&استطاع كين اوليسا أن يحصد لقب أقوى رجل أسود في بريطانيا رغم ماضيه المتواضع، لا سيّما بعد تكليفه بمرافقة الملكة وأفراد العائلة المالكة، فيما نشط ضمن فعاليّات رائدة تؤكد انسانيته وتواضعه واخلاصه.

&
إعداد عبد الإله مجيد: "كين اوليسا"، أقوى رجل اسود في بريطانيا اليوم، فهو يرافق الملكة اليزابيث وأفراد العائلة المالكة في لندن، وهناك مكتبة في جامعة كامبردج تحمل اسمه، ولكن من يراه متوجهًا الى عمله بالقطار صباح كل يوم، لن يُميّزه عن الآخرين، لا سيّما لجهة ملابسه المتواضعة ومظهره البسيط، باستثناء ربطة "البابيون"، التي اصبحت علامته الفارقة. &
&
عدا ربطة العنق، ليس هناك ما يشير الى ان اوليسا، بحسب القائمة السنوية لأقوى الاشخاص في بريطانيا، أهم من الكاتب والممثل والكوميدي السير ليني هنري، أو العداء محمد فرح، حامل الميداليات الذهبية وبطل العالم في سباقي 5000 و10 آلاف متر، أو المخرج ستيف ماكوين، الفائز بجائزة الاوسكار.&
&
مُرافق الملوك
&
وكان اوليسا، أول رجل أسود مولود في بريطانيا يصل الى عضوية مجلس ادارة شركة كبرى هي رويترز، ويملك مصرفًا تجاريًا هو بنك ريستوريشن بارتنرز، ويُكرّم بإطلاق اسمه على مكتبة في جامعة كامبردج.&
&
وينشط اوليسا في مجال الأعمال الخيرية، حيث أُطلق اسمه على المكتبة بعدما تبرع للجامعة بمليوني جنيه استرليني، وهو رئيس سابق لجمعية بيبودي ترست للسكن الرخيص، ورئيس منظمتين انسانيتين لمساعدة المشردين والمعاقين، وعضو مجلس ادارة معهد المدراء. &
&
وكأن هذا كله لا يكفي، فإن اوليسا عُين في نيسان (ابريل) من العام الجاري، بتوصية من رئيس الوزراء، مرافقًا رسميًا للملكة في لندن، وممثلها إذا اقتضت الضرورة في المناسبات التي تُقام في العاصمة البريطانية، ويمنحه هذا اللقب مكتبًا في مقر الحكومة، وكادرًا يتألف من 90 موظفًا يتولى تنظيم جميع الزيارات التي تقوم بها العائلة المالكة في لندن.&
&
وهكذا، رافق اوليسا الملكة حين زارت وزارة الداخلية مؤخرًا، وكُلّف بمرافقة دوق ودوقة كامبردج مع الأمير هاري في العرض الافتتاحي لفيلم جيمس بوند الجديد "سبكتر"، &وفي صباح اليوم التالي نهض مبكرًا لمرافقة الدوقة في زيارة خيرية لإحدى مناطق لندن.&
&
وقال اوليسا انه يعمل على تهدئة المستقبلين قبل وصول افراد العائلة المالكة، لأنهم في الغالب يكونون متوترين ومتشنجين قبل وصول الضيوف الملكيين.&
&
بداية متواضعة
&
ويعني هذا كله ان اوليسا قطع شوطًا بعيدًا من بداياته المتواضعة في مدينة نوتنغهام وسط انكلترا، حيث نشأ في ظروف صعبة على يد والدته الوحيدة، فهو لم يعرف قط والده الذي ترك عائلته وعاد الى نيجيريا، حين كان اوليسا طفلًا.&
&
وكان المرحاض والحمام خارج البيت، وقال اوليسا لصحيفة الديلي تلغراف انه كان من السود القلائل في كل الحي، ولكنه أكد انه عاش طفولة طبيعية مثل سائر اقرانه في سن السابعة، يتسلق الأشجار ويمارس ألعابهم. ويتذكر ان احدهم سأله كيف يذهب الى التواليت. &
&
كان اوليسا يرفض دائمًا تحديد هويته بلون بشرته، وفي المدرسة علّمه المدير أن الجميع متساوون، حين كان يوزع على أطفال المدرسة الكافيار على قطع من البسكويت وموسيقى موزارت تنساب في الخلفية، ويؤكد اوليسا بأن نشأته علمته أن الموانع الوحيدة التي تحول دون تحقيق أحلامه هي موانع تكون في رأسه وليس في المجتمع. &
&
لاحقًا نال اوليسا بعثة الى كامبردج، حيث درس العلوم الطبيعية، ووقع في حب زميلته الطالبة جوليا، زوجته البيضاء منذ 40 عامًا، وقد انجبت له ابنتين، ولديهما الآن ستة احفاد.&
&
تحامل خفيف
&
يكره اوليسا فكرة الحصص، ويعتقد انها مهينة للأشخاص الذين يُراد مساعدتهم بها، &وقال لصحيفة الديلي تلغراف: "لأن ما يحدث هو ان رجلًا أسود يحضر اجتماعًا ما، فيفكر الجميع انه حصل على وظيفته لأنه أسود وليس لأنه يستحق ذلك"، &مشيرًا إلى انه تعرض الى هذا الموقف، كون الآخرين يميلون الى تصوير الأسود بقوالب نمطية، وانه اختار ان يتحدى هذه القوالب النمطية.&
&
واكد اوليسا انه تعرض الى كثير من التحامل، لكنه تحامل خفيف وليس على طريقة منظمة كو كلاكس كلان العنصرية في الولايات المتحدة، وشدد على ضرورة ألا يتصرف الأسود تصرف الضحية. &
&
وتابع اوليسا أن قائمة اقوى الأشخاص في بريطانيا تبيّن أن السود يستطيعون ان يحققوا طموحاتهم اياً تكن، ولم يعد هناك مكان للقول بأنك لا تستطيع الارتقاء على السلم الاجتماعي لأنك اسود، بل هناك اسباب عديدة اخرى تعيق التقدم، منها عدم الكفاءة وسوء السلوك والتخلف عن الوصول الى مكان العمل في الوقت المحدد، على سبيل المثال، وليس لأن الشخص اسود. &
&
نبأ سار
&
ولكن اوليسا يكره الظلم الذي تبدّى بوضوح بعد اصطدامه مع رئيس مجلس العموم جون بيركو في عام 2011، إذ عُين اوليسا عضوًا في هيئة المعايير البرلمانية المستقلة لمراقبة سلوك النواب بعد فضيحة المخصصات.&
&
وقال اوليسا إن النواب كانوا يمقتون اعضاء الهيئة وكانوا يستهدفونها بصرخات الاستهجان من البداية، وذهب نواب الى حد الادعاء بأنهم اضطروا الى النوم في مكاتبهم بسبب الضوابط التي فرضتها الهيئة، "وهذا هراء"، على حد وصفه. &
&
واستقال اوليسا من عضوية مجلس الهيئة عندما اعلن رئيس مجلس العموم بيركو ان على اعضاء مجلس الهيئة أن يقدموا طلب العضوية في المجلس مجددًا، فيما اتُهم رئيس مجلس العموم نفسه بالتلاعب بالتعيينات انتقامًا من الحملة على ادعاءات بعض النواب الكاذبة من اجل الحصول على مخصصات، ولاحظ اوليسا أن هذا كله لم يحدث لأنه أسود، قائلًا: "ان هذا نبأ سار". &
&
بلدٌ محظوظ
&
وحين سُئل اوليسا إن كان يعتقد بأن بريطانيا ستُحكم ذات يوم برئيس وزراء اسود، أو ان يكون هناك اسود بين افراد العائلة المالكة، قال: "ليس هناك سبب يحول دون ذلك، فهناك مرافق الملكة، وهو ليس ابيض الآن" في اشارة الى نفسه، لكنه اعتبر ان بريطانيا كانت على الدوام مجتمعًا متعدد الثقافات، من 25 الف جندي كاريبي قاتلوا مع القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، الى الطيارين البولنديين الذين شاركوا في حماية بريطانيا ضد المانيا النازية، وقال إنه من الضروري ان يتذكر البريطانيون ذلك، لا سيما بعد اعتداءات باريس وأزمة اللاجئين. &
&
واضاف اوليسا وهو يُعدّل ربطة البابيون، إحدى أكثر الرموز المميزة للجنتلمان البريطاني: "نحن بلد انساني ومحظوظون أن نكون كذلك. محظوظون أن يهب اجانب حياتهم من أجلنا، وإذا فرّطنا بذلك سندفع الثمن باهظًا". &
&