في 30 تموز/يوليو 1914 وبعد ثمانية ايام من التشكيك والتردد، اعلن قيصر روسيا نيكولاس الثاني بتشجيع من المحيطين به، التعبئة العامة في روسيا مسرعا بذلك دخول اوروبا الى الحرب العالمية الاولى. ونشر امر التعبئة في برقية مساء ذلك اليوم عند الساعة 18,00 في جميع انحاء البلاد. وظهرت الاعلانات الحمراء التي تدعو الروس الى خدمة العلم في كل مكان في الساعات التي تلت، مما اثار حالات من الفرح في بعض المناطق.

وكتب الصحافي الليبرالي حينذاك ميخائيل ليمكي ان "التظاهرات في الشوارع هائلة"، مشيرا الى ان "القيصر باصوله الالمانية، هو الوحيد الذي يقف ضد الحرب". والحماس نفسه - على الاقل في المدن - تجلى بعد يومين عندما اعلن امبراطور المانيا غليوم الثاني الحرب على قريبه نيكولاس الثاني لعدم نجاحه في الغاء امر التعبئة الروسي الذي اعتبره الخبراء الاستراتيجيون العسكريون والسياسيون اعلان حرب.

وكتب نيكولاس الثاني في مفكرته في الاول من آب/اغسطس "عند الساعة 6,30 (18,30) ذهبنا الى القداس. عندما عندنا علمنا ان المانيا اعلنت الحرب". في الثاني من آب/اغسطس، بارك نيكولاس الثاني جيشه في سان بطرسبورغ مكررا الكلمات التي وجهها سلفه الكسندر الاول امام الجنود الذي توجهوا الى الميدان لقتال نابوليون في 1812. واطلق على الحرب اسم "الحرب الوطنية الثانية". وكتب ليمكي ان "الاجراس تقرع طوال النهار وحشود من المؤمنين تكتظ بهم الكنائس والاجواء احتفالية".

وفي سان بطرسبورغ التي يرتدي اسمها طابعا المانيا واصبح بتروغراد، تعرضت السفارة الالمانية للتخريب. ومنع استخدام اللغة الالمانية بينما تضم عاصمة قياصرة روسيا منذ بطرس الاكبر جالية ناطقة بالالمانية كبيرة جدا. وكان كل شيء قد بدأ قبل عشرة ايام. فقد اقام نيكولاس الثاني حفل استقبال فخم على شرف رئيس الجمهورية الفرنسية ريمون بوانكاريه في قصره الصيفي في سان بطرسبورغ.

كان حفل الاستقبال هذا الاخير الذي اقامته عائلة رومانوف. فبعد ثلاث سنوات اسقطت الحرب العالمية والثورة عائلة حاكمة منذ ثلاثة قرون. وبعد رحيل بوانكاريه تمام، مساء الثالث والعشرين من تموز/يوليو وجهت امبراطورية المجر انذارها الى صربيا.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي سازونوف عندما ابلغ القيصر بالنبأ في اتصال هاتفي "انها الحرب الاوروبية". ورد نيكولاس الثاني "انه امر يثير الغضب". في اليوم التالي طلبت صربيا مساعدة حليفتها روسيا. ومنذ الخامس والعشرين من تموز/يوليو بدأت الاستخبارات الروسية تكشف ان برلين وفيينا بدأتا استعدادات عسكرية سرية، بدون اعلانها.

وتحت ضغط كبار الضباط في قيادة جيشه، اطلق قيصر روسيا بداية تعبئة منذ السادس والعشرين من تموز/يوليو. في 28 من الشهر نفسه اعلنت فيينا الحرب على بلغراد. واصر الدبلوماسيون والعسكريون الروس على اعلان تعبئة عامة. عندها، حاول نيكولاس الثاني نزع فتيل النزاع في تبادل برقيات مع قريبه غليوم الثاني في مراسلات لم تؤد الى نتيجة واتسمت بطابع سريالي في بعض الاحيان اذ ان الملكين اللذين يدركان انهما سيكونان في حالة مواجهة قريبا عبرا عن مشاعر ود متبادلة ووقعا باسميهما الصغيرين "نيكي" و"ويلي".

وكتب نيكولاس الثاني لغليوم الثاني برقة "اتوقع الا تمكن قريبا جدا من مقاومة الضغوط التي تمارس علي وان اضطر لاتخاذ اجراءات ستقود الى الحرب"، متوسلا اليه ان يفعل ما بوسعه "لتجنب كارثة حرب اوروبية". واقترح على قريبه خصوصا اللجوء الى التحكيم في محكمة لاهاي لتسوية النزاع بين النمسا وصربيا. لكن الاقتراح رفض. في اليوم التالي طلب منه غريغوري راسبوتين الرجل المؤثر وكاتم اسرار العائلة الملكية "الا يعلن الحرب" التي "ستنهينا جميعا".

لكن ضغوط الاوساط العسكرية والسياسية المحيطة به قوية جدا. في 29 تموز/يوليو وقع القيصر مرسوم التعبئة ثم سحبه قبل ان يؤكده في 30 بشكل نهائي. كان الجميع يتصورون ان الحرب التي باتت حتمية ستكون قصيرة. الا انها استمرت حوالى اربعة اعوام وادت الى مقتل مليوني روسي على الاقل.

ولاسباب عقائدية وصف النزاع "بالحرب الامبريالية" واصبح طي النسيان من قبل النظام البلشفي الذي لا يمكنه الاعتزاز بقبوله اتفاق السلام في بريست ليتوفسك الذي انتزع من روسيا اراضيها الاوروبية. ويقول المؤرخ بيوتر مولتاتولي في تصريح لوكالة فرانس برس ان ذكرى هذا النزاع محته الخسائر الهائلة التي سببتها ثورة 1917 والحرب الاهلية التي تلتها وخصوصا ال25 مليون مواطن في الاتحاد السوفياتي الذين قتلوا في مواجهة المانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.

لكن الوضع تغير مع وصول فلاديمير بوتين الى الرئاسة في العام 2000. فهو يريد اخراج هذا النزاع من النسيان. وقال مولتاتولي ان "التذكير بحرب ادت الى تسريع انهيار الامبراطورية الروسية سيساعد السلطة على صياغة فكرة وطنية" زالت مع انهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية 1991.

وقالت الجمعية العسكرية والتاريخية لروسيا المكلفة برنامج الاحتفالات لاحياء هذه الذكرى، ان ذكرى النزاع هي فرصة لروسيا الجديدة "للحديث عن الشعور الوطني حينذاك" عبر معارض وافلام... وقال ارتيوم سافينوف من متحف الجيش الروسي في موسكو ان "الحرب العالمية الاولى يجب ان تحقق تلاحما بين الروس". ويخصص المتحف هذا الصيف معرضا للنزاع للمرة الاولى منذ انشائه في 1921.