخميس مقتل 14 عسكريًا وفقدان جندي في هجوم ارهابي نفذه مساء الأربعاء عشرات من المسلّحين المحسوبين على تنظيم القاعدة في جبل الشعانبي (وسط غرب) على الحدود مع الجزائر.

وقال وزير الدفاع غازي الجريبي في مؤتمر صحافي إن مجموعة تضمّ "ما بين 40 و60 نفراً"، بينهم تونسيون وجزائريون و"مرتزقة أجانب"، نفذت الهجوم الاربعاء.

واضاف أن "الارهابيين" استعملوا رشاشات وقذائف مضادة للدروع (ار بي جي)، موضحاً أنهم استهدفوا في موعد الإفطار في وقت واحد نقطتي مراقبة تابعتين للجيش في هنشير التلة بجبل الشعانبي.

وأسفر الهجومان عن مقتل 14 عسكرياً واصابة 18 آخرين، بينهم 3 حالتهم خطيرة، وفق الوزير الذي أعلن أيضاً مقتل "إرهابي" في العملية.

وقضى خمسة من العسكريين القتلى بالرصاص وتسعة حرقًا، بعدما اشتعلت النيران في خيمتهم التي استهدفها "الارهابيون" بالقنابل اليدوية وقذائف ار بي جي، وفق وزارة الدفاع.

جمعة: الإرهابيون يستخدمون أسلحة ثقيلة

وعد رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة في خطاب توجه به إلى الشعب بعد مقتل الجنود، بأن هذه "الجريمة لن تمر بلا عقاب"، مشددًا على البعد "الاقليمي" لظاهرة الارهاب. كما اعترف "بالتغيير النوعي" في تنظيم هذه المجموعات التي باتت تستخدم "اسلحة ثقيلة".

ودعا مهدي جمعة، كافة مؤسسات الدولة، ومكونات المجتمع السياسية والمدنية والثقافية، إلى تحمل مسؤولياتها في مجابهة الإرهاب، والتغاضي عمّا يفرقها وتوحيد جهودها من أجل القضاء عليه.

وأعلن جمعة أنه سيعقد اجتماعًا في وقت لاحق هذه الليلة مع رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي، ورئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر لمزيد إحكام التنسيق بين المؤسسات الثلاث في هذا الاتجاه، مشددًا على أن هذه الجريمة النكراء "لن تبقى دون عقاب، وسيتم تتبع كل من شارك فيها من قريب أو بعيد وكل من فرح بها".

وأضاف أنه سيلتقي الجمعة بالمشاركين في الحوار الوطني بمكونيه الرباعي الراعي للحوار والأحزاب السياسية، وسيطلب منهم التركيز على ملف محاربة الإرهاب، وإنجاح المسار الانتقالي، وتأجيل بقية الأولويات إلى حين النجاح في هاتين المسألتين، داعيًا أعضاء المجلس الوطني التأسيسي إلى ضرورة الإسراع في المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب.

كما أفاد بأنه كلف وزير الشؤون الخارجية بالاجتماع غدًا الجمعة بسفراء "الدول المؤثرة والمصنعة للتجهيزات العسكرية" على حد تعبيره، لحثهم على الإسراع في مد تونس بها وتجاوز عائق الزمن المستوجب لتصنيعها، قائلاً في هذا الصدد "لو كانت قواتنا تمتلك مثل هذه التجهيزات&لتم تفادي الخسائر البشرية في العملية الأخيرة".

وأكد رئيس الحكومة، أن المستهدف من هذه العملية هي تونس وديمقراطيتها الناشئة ونمطها المجتمعي، في الوقت الذي تحاول فيه بناء اقتصادها وإنقاذ موسمها السياحي، مشيراً إلى أن إنجاح التجربة الديمقراطية التونسية والوصول بالبلاد إلى الاستقرار السياسي هو بمثابة "ابطال للمشروع الإرهابي الذي يتغذى من عدم الاستقرار".

وأوضح أن الأجهزة العسكرية الأمنية بالتعاون مع الأجهزة القضائية تمكنت من إيقاف ما يقارب 1000 إرهابي منذ بداية السنة، كما تمكنت من صد 12 هجومًا ارهابيًا على مراكز حدودية خلال نفس الفترة، مفيدًا بأن الحكومة قد أعدت استراتيجية بالتعاون مع جميع الأطراف الأمنية والعسكرية لمحاربة الإرهاب على جميع الأصعدة.

واعتبر "أنه من الخطأ الاعتقاد في امكانية الانتصار على الإرهاب دون خسائر أو تحقيق التنمية دون عمل"، مبينًا أن الحكومة أحصت منذ بداية السنة قرابة 9000 تحرك احتجاجي استوجبت في أغلبها تدخل قوات الأمن، وهو ما يؤدي الى تشتيت قدراتها، حسب تعبيره.

كما استعرض النجاحات التي حققتها الأجهزة الأمنية الاستخباراتية بفضل تنشيط الجهاز الاستعلاماتي، والتي مكنت من احباط عديد العمليات الارهابية، وكذلك التنبؤ بالعملية الأخيرة التي قال"إن وزارة الداخلية اصدرت في شأنها برقية لجميع الأجهزة الأمنية والعسكرية تنبهها من وقوع هجمات ارهابية خطيرة في هذا التوقيت"

المرزوقي: الجيش يحتاج دعمًا

أكد الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي، أن الدولة مطالبة بتوفير كل ما يحتاجه الجيش الوطني من أدوات دفاع عن النفس وتجهيزات هجومية في حربه ضد الإرهاب، وهو ما يتطلب حسب تعبيره، إعادة النظر في ميزانية الدولة التكميلية لسنة 2014، قائلاً في هذا الصدد، "ليعلم الإرهابيون أننا سنرفع التحديات وسنتغلب على الصعوبات وسنخرجهم من ارض الوطن".

واعتبر المرزوقي، في كلمة توجه بها مساء الخميس إلى الشعب التونسي، ونقلتها القناة الرسمية، أن الإرهابيين أرادوا إيصال رسالة تهديد إلى الشعب التونسي، مفادها أنهم لن يتركوا له المجال للفرح والشعور بالأمن والاستقرار ومواصلة المسار الديمقراطي.

ودعا الشعب إلى الرد على هذه الرسالة برسالة أخرى تؤكد تمسكه بنمط حياة يجمع بين الحداثة والأصالة، ويكرس النهج الديني المعتدل، ويرسي نظامًا سياسيًا عبر الانتخابات.

وأكد أن تكريم الشهداء من أبناء الأمن والجيش الوطنيين، يكون عبر التحلي ببرودة الأعصاب وتحكيم العقل في مواجهة الإرهاب، واعتبار الشهداء قدوة ومثالًا يحتذى في الصبر والتضحية والتعالي عن المناصب، معربًا عن ثقته في قدرة الشعب التونسي على هزيمة كل من يتربص بمستقبل البلاد.

ودعا المرزوقي الشباب التونسي، إلى الانخراط في صفوف الجيش الوطني والتجند للذود عن حرمة الوطن في هذا الظرف الصعب الذي تمر به البلاد، ودعم قوات الجيش والأمن معنويًا، مطالبًا الحكومة باحتضان عائلات الشهداء وتقديم كافة أشكال الدعم لها.

الخسارة الأكبر في تاريخ الجيش

مقتل 14 جنديًا، الأربعاء، يعتبر أكبر خسارة في تاريخ المؤسسة العسكرية في تونس منذ استقلال البلاد عن فرنسا سنة 1956.

وقررت رئاسة الجمهورية حدادًا لثلاثة أيام اعتبارًا من الخميس.

وبدعوة من احزاب المعارضة الكبرى، تجمع مئات المتظاهرين مساء الخميس في وسط تونس لإدانة هذه الهجمات "الارهابية" ورددوا شعارات ضد حزب النهضة الذي يشكل اغلبية في المجلس التأسيسي.

وكان جبل الشعانبي شهد هجومًا مماثلاً العام الماضي في شهر رمضان عندما قتل مسلحون مع موعد الافطار 8 جنود في كمين نصبوه لهم يوم 29 تموز/يوليو 2013.

وأعلن القضاء العسكري وقتها أن المسلحين جردوا الجنود من اسلحتهم وبدلاتهم العسكرية وذبحوا 5 منهم.

وقد أججت تلك الحادثة أزمة سياسية حادة في البلاد انتهت باستقالة الحكومة التي كانت تقودها حركة النهضة الاسلامية، لتحل محلها نهاية كانون الثاني/يناير 2014 حكومة تكنوقراط برئاسة مهدي جمعة.

واعلن الجنرال محمد صالح الحامدي، رئيس أركان جيش البر، "فقدان" عسكري برتبة جندي متطوع في هجوم الأربعاء.

وقال في مؤتمر صحافي إن الجندي "مفقود حتى الآن ويمكن أن يكون مختطفًا أو مصابًا أو قد استشهد".

وأضاف "يجب أن نعد انفسنا لحرب طويلة الأمد (ضد الارهاب) ويجب أن نكون مستعدين نفسيًا لتقبل خسائر أخرى"، لافتًا إلى أن المسلحين الذين نفذوا العملية "متدربون".

وهذه&المرة الاولى التي&يستعمل فيها "ارهابيون" قذائف ار بي جي المضادة للدبابات في هجوم ضد قوات الجيش في تونس، بحسب وزير الدفاع الذي اعتبر ذلك "نقلة نوعية".

وصرح وزير الدفاع أنه "كلما اقتربنا من الانتخابات سيزداد تصميم الارهابيين على تعطيل المسار الديموقراطي" في تونس.

وتجري في تونس انتخابات تشريعية في 26 تشرين الاول/أكتوبر 2014 ورئاسية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

وقال الوزير "هناك مخططات جهنمية لاستهداف كل المنطقة من مصر (..) إلى المغرب" دون الادلاء بمزيد من التفاصيل.

ومنذ نهاية 2012، تلاحق أجهزة الجيش والأمن في جبل الشعانبي من ولاية القصرين الحدودية مع الجزائر، مجموعة مسلحة تطلق على نفسها اسم "كتيبة عقبة بن نافع".

وتقول السلطات إن هذه المجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وإنها خططت لإقامة "أول إمارة إسلامية" في شمال افريقيا بتونس عقب "الثورة" التي أطاحت مطلع 2011 بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

ومنتصف حزيران/يونيو 2014 الحالي اعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، للمرة الاولى، أن المسلحين المتحصنين في جبل الشعانبي&يتبعون له.

ورغم القصف الجوي المنتظم والعمليات البرية في جبل الشعانبي، لم تتمكن قوات الامن التونسية والجيش حتى الآن من السيطرة على المسلحين المتحصنين بالجبل.

وعزت وزارة الدفاع ذلك الى وعورة تضاريس الجبل الذي يمتد على مساحة 100 كلم مربع بينها 70 كلم تغطيها الغابات.