يقول خبراء استراتيجيون إن تنظيم الدولة الاسلامية صنيعة أميركية، وإن الحرب التي تشنها أميركا عليه اليوم ليست إلا تأديبًا لأنه خرج عن طوعها لا أكثر.


القاهرة: منذ 12 حزيران (يونيو) الماضي، تضخم تنظيم الدولة الإسلامية وسيطر على غالبية المحافظات العراقية السنية التي تشتعل بالغضب، بسبب تهميشها من قبل الحكومات العراقية التي يغلب عليها الطابع الشيعي.

فاترٌ فحارّ

كان الموقف الأميركي في البداية فاترًا، وإعتبرت الادارة الأميركية الأمر شأنًا داخليًا للعراق، ودعت رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى احتواء غضب المحافظات السنية وعدم تهميشها. إلا أن هذا الموقف الفاتر شهد سخونة عالية مع تقدم التنظيم شمالًا، وسيطرته على مجموعة من القرى والمدن الخاضعة للأكراد، وتهجيره مسيحيي الموصل وإيزيدي سنجار.

أمام هذا التقدم، أعلنت أميركا أنها ستوجه ضربات جوية للتنظيم المتطرف، بهدف الحفاظ على مصالحها في إقليم كردستان العراقي. وقررت لاحقًا تكوين تحالف دولي لمحاربته والقضاء عليه كما تم القضاء على القاعدة، على حد توعد الرئيس باراك أوباما.

تخطى حدوده

هذا التنظيم صناعة أميركية. هكذا يقول خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية، الذين يؤكدون أن الجماعات الإرهابية ليست إلا جزءًا من إستراتيجية طويلة الأمد لـ"سي أي أيه" والموساد، ضمن ما يعرف بـ"حروب الجيل الرابع"، التي تهدف إلى تفتيت الدول العربية والإسلامية. ويدللون على صدقية تحليلاتهم بأن هذه التنظيمات توجه أسلحتها نحو صدور الجيوش وأجهزة الشرطة العربية، وليس صوب الجيش الأميركي.

وإذا كان تنظيم الدولة الاسلامية صناعة أميركية، فلماذا تسعى واشنطن الآن إلى القضاء عليه، بالإشتراك مع دول أوروبية وعربية أخرى، في مقدمها بريطانيا والسعودية والعراق؟

يرى خبراء في شؤون جماعات الإسلام السياسي وخبراء عسكريون أن أميركا لا تريد القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية، وأخواته من التنظيمات الجهادية الأخرى، بل تريد تأديبها وإعادتها إلى بيت الطاعة، لاسيما أن هذا التنظيم تخطى الخطوط الحمراء عندما هاجم كردستان العراق، الحليف الإستراتيجي لأميركا وإسرائيل في المنطقة، وقتل مواطنين أميركيين، ويحاول الإخلال بتوازن القوى في المنطقة، وخلق دولة إسلامية قد تشكل خطرًا على المصالح الأميركية والوجود الإسرائيلي.

الطوق النظيف

ووفقًا لمؤسس تنظيم الجهاد في مصر، الشيخ نبيل نعيم، فإن تنظيم الدولة الاسلامية نشأ في الأردن برعاية المخابرات الأميركية، وأعضاء التنظيم تلقوا التدريبات في المعسكرات في الأردن ثم انتقلوا إلى سوريا والعراق.

وأضاف لـ"إيلاف": "تركيا أيضًا تحتضن هذا التنظيم بالتنسيق مع أميركا، بينما تتولى قطر عمليات التمويل بأوامر اميركية، وأميركا وإسرائيل أنشأوا تنظيم الدولة وجبهة النصرة ضمن خطة تعرف باسم الطوق النظيف، تهدف إلى تدمير وتفتيت دول الطوق المحيطة بإسرائيل".

وحول أسباب إعلان أميركا الحرب على التنظيم، قال نعيم: "أميركا لا ترغب في تدميره، لكنها فقدت سيطرتها عليه بسبب انضمام عدد من قيادات البعث العراقي إليه، ومدّه بالسلاح والمال من قبل البعثيين نكاية في رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والحكومات العراقية الشيعية، بالاضافة إلى حصوله على اكثر من نصف مليار دولار من بنوك الموصل، وهذا الدعم العسكري والسياسي والمالي، أخرج التنظيم عن الشور الاميركي، فاتجه إلى السليمانية للاستيلاء على نفط كركوك، ما قد يحوله إلى قوة لا يستهان بها، في ظل إعلان أبي بكر البغدادي قيام الخلافة الإسلامية وانضمام الكثير من الشباب المسلم في البلدان العربية والإسلامية والأوروبية إليه، ما يشكل خطرًا مباشرًا على المصالح الأميركية وأمن إسرائيل".

سنوات طويلة

وذكر نعيم أن الإدارة الاميركية تحشد لضرب التنظيم بهدف تحجيمه وإعادته إلى بيت الطاعة الأميركي. وأضاف: "حديث أوباما حول أن القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية يحتاج لسنوات طويلة، ويثبت أن الهدف هو إعادة السيطرة الأميركية وليس القضاء عليه، فالدولة مثل القاعدة، صنعتها أميركا وعندما هددت مصالحها انقلبت عليها، ولاسيما ان هذه الجماعات يصعب السيطرة عليها".

وقال إن الغرب انتفض ضد تنظيم الدولة الاسلامية عندما تخطى الخطوط الحمراء وهاجم كردستان، "فالغرب يعلم أن البيشمركة لن تصمد أمام التنظيم، وأميركا تتخذ من هذه الجماعات المتطرفة فزاعة لتخويف الدول بها، لذا لن تقضي اميركا على التنظيم، لكنها ستضعفه فقط".

أسيرة نظرية المؤامرة

وقال اللواء عبد المنعم سعيد، الخبير الاستراتيجي، لـ"إيلاف" إن تنظيم الدولة الاسلامية ومختلف جماعات الإرهاب في المنطقة تحمل راية واحدة، "تعتبر منتجات أميركية، تستخدمها لتحقيق مصالحها، وتعتبرها بمثابة فزاعات يتم استخدامها وقت الحاجة اليها".

ولفت إلى أن أميركا مهتمة بألا يحصل التنظيم على أكبر من حجمه، وأن يظل يشكل تهديدًا للدول العربية باستمرار، "فهذا نوع من الخبث السياسي تمارسه أميركا وحلفاؤها الاوروبيون، وصناعة هذا التنظيم في العراق والقاعدة في افغانستان مثل صناعة اسرائيل في الشرق الاوسط".

ويلفت سعيد إلى أنه يجب الإعتراف بأن المشاكل المتعمقة التي تعانيها مختلف الدول العربية شكلت بيئة خصبة لنمو تلك الجماعات. وقال الدكتور سامح عباس، الخبير السياسي، لـ"إيلاف" إنه لا يمكن التسليم بنظرية المؤامرة بشكل كامل، مشيرًا إلى أن المنطقة العربية تعيش أسيرة لنظرية المؤامرة منذ عقود طويلة، ولم تستطع أن تتقدم للأمام ميلًا واحدًا.

وأشار إلى أن لدى العالم العربي ودول المنطقة بيئة خصبة لنمو نظرية المؤامرة، ولديها أيضًا ميل طبيعي للتقسيم بسبب المشاكل المتعمقة التي تعانيها منذ عقود طويلة، بسبب القمع والاستبداد، "فسوريا مثلًا تعاني القمع والتهميش لسنوات طويلة، والطائفة السنية التي تشكل نحو 80% من السكان تعاني القمع والتهميش منذ تولي حافظ الأسد الحكم، ثم مع خلافة ابنه بشار، وتسيطر الطائفة العلوية، التي تشكل أقل من عشرة بالمائة، على الدولة وثرواتها، بالتالي فإن الانتفاضة التي حصلت كانت طبيعية، وكان من الممكن تفادي المصير الذي وصلت إليه سوريا الآن، لو أجريت إصلاحات أو تنحى بشار الأسد عن الحكم، إلا أنه تشبث بالسلطة والقمع ووصف شعبه بالإرهاب، فظهرت بالفعل جماعات مسلحة ترى أن الحرب ضده حربًا مقدسة للدفاع عن السنة.

جرى تقسيمه

وقال عباس إن العراق جرى تقسيمه بالفعل، بسبب استبداد صدام حسين في أعقاب حرب الخليج الأولى، "فإقليم كردستان يحظى بحكم ذاتي، ولديه قوات عسكرية، ويستعد لإعلان استقلاله فعليًا. وأوضح أن الحكومات العراقية المتتالية منذ سقوط بغداد في 2003، تحكم العراق طائفيا، وتهمش السنة.

واستغلت الجماعات السنية الجهادية الأوضاع، ومن هنا ولدت القاعدة ثم خرج من رحمها تنظيم الدولة الاسلامية، وتحاول فرض سيطرتها على المحافظات السينة برضا أهاليها انتقامًا من حكومة نوري المالكي الطائفية الشيعية.

ونبه إلى أن أميركا وإسرائيل استغلتا تلك البيئة الخصبة في زيادة نمو تلك الجماعات، وعندما رأت أميركا تلك الجماعات تخرج عن الخط المرسوم لها وتتجه صوب إقليم كردستان الذي صنعته أيضًا، ويخدم مصالحها، اضطرت للتدخل من أجل تحجيمها.