فازت العاصمة اليابانية طوكيو بذهبية ماراثون المدن الخضراء سلفًا، في الدورة الأولمبية 2020، بحكم رغبتها في اعتماد تقنية خلايا الوقود في تزويد كامل المدينة الأولمبية بالطاقة.


ماجد الخطيب: وضعت "آودي"، شركة السيارات الألمانية المعروفة، أسطولًا من سياراتها الفارهة بتصرف الرياضيين والإداريين والحكام في أولمبياد 2008 في العاصمة الصينية بكين، لكن تويوتا اليابانية ستضع أسطولًا من سياراتها العاملة بتقنية خلايا الوقود (الهيدروجين) بتصرف المشاركين في دورة الألعاب الرياضية الصيفية في العاصمة اليابانية طوكيو.

خضراء 100%
ليس تزويد السيارات والناقلات بمصادر الطاقة البديلة في طوكيو إلا جزءًا من استعدادات اليابان لإدارة أول دورة ألعاب أولمبية خضراء 100% في تاريخ الألعاب الرياضية. ويكشف تصميم المدينة الأولمبية البيئية، الذي وزعته بلدية طوكيو، أنها ستبنى على جزيرة طبيعية صغيرة في خليج طوكيو.

وكشفت الحكومة اليابانية لصحيفة يوميوري اليابانية المعروفة، للمرة الأولى، عن خططها لتزويد المدينة الأولمبية 2020 بالطاقة البديلة، وبتقنية خلايا الوقود تحديدًا، وهي تقنية كان البعض يعتقد أنها أخلت السبيل أمام الطاقة البديلة المنتجة من ضوء الشمس والريح.

وستبني اليابان عشرات محطات التزود بالهيدروجين داخل المدينة الأولمبية، وعشرات المحطات الأخرى في مقاطعة هارومي القريبة، وفي حي تشو القريب من المدينة الأولمبية التي ستحتضن دورة الألعاب الأولمبية الصيفية بعد سبع سنوات.

على هذا الأساس، ومن وجهة نظر الحكومة اليابانية، ستكون مدينة طوكيو الأولمبية نموذجًا يحتذى به في المستقبل لتزويد المدن الحديثة التي يجري بناؤها في اليابان مستقبلًا، والقرى النموذجية الأخرى بتقنية خلايا الوقود. وسيجري مد شبكة من الأنابيب التي تنقل الهيدروجين تحت الأرض. ويفترض أن يوفر الهيدروجين الكهرباء والتكييف والماء الحار لآلاف المشاركين في الدورة.

خلايا الوقود لمئات الآلاف
ستتولى تقنية خلايا وقود جديدة ومتطورة تحويل الهيدروجين إلى طاقة، وبكلفة معتدلة يمكن أن تكون بديلًا للمستقبل، بحسب مصادر جريدة يوميوري. وهذا يعني توفير الطاقة الكهربائية والتكييف إلى 22 مبنى لمبيت الرياضييين والضيوف، يتألف كل منها من 17 إلى 22 طبقة، وتتسع لأكثر من 17 ألف رياضي وإداري وضيف، عدا عن توفير الطاقة للملاعب والمطاعم والمسابح والقاعات المختلفة التي تتسع لمئات الآلاف من المشاهدين.

تتحول المدينة الرياضية، بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في 2020، إلى قرية نموذجية تتسع لأكثر من 10 آلاف شخص. سيحول أحد الملاعب إلى مدرسة حديثة، ومبنى كبير إلى مجمع للأسواق، فيما تتحول العمارات الأخرى إلى عمارات سكنية.

صار بوسع الشركات العالمية المهتمة بتقديم خططها للنهوض بالمدينة الأولمبية الهيدروجينية، بدءًا من العام الجاري، وستركز مدينة طوكيو أيضًا على مشاريع التخلص من النفايات، أو تحويلها إلى طاقة، باستخدام تقنية خلايا الوقود.

اختصار 10 أعوام
كانت منظمة تطوير الطاقة البديلة والإنتاج في اليابان، وهي مؤسسة حكومية عالمية، قد أخذت على عاتقها بدء التحول إلى الطاقة المنتجة من الهيدروجين في 2030، ويقع عليها الآن بدء حملتها قبل 10 أعوام من الموعد المحدد بسبب الخطط الحكومية الخاصة بالمدينة الأولمبية 2020. وتقدر المنظمة أن اليابان، التي تهتم بوجه خاص بهذه التقنية، تغطي 10% من حاجتها من الطاقة، بوساطة تقنية خلايا الوقود الآن.

ويبقى عليها أن تتغلب على مشكلة حفظ الطاقة المنتجة بهذه الطريقة أولًا، ثم العمل على خفض التكاليف إلى أقصى حد، ثانيًا. إلا أن البروفيسور تاكيو كيكاوا، المتخصص في الطاقة البديلة من جامعة هيتوتسوباشي في طوكيو، يبدو متفائلًا. إذ ذكر كيكاوا أن بناء المدينة الأولمبية سيكون مثالًا يحتذي به في اليابان في التحول إلى الطاقة البديلة، "فالحكومة اليابانية سترمي بكامل ثقلها في المشروع، وعبّرت عن اهتمامها بتقريب موعد التحول إلى طاقة خلايا الوقود في كتاب أبيض، أصدرته حول الموضوع في الفترة الأخيرة، ويركز على طرق كسب الهيدروجين من خلال تحليل الماء وتفضيلها على الطرق الكيميائية التي تنتج الهيدروجين من الغاز الطبيعي".

دعم حكومي
تقترح منظمة تطوير الطاقة البديلة والإنتاج في اليابان إنتاج الهيدروجين من الفحم، رغم قلة الفحم في الأراضي اليابانية، لكنها تعوّل على استيراد الفحم من أستراليا أو كندا أو روسيا لتحقيق هذا المشروع. وتبدو الحكومة اليابانية، وكذلك شركات الطاقة، أكثر تركيزًا في مساعيها على تقنية خلايا الوقود من تقنية الحصول على الطاقة من الشمس (السولار) أو الريح.

وأقرت اليابان دعم تويوتا موتورز في تسويق سيارات خلايا الوقود التي تعمل بالهيدروجين، وقد يتجاوز الدعم 400 مليون دولار في السنوات المقبلة. ويمنح قرار رئيس الوزراء شينزو آبي المستهلكين خصمًا لا يقل عن 20 ألف دولار للسيارة الواحدة، تعمل بتقنية خلايا الوقود، وهو أكبر برنامج حكومي لدعم السيارات التي تعمل بالهيدروجين، وسيعطي دفعة تجارية للتكنولوجيا التي تتوقع تويوتا انتشارها في العقود المقبلة.

وسيقلل البرنامج الممول من دافعي الضرائب تكلفة سيارة خلية الوقود التي ستطلقها تويوتا إلى حوالى 50 ألف دولار في اليابان، لتقترب من ثمن سيارة سيدان فاخرة صغيرة مثل الفئة الثالثة من بي.إم.دبليو.

ترويج للمستقبل
وقال توموهايدي كازاما، كبير المستشارين في معهد نومورا للأبحاث: "ما زال من الصعب إكساب تلك السيارات شعبية بين المستهلكين، لكن تأثير الدعم سيصل إلى الشركات المهتمة بالترويج لنفسها كشركات صديقة للبيئة، إنها خطوة لزرع بذرة للنمو في المستقبل".

وقد يساعد ذلك اليابان على التحول إلى طاقة الهيدروجين، حيث يسعى البلد المعتمد على استيراد الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة بعد كارثة فوكوشيما النووية إلى الحد من انبعاثات الكربون. وفي حين يأتي معظم الهيدروجين المنتج في البلاد حاليًا من الوقود الأحفوري فإن الحكومة تأمل في تطبيق الإنتاج الخالي من الكربون بحلول 2040.

هيدروجين تحت الأرض
قد لا تفي محطات التزود بالهيدروجين في داخل وخارج المدينة الأولمبية بحاجة مدينة كبيرة، وتفكر منظمة تطوير الطاقة البديلة والإنتاج في اليابان بخزن الهيدروجين تحت الأرض داخل المدينة. ويمكن للتجاويف في بين الطبقات الكلسية في جوف الأرض أن تنفع كخزانات كبيرة للهديروجين. ويكفي خزان من حجم يعادل حجم بناية ارتفاعها 150 مترًا أن تتسع لهيدروجين يكفي لسد حاجة 480 ألف وحدة سكنية من الطاقة.

وتحدث البروفيسور كيكاوا عن خطط يابانية لمزج كل أشكال الطاقة البديلة في محاولة لحفظ الزائد من الطاقة المنتجة. ويمكن لمثل هذا المشروع أن ينجح، لو توصل العلم إلى طريقة ناجحة ورخيصة، من دون خسارة في الطاقة، لتحويل الكهرباء المنتج من الريح والشمس مجددًا إلى غاز هيدروجين وخزنه في أعماق الأرض. مع ملاحظة أن تحليل الماء إلى أوكسجين وهيدروجين (خلايا الوقود) ومن ثم عكس المعادلة، يؤدي حتى الآن إلى خسارة 70% من الطاقة نفسها. ولا بد أذن من طرق جديدة لحفظ الهيدروجين واستعماله قبل إطلاق الألعاب النارية احتفالًا ببدء دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في طوكيو في 2020.

&